وسط ترقّب سوداني ودولي لاستئناف المحادثات بين السودان وجنوب السودان، ولجلسة أممية جديدة تتناول الوضع المتفجّر بين الجارين، اعتبر زعيم حزب الأمة - الإصلاح والتجديد السوداني مبارك الفاضل المهدي أنه في ضوء عدم حسم ملفات الحدود والبترول فلا أمل في اتفاق أو استقرار. ورأى أن ما يجري في السودان «مشكلة شمالية شمالية.. ثم شمالية جنوبية»، ولفت إلى تداخل جغرافي ومصالح معقّدة كشفته تداعيات الحرب المصغرة في هجليج الشهر الماضي.

 وركّز على أنه لا حل لهذه المشكلة المتشابكة إلا بحل المشكلة المركزية في الشمال عبر مشروع يتفق عليه كل السودانيين عبر مؤتمر دستوري تحضره كل القوى السياسية والمعارضة المسلحة «يتفق خلاله على شكل الحكم في السودان.. دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية» وعلى ملامح بدستور جديد، وكيفية توزيع الدخل القومي، ومرحلة انتقالية تشمل وقف الحروب وتشكيل حكومة انتقالية تحضر لانتخابات عامة والاتفاق على شكل العلاقة مع الجنوب كـ «توأمة» والدخول في شراكة مع الجنوب.

وقال مبارك الفاضل، الذي كان قد شغل مناصب الوزارية في حكومات سابقة بينها الداخلية والاقتصاد والزراعة، في حوار مع «البيان» إن «السودان يعيش مشكلات كبيرة» عزاها إلى تنكّر المؤتمر الوطني الحاكم للمبادئ الأساسية لاتفاق السلام الموقع في نيفاشا العام 2005 والتسويف في قضية التحول الديمقراطي.

واتهم المهدي الضامنين لاتفاق نيفاشا، أميركا وأوروبا، بلعب ما وصفه بـ «دور سيء»، لأنهم، برأيه، تجاهلوا النصوص الأساسية في الاتفاق والتي كانت تنص على التحول من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي وتمكين السودانيين من الاختيار بين دولة ديمقراطية فيدرالية ودولة شمولية. وأضاف: «كان التعامل الغربي مع المشكلة بتبسيط واختزال ما تسبب في عدم استقرار الجنوب وكذلك الشمال وأفرز تعقيدات كبيرة حرمت السودان بشطريه من الاستقرار.. ما جعل السودانيين يخوضون حربين إضافة إلى دارفور وحرب مع الجنوب». وقرع جرس إنذار من مخاطر حرب أهلية في الشمال مع مكونات الحركة الشعبية المقيمة هناك.

ولام الزعيم السياسي السوداني، الذي يتميّز بامتلاكه ذاكرة حاضرة وخصبة، إن النظام الحاكم في الخرطوم منشغل في الحفاظ على السلطة وممارسة لعبة التكتيكات في القضايا الاستراتيجية، وانفردوا في القرارات حتى في ظل حكومة الشراكة. وأردف القول في رد على سؤال لـ «البيان» عن أسباب الهجوم على النظام الحاكم وهو الذي قبل بنتائج استفتاء الجنوب مطلع العام الماضي وشارك في حفل إقامة دولة الجنوب، إن «النظام الحاكم في الشمال أعطى الجنوبيين حق تقرير المصير تحت ضغط كبير جداً وفي إطار سعي لتفكيك علاقة الحركة الشعبية مع المعارضة الشمالية». وقال إن القيادة في الخرطوم عملت على تغيير النظام في الجنوب لمصلحتها حيث قدمت دعما لميليشيات لزعزعة النظام هناك.

وأردف المهدي القول إن الأزمة الحاصلة مع الجنوب مرتبطة بأزمة الحكم في الشمال وأن «النظام يكرر ذات الممارسات التي كانت تتم في الشمال والتي أدت إلى انفجار الحرب في دارفور للسنة الثامنة فضلا عن انفجار الحرب في جنوب كردفان وفي النيل الأزرق عبر نهج الإملاء بالقوة والانفراد بالرأي والأحادية العرقية الثقافية».

