عادت أنهار الدم إلى مشهد الصورة المضطربة في مصر، معيدة إلى الأذهان مشاهد ظنّ المصريون أنهم ودعوها إلى غير رجعة. واعتصم متظاهرون أمام وزارة الدفاع في ميدان العباسية فهاجمهم مجهولون أو «بلطجية» كما يكنون في القاموس السياسي الجديد. لكن الأحداث، وبقدر ما أسالته من دماء، بقدر ما تركت من تساؤلات حيرى عن من يقف وراءها ويغذيها ومن المستفيد الأكبر من تفجيرها، في وقت تستعد مصر الى اجراء انتخابات رئاسية وشيكة.

وبقدر ما تكثر التساؤلات عن مفجري الأحداث، تتباين الآراء والتفسيرات، فما بين ملق بالمسؤولية على المجلس العسكري، ومن يتهم فلول نظام مبارك الدفع بــ «البلطجية» لقتل المتظاهرين بغية جر البلاد إلى حالة الفوضى، وثالث يخرج بتفسيراته خارج حدود البلاد متهماً دولاً خارجية بإحاكة مؤامرة دولية لعرقلة التحول الديمقراطي ومنع البلاد من الوصول لمرافئ الاستقرار المنشود، في وقت صارت البلاد على أعتاب انتخابات رئاسية وكتابة دستور جديد.

 

الفلول محرضاً

ويطرح الشارع المصري سيناريوهات متباينة ، إذ يتهم البعض فلول النظام السابق وأنصار الحزب الوطني المنحل، بــ «افتعال المشاكل والدفع بالخارجين عن القانون إلى التصدي للمتظاهرين السلميين، تحقيقًا لدعوة مفتوحة للعنف أطلقها الرئيس السابق حسني مبارك حينما قال قبيل سقوطه « أنا أو الفوضى!»، مشيرين إلى أن أنصار النظام السابق يظلون أكبر المستفيدين من إحداث بلبلة في الشارع المصري، وتعزيز حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، لدفع الشارع المصري إلى الندم على أيام الرئيس السابق، والندم على القيام بالثورة التي ما زال المصريون يدفعون إلى الآن ضريبتها دماء أبنائهم».

وعلى ذات الاتجاه، ينحو كثير من المراقبين والمحللين السياسيين، يأتي على رأسهم أمين عام حزب العمل الإسلامي وعضو مجلس الشعب مجدي قرقر، إذ أكد أن رموز نظام مبارك القابعين خلف دهاليز السجون يحركون الأمور عبر أذرع لهم في الخارج، محاولين من خلالها إثارة الفوضى في الشارع».

 

«العسكري» متهماً

إلى منحى آخر، يذهب البعض متهمين المجلس العسكري بــ «دفع البلطجية التصدي للمتظاهرين خدمة لأجنداته المختلفة، وتسهيل مأموريته في عدد من المسارات»، مشيرين إلى أن «العسكري» دفع بالبلطجية في أحداث العباسية كمحاولة لتأكيد أن الشارع المصري غير آمن الآن، وأن مطالب حزب الحرية والعدالة ومجلس الشعب بإسقاط حكومة الجنزوري، مطالب خاطئة تعزز من الفوضى».

فيما يرى البعض ووفقًا لذات الاعتقاد، أن «المجلس يحاول مد الفترة الانتقالية بتعزيز حالة عدم الاستقرار الأمني، بما يعني أن إجراء الانتخابات الرئاسية في مثل تلك الأجواء بات أمراً صعباً.

لكن المجلس العسكري المصري نفى في أكثر من مرة اتهامات تصديه للتظاهرات بالقوة، أو استخدام أي نوع من البلطجية، باعتبارها ممارسات تتنافى والتاريخ العظيم والمشرف للعسكرية المصرية.

 

لا محرض

ويطرح آخرون تفسيراً ثالثاً للأحداث، ينفى مسؤولية النظام السابق والمجلس العسكري عن تحريض البلطجية لإحداث مجزرة ميدان العباسية، ملقياً باللائمة على «السمات الإجرامية للبلطجية للتصدي للمتظاهرين في ميدان العباسية ، واستغلال حالة الانفلات الأمني»، في الوقت الذي يحمّل كثير من المواطنين محدودي الدخل أن «الثورة تسببت في «قطع عيشهم»، بما يجعلهم يتصدون للثوار في كل بادرة للتنفيس عن غضبهم من الثورة».

ويذهب وكيل جهاز أمن الدولة السابق الخبير الأمني فؤاد علام إلى ذات المنحى، مشيراً إلى أن «البلطجية ليسوا مدفوعين لكنهم يحاولون استغلال حالة الانفلات الأمني الحالية، لإحداث حالات من الاشتباكات مع المواطنين المتظاهرين، وخاصة أن بعضهم يرى الثورة على أنها كانت السبب الرئيسي وراء حالة عدم الاستقرار الحالية ويريد الانتقام من الثورة».

وتبقى وجهة نظر رابعة في تفسير أحداث العباسية، تتعلق بدول خارجية لا تريد لمصر الاستقرار وتدفع عناصرها إلى الاندساس بين المتظاهرين، بهدف تصعيد الأمور واستفزاز المجلس العسكري لدفعه إلى الانقلاب على السلطة وفرض الأحكام العرفية، وهو حديث دائما ما كان يتردد خلال أحداث سابقة دون أن يكون هناك دليل ملموس.