أرادت الحكومة الأردنية، أو هكذا كان الظن، رتق الشرخ مع الشارع الذي خرج طوال أكثر من عام مطالباً بالإصلاح وعلى رأسه قانون انتخاب ليكون ضابط إيقاع للتشريعات الناظمة للحياة السياسية الأردنية.. لكن ما جرى يوم كشفت الحكومة عن مشروع قانون الانتخاب لعام 2012 أن الفتق الذي أرادت رتقه اتسع برفض معظم مكونات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وحراك شعبي وهيئات سياسية له.
وما يخشاه السياسيون في الأردن أن يستمر اتساع الشق بين الشارع والحكومة خاصة في ظل استخدام الدولة لأدوات جديدة أكثر حدة في التعامل مع الحراك الشعبي.
ثلاثة سيناريوهات
اليوم هناك ثلاثة سيناريوهات تتعلق بالراهن من الحياة السياسية الأردنية. الأول، إجراء الانتخابات النيابية بعد إقرار مشروع قانون الانتخاب الذي أصدرته الحكومة الأسبوع الماضي وأرسلته إلى مجلس النواب لدراسته وإقراره.
وفي حال استقر الرأي على هذا السيناريو فإن من المتوقع إعلان مجموعة كبيرة من الهيئات السياسية والأحزاب والحراكات مقاطعتها للانتخابات.
أما السيناريو الثاني، فارجاء الانتخابات البرلمانية إلى العام المقبل رغم أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني طلب من حكومة عون الخصاونة إجراءها هذا العام.
وهو ما يفرض تحديات سياسية تزيد من احتقان الشارع.. في حين يكمن السيناريو الثالث في سحب مشروع قانون الانتخاب، ثم إصدار قانون مؤقت توافقي. وهو ما يتطلب حل مجلس النواب ما يعني وفق القانون إقالة الحكومة وتشكيل أخرى جديدة.
وفي ظل هذا السيناريو من المنتظر أن يواجه صانع القرار السياسي في الدولة الأردنية تحديات وظروف صعبة في ظل مطالب شعبية متزايدة وموازنة تعاني من تفاقم العجز.
حقن الاحتقان
وما يزيد من تعبئة الاحتقانات السياسية في الشارع إدراك القوى الوطنية أن بين يدي الحكومة الحالية أو أية حكومة مقبلة قرارات اقتصادية صعبة هي اليوم برسم التنفيذ، رغم أنها مرفوضة شعبياً.
على حد تعبير القوى الوطنية فان الحكومة على أي جانبيها تميل فان السيناريوهات ستبقى صعبة، محملة مسؤولية الوصول إلى هذه الحالة إلى صانع القرار السياسي الذي يتباطأ في اتخاذ قرارات حاسمة لصالح الدخول في عملية إصلاح جادة.
وما يزيد من الشق السياسي المحلي هو أن جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين، كبرى التنظيمات السياسية في المملكة الهاشمية، لا تنظر إلى مشروع قانون الانتخاب المقدم إلى مجلس النواب بانه الإشكال الوحيد فقط. فاستناداً إلى مصادر الجماعة فإن الإخوان يرهنون مشاركتهم في انتخابات النيابية بإجراء تعديلات دستورية في المواد 34 و35 المتعلقة بصلاحيات الملك وآليات تشكيل الحكومات.
في الجانب الآخر، تعلن القوى الوطنية، ومن بينها الإسلاميون، حتى اللحظة عن إجماعها على النظام النيابي المختلط القائم على القائمة النسبية (50 في المئة على مستوى الوطن و50 على مستوى المحافظات).
انتخابات 89 ونظام الكتل
وكانت انتخابات 1989 الوحيدة التي انتخب فيها مجلس نواب أردني وفق قانون انتخابي مرضي عنه إلى حد كبير.
فبعد هذه الانتخابات بدأ الشرخ في ملف الانتخابات الأردنية باعتماد قوانين تستند إلى مبدأ الصوت الواحد الذي رفضه معظم مكونات المجتمع الأردني، واتهم بتجزئة المجتمع وتقسيمه إلى هويات فرعية أبرزها العشائرية، والمناطقية.
