واجه نواب البرلمان السوداني قرار تطبيق زيادة أسعار المحروقات قبل إجازتها منه، بعاصفة من الغضب والرفض، وقالوا إن الخطوة تنتقص دور الهيئة التشريعية وكرامتها، فطالبوا بسحب الثقة من وزير المالية علي محمود فوار بعدما تجاوز البرلمان الذي نجح في إسقاط مقترح الجهاز التنفيذي زيادة سعر البنزين «5» جنيهات و«2.5» للغازولين وعدلهما لـ «4» جنيهات و«1.5» جنيه على التوالي، وسط موافقة الوزير الذي يراهن على امتصاص غضب الشارع.

وفي حين استخدمت قوات الأمن السودانية الهراوات والغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرات في ضاحيتين بالعاصمة الخرطوم التي دخلت يومها السابع احتجاجا على قرارات الحكومة بخفض الإنفاق، دعت منظمة العفو الدولية السلطات السودانية إلى إنهاء حملتها، التي وصفتها بالوحشية، ضد الاحتجاجات ووقف مضايقة الصحافيين الذين يغطونها.

وأجاز البرلمان برئاسة أحمد إبراهيم الطاهر تقرير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية حول مشروع تعديلات الموازنة العامة للعام المالي 2012 والقوانيين المصاحبة في مرحلة السمات العامة.

واتسمت مداولات الأعضاء بالنقاش الساخن والرفض التام لمبدأ الزيادة التي طرأت على المحروقات، واعتبر عدد من الأعضاء أن في ذلك ضعف للدور البرلماني، ورأي البعض أن لا جدوى من مناقشة الموازنة بعد توزيع منشور الزيادة على المحروقات، فيما برر السيد وزير المالية هذه الخطوة بأنها تدابير احترازية لجأت إليها الوزارة تفادياً لاحتكار وتخزين المواد البترولية قبل إجازة البرلمان للزيادة التي وردت في تعديل الموازنة.

وطالب النواب بسحب الثقة من وزير المالية فوراً، بالنظر إلى تجاوزه الهيئة التشريعية، لكن رئيس البرلمان أحمد إبراهيم حاول تبرئة الوزير من قرار الزيادة، وقال إنه « شاوره في إجراء مثل هذه الخطوة الاحترازية تحوطاً من استغلال بعض ضعاف النفوس للمقترح والعمل على تخزين المحروقات»، إلا أن عدداً كبيراً من النواب وصف خطوة وموافقة رئيس الهيئة دون الرجوع إلى البرلمان بأنها خطأ كبير.

تعديل الزيادة

وتقدمت لجنة المالية بمقترح بهذا الشأن تخفيض البنزين من 5 جنيهات إلى 4 جنيهات، ليصبح السعر 12.5 للغالون بدلاً من 13.5 جنيهاً، وللغازولين من 2.5 إلى 1.5 جنيه ليكون السعر 8 جنيهات، حيث وافق وزير المالية على هذه المقترحات، وتمت الإجازة في مرحلة السمات العامة، وقال إن المعالجات التى تمت فى الموازنة شارك فيها كافة الخبراء الاقتصاديين بالبلاد، متحدثاً عن التدابير والإجراءات التى اتخذت لتحقيق الاستقرار الاقتصادى، وأكد أن الإنجازات التى حققتها الدولة تجاه المشروعات التنموية والخدمية ساهمت كثيراً فى زيادة الإيرادات ودفع عجلة الاقتصاد الوطني.

وأضاف أن التحديات الأمنية والسياسية التى شهدتها البلاد أدت إلى الأزمة الاقتصادية، مؤكداً اهتمام الدولة بتخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين ودعم السلع الضرورية، وتخفيض الرسوم على المواد الغذائية، ودعم العلاج بالخارج، والأدوية المنقذة للحياة، بجانب تخفيض الإنفاق الحكومى. لافتاً إلى أن الحكومة مهتمة ببرامج التمويل الأصغر وتشغيل الخريجين، مشيراً إلى زيادة منحة العاملين بالدولة، وإعفاء كافة احتياجات المعاقين من الرسوم.

ربط الأحزمة

في الأثناء، دافع النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان عن خطوة وزارة المالية، ووصفها بـ «الإفراج المؤقت» لحين تمرير الزيادات من قبل الهيئة، وليس بها تجاوز للهيئة لا من قريب ولا من بعيد، مؤكداً ثقته الكاملة في الجهاز التنفيذي واحترامه للهيئة التشريعية. وألمح إلى أن تحديد الأسعار سلطة تنفيذية، وأكد أنه يربأ بالأمر أن يتحول إلى سجال بين الجهاز التنفيذي والتشريعي.

وشدد طه أمام البرلمان أمس على ضرورة ربط الأحزمة، منتقداً بشدة السلوك الاستهلاكي للمجتمع، متهماً إياه بالاتجاه إلى المظاهر. وقال: «نحن لا نعرف أدب الادخار»، مشيراً إلى أن الأسر في السودان تعتمد على الاتكالية. وأقرَّ بوجود أخطاء في سياسات الدولة، مشدداً على ضرورة مراجعتها.

على الصعيد ذاته، كشف طه عن وجود تقارير من الأمن الاقتصادي عن محاولات كبيرة لتهريب الوقود، فضلاً عن محاولات للحركات المتمردة للحصول عليه، وأكد أن رفع الدعم جاء لاعتبارات اقتصادية وأمنية، متهماً جهات داخلية، وصفها بالمتربصة بالسوق، للثراء السريع. وقال إن رفع الدعم قبل إجازة البرلمان له جاء لمنع الكسب غير المشروع.

ارتياح وزاري

 

أبدى عدد من قيادات ونواب المؤتمر الوطني ارتياحهم من الخطوة السياسية التي أقدمت عليها مؤسسة الرئاسة بتقليص حصة الحزب الدستورية والتنفيذية في الحكومة والبرلمان الذي اقتضته المصلحة الوطنية. وقال القيادي في المؤتمر الوطني والعضو البرلماني الأستاذ عبد السخي عباس إن هذه «الخطوة التي اتخذت من قبل مؤسسة الرئاسة بتقليص حصة المؤتمر الوطني في الجهازين التنفيذي والتشريعي، وعلى مستوى حكومات الولايات المختلفة، تعبير على شفافية ونزاهة الحزب في العملية السياسية»، مبيناً أن قواعد وقيادات الحزب بالمركز والولايات قد وافقت على هذه الخطوة، لا سيما بعد استقالات أعضاء كتلة المؤتمر الوطني في البرلمان لإتاحة الفرصة لبقية الأحزاب لكي تلعب دوراً أكبر في المراحل المقبلة، مضيفاً أن التقليص الدستوري والحكومي الذي تم يهدف إلى إعلاء المصلحة الوطنية العليا.