علاقة ومكسب

ورأى أن النظام كان يمكن أن يكسب من العلاقة مع الجنوب لو تعامل بعقلانية. وأضاف أن «التعامل بشكل اقتصادي عقلاني مع تصدير البترول كان يمكن أن يجني بـ 1.5 مليار دولار وان يتحصّل الشمال على ما بين ثلاثة إلى أربعة مليارات من التبادل التجاري وتقدم الخدمات حيث هناك 2000 كيلومتر من الحدود كما أن الثقل السكاني لدولة الجنوب متاخم للشمال وهؤلاء يعتمدون على الشمال على عكس الولايات الاستوائية التي تعتمد على دول شرق إفريقيا. وأشار إلى عمق ثقافي وعلاقات إنسانية هائلة كان يمكن استثمارها.. وحتى نعيد الوحدة مرة أخرى». وبدا مناصراً لفكرة إقامة علاقة سوية مع الجنوب يمكن من خلالها الاستفادة من النفط الجنوبي عبر الدخول في شراكة وفقا لمقترح قديم قدّمته الصين عبر تشكيل شركة عالمية محاصصة.

مشكلة شمالية شمالية

وقال السياسي السوداني إن ما يجري في بلاده في الأساس «مشكلة شمالية شمالية .. ثم شمالية جنوبية»، ولفت إلى تداخل جغرافي معقّد كشفته تداعيات الحرب المصغرة في هجليج حيث كانت أطراف شمالية مع الجنوب وأطراف جنوبية تقاتل مع الشمال إن المسؤولية أخلاقية أو حسابات أمن استراتيجي. وركّز على أنه لا حل لهذه المشكلة المتشابكة إلا بحل المشكلة المركزية في الشمال عبر مشروع يتفق عليه كل السودانيين عبر مؤتمر دستوري تحضره كل القوى السياسية والمعارضة المسلحة «يتفق خلاله على شكل الحكم في السودان.. دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية» وعلى ملامح بدستور جديد، وكيفية توزيع الدخل القومي، ومرحلة انتقالية تشمل وقف الحروب، وتشكيل حكومة انتقالية تحضر لانتخابات عامة والاتفاق على شكل العلاقة مع الجنوب كـ «توأمة»،

وشدد على أن «الفرصة موجودة» وعلى أن البداية هي في اتفاق السودانيين على حل مشاكلهم.

انهيار اقتصادي

ويرى المهدي إن النظام الحاكم في الخرطوم يواجه انهياراً اقتصادياً، مشددا على أن لا حل لهذا المصير سوى الحل السياسي. ولفت إلى أن بند الأمن يلتهم 76 في المئة من الموازنة. وقال إن هناك ديونا متراكمة مع فوائدها قيمتها 40 مليار دولار تمنع السودان من الاستفادة من مبادرة الهيبك (مبادرة الدول الأقل نقدا) وبالتالي إسقاط الديون عنها و«هذا لا يتأتى إلا من خلال وجود حكومة رشيدة تقدم على محاربة الفقر وعدم صرف الأموال على الحروب. ولفت إلى فقد العملة السودانية 30 في المئة من قيمتها، وإعادة الثقة وإعادة بناء الوطن، وفصل الحزب عن الخدمة الوطنية، مطالباً بحكومة جديدة انتقالية منها ترتيب الأوضاع يكون فيها حزب المؤتمر «جزءاً من الحكم لا مهيمنا عليه».

المعارضة أحرجت

وعن موقف المعارضة غير الواضح مما يجري على الحدود وحرب هجليلج أقر مبارك الفاضل المهدي بأن المعارضة «أحرجت مما جرى من تطورات وتحرك الجنوب عسكريا في هجليج.. ما عقّد الوضع». وأضاف أن المعارضة «انقسمت في التعاطي مع الملف «بعضها مشى ميلا نحو موقف السلطة طوعا أو استجابة لابتزاز الحكومة.. وبعضها سكت». وأقر بأن «المعارضة متأخرة»، لكنه أشار إلى اتفاقها حيال ملامح مشروع ميثاق يؤطر للبديل المطلوب فضلا عن إصدار إعلان دستوري، مؤكدا على اتفاق على ملامح الحل وعلى علاقة توأمة وطيدة مع الجنوب وعلى تسوية الأمور في العالم.

