أعادت مجزرة الحولة، التي ذهب ضحيتها 108 أشخاص معظمهم من الأطفال دون العاشرة، ومن النساء والشيوخ، الزخم الإنساني للثورة السورية، بعد أن فقدته لبعض الوقت في أروقة السياسيين من معارضة ونظام، ومجلس أمن دولي ولجنة متابعة عربية، فكانت المواقف تبحث بين السطور عن صياغات ونعوت وحلول تبتعد شيئاً فشيئاً عن حقيقة ما يحدث على الأرض، من قتل وتهجير وتصفية ترقى إلى مستوى التطهير العرقي.
صحوة العالم
فجأة تنبه العالم وهو يراقب شكل المقبرة الجماعية، التي أقيمت في مكان المجزرة بحضور مراقبي الأمم المتحدة، إلى أن ما جرى أكبر من أن تحتويه العبارات الدبلوماسية، وأن تلطف من بشاعته، إدانة للعنف بشكل مطلق دون التطرق للمسؤول عن الفعل الإجرامي.. الذي وصفته مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي الليلة قبل الماضية بأنه «قد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية أو غيرها من أشكال الجريمة الدولية»، موضحة في بيان أن دول العالم عليها واجب القيام بكل ما في وسعها لملاحقة مرتكبي الجرائم، مطالبة مجلس الأمن بالنظر في إحالة ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية على وجه الاستعجال.
كما أعربت بيلاي عن شعورها بالترويع من «سقوط عدد كبير جداً من القتلى والجرحى على يد القوات الحكومية والميليشيات في ثلاث قرى في منطقة جريدة الحولة بحمص في وقت مبكر من يومي الجمعة والسبت». وطالبت بضرورة «إجراء تحقيق فوري وغير مقيد حول وقوع الحادث من قبل هيئة دولية مستقلة ومحايدة» محملة في الوقت نفسه «الحكومة السورية مسؤولية قانونية وأخلاقية للمساعدة في البحث عن تحقيق كامل وإلى اتخاذ خطوات ملموسة لمنع وقوع أية أعمال مماثلة». مضيفة القول: إن «سوريا عانت عدداً من التفجيرات الكبرى في الشهور الأخيرة والتي لايمكن وصفها سوى بأنها أعمال إرهابية» منددة بشدة بالأعمال التي تستهدف حياة العديد من المدنيين.
هروب إلى الأمام
وأمام بشاعة المجزرة والإدانات الدولية المتواترة لم تجد السلطة السورية ما تبرر به المذبحة سوى بالهروب إلى اتهام مجاني لـ«الجماعات المسلحة»، وهو ما لقي صدى لدى بعض الأصدقاء والحلفاء الذين حاولوا مداراة الفضيحة الإنسانية بتوزيع التهمة على الطرفين بالتساوي، القاتل والضحية.
ولكن قوة لون الدم كانت أكثر سطوعاً من محاولات لملمة الموضوع دبلوماسياً وصرخات الأطفال المكتومة، ونظرات الرعب في أعينهم، ستظل ولزمن طويل إحدى أيقونات الثورة السورية، التي تكتب سطورها بدم الأطفال والنساء والشيوخ.
منذ شهور تحول القتلى في سوريا إلى مجرد أرقام، تتداولها وسائل الإعلام وتلوكها ألسنة المذيعين، حتى تحول الأمر إلى ما يشبه أزمة ترددها وسائل الإعلام دون إحساس بالبعد الحقيقي للمأساة، والمكتوبة بالدم والدموع والخوف والرهبة.
وها هي مجزرة الحولة، أشبه بناقوس أيقظ العالم من غفوة طويلة نسي فيها حقيقة ما يجري في مدن سوريا المنكوبة والصابرة والمستميتة في تحقيق الأهداف التي رسمتها لنفسها منذ الأيام الأولى لاندلاعها، وهي الحرية وإسقاط النظام والخروج من مملكة الصمت والخوف المستمرة منذ نصف قرن مضى.