دور تجاري

قال مبارك الفاضل المهدي إن الصين " شغالة في افريقيا تجارة وليست سياسة".وقدّر أن تذهب الصين في الاستثمار في خط أنابيب آخر، وأن تعمل على وضع يدها على نفط الجنوب (وفقا لنتائج زيارة رئيس جنوب السودان الصين سيلفاكير ميارديت في إبريل، خوفا من استحواذ الأميركيين على البترول. وأكد أن الصين لن تترك هذا البترول يخرج من يدها .. وبخاصة مع دخول الهند على خط المنافسة مع شركة توتال الفرنسية وشيفرون الأميركية.

رسوم

 

36

قال مبارك المهدي إن النظام الحاكم في الخرطوم طالب الحكومة الجنوبية بـ 36 دولاراً على كل برميل يمر عبر الأراضي السودانية .. في حين عرض الجنوبيون 13.

وأضاف إن النظام طالب الجنوبيين بسد العجز في الموازنة العامة نظرا لخروج بند النفط منها وألا نمسك بالـ 36 دولارا. لافتا إلى أن المانحين اقترحوا أن يدفع الجنوب 2.4 مليار دولار من مجمل العجز البالغ 5.9 مليارات على أن يغطوا الباقي لكن الخرطوم رفضت.

خدمات

 

1/2

 

رأى مبارك المهدي أن حكومة السودان كان يمكن أن تعيد نصف أموال البترول عبر تقديم الخدمات لدولة الجنوب مثل: إعادة التصدير، والصحة والتعليم.

وكشف أن الجنوبيين القاطنين في المناطق المحاذية للشمال كانوا يحولون يوميا عبر شركة زين للاتصالات ما يقارب الـ 400 ألف دولار باليوم.

تأثير

5

في إطار حديثه عن التأثير الثقافي والرباط الوجداني بين الجنوب والشمال كشف المهدي عن إضراب قبل أسابيع من قبل الطلبة في جامعة جوبا رافضين الدراسة بالانجليزية طالبين الدراسة بالعربية «ما حدا بوزير التعليم الجنوبي إلى زيارة الخرطوم ليطلب استمرار الشهادة القانونية السودانية لخمس سنوات أخرى .. إلى جانب طلب مدرسين.

تداخل

 

6

أوضح ضيف «البيان» أن هناك قبائل يبلغ عددها ما بين ستة إلى ثمانية ملايين نسمة تحد الجنوب وتعيش نحو ستة إلى ثمانية شهور صيفا على طول الحزام الحدودي فضلا عن امتلاكها ثروة حيوانية تقدر بـ 30 مليون رأس من الأبقار. وهذا خلق مصالح كبيرة جدا بين قبائل الشمال والجنوب. وتابع المهدي القول: «حتى إذا حصل الانفصال السياسي يظل الرابط الثقافي والإنساني والاقتصادي؟»

حنين

 

2

أشار المهدي إلى حضوره أخيرا زفاف ابنة رئيس جنوب السودان سيلفاكير يارديت حيث كان هناك مغنون من عدة دول إفريقية وبينهم مغنية من شمال السودان .. وعندما حان دورها التهب الميدان بالتصفيق والتفاعل .. فقال له مسؤول جنوبي كان إلى جانبه: ؟... ويقولون إن هناك انفصال بعد كده؟ .. أي انفصال».

وأشار إلى أن معظم هواتف المسؤولين الجنوبيين تطلق إلى سامعيها نغمة مطرب أو أغنية شمالية.

نقل

1.6

في معرض حديثه عن خسائر الشمال، قال المهدي إن الجنوب بثقله الديموغرافي كان يشغل حركة النقل، والموانئ، والسكة الحديد وحركة النقل النهري. وأشار إلى استيراد الجنوب عبر ميناء مومباسا ستة ملايين طن، كان يمكن أن يكون ثلثاها (أربعة ملايين) عبر ميناء بور سودان. ولفت إلى تصدير أوغندا إلى دولة الجنوب خلال العام الماضي ما قيمته مليار و 600 مليون دولار، معظمها إعادة تصدير.