ورغم أن قانون الانتخاب التي أجريت على أساسه انتخابات العام 1989 يعرف بهذا التاريخ إلا انه كان أقرّ في سنة 1986. ويستند هذا القانون على نظام انتخاب يعرف سياسياً بنظام الكتلة، الذي يستخدم في الدوائر التعددية ولا يندرج تحت الأنظمة النسبية وإنما الأغلبية، بمعنى أن الفائزين هم من يحصلون على أعلى الأصوات عددا بغض النظر عن نسبة تلك الأصوات.
ويختلف هذا النظام عن نظام الصوت الواحد الذي أقر في العام 1993 في أن الناخب في الصوت الواحد غير المتحول يملك صوتاً واحداً يمنحه لمرشح واحد في حين أن الناخب يمتلك في نظام الكتلة أصواتا بعدد مقاعد الدائرة التي ينتخب فيها. ومن أهم ميزات نظام الكتلة أنه يمكن الناخبين من اختيار مرشحيهم بحرية أكبر ومن دون الأخذ بانتماءاتهم الحزبية.
كما يسمح النظام بتقسيم المملكة إلى دوائر انتخابية متعادلة الحجم نسبياً، كما يسمح للأحزاب الأكثر تماسكاً والأفضل تنظيما بالفوز بعدد جيد من المقاعد بالانتخابات.
لكن معارضي نظام الكتل من الموالاة يقولون إن المستفيد الأول من هذا النظام يتمثل بحزب جبهة العمل الإسلامي الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى العشائر الكبيرة، في حين أن الأحزاب الصغيرة والعشائر الصغيرة والحراك السياسي الذي لا يملك حضورا قويا في الشارع الأردني لن يستطيع أن يجد له مقعدا في هذا النظام.
ويتطلب نظام الكتلة إعادة تقسيم معظم الدوائر الانتخابية في الأردن، وهو ما يعتبر أردنيا خطا أحمر نظرا لوجود شريحة عددية واسعة من الشعب الأردني هم من أصول فلسطينية ما يعني حصولهم على حصص أكبر من غيرهم وهذا ما ترفضه العشائر.
3 مشاريع
وسبق للجنة الانتخاب في لجنة الحوار الوطني، ذات الصبغة الملكية التي ترأسها رئيس مجلس الأعيان رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، ناقشت ثلاثة مشاريع لقانون انتخاب من أصل 12 مشروعاً.
أولها، المشاريع التي كانت الحكومة تدعمها لجهة الإبقاء على مبدأ الصوت الواحد لـ 80 مقعداً، فيما يجري التصرف بباقي المقاعد الـ 40، من دون المساس بالكوتا النسائية. أما الاقتراح الثاني، فهو القائمة النسبية المفتوحة على مستوى الوطن مع الإبقاء على فرصة القائمة النسبة على مستوى المحافظة مفتوحة، على أن يتم رفع المقاعد إلى 150 مقعداً مع المحافظة على جميع الكوتات الموجودة في قانون الانتخاب الحالي.
ويستند هذا الاقتراح على عدة مبادئ عامة أبرزها آلية التسجيل باعتماد مكان السكن فيما تكون المحافظة دائرة واحدة. أمّا الاقتراح الثالث، فقسمت فيه المقاعد إلى قسمين: الأول 80 مقعدا ويستند على قانون الـ 89 فيما باقي المقاعد الأخرى تستند على القائمة الحرة وليس النسبية. إلا أن لجنة الحوار انتهت إلى الاقتراح الثاني مع بعض التصرف، بان يكون هناك صوتان للناخب صوت للوطن وآخر للمحافظة.
ردود فعل على المشروع
في هذه الأجواء، يشاع في الأوساط السياسية الأردنية أن رئيس الحكومة عون الخصاونة يشعر بالرضا من تصعيد القوى الوطنية وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين ضد مشروع القانون، استنادا إلى أنّ المشروع سقط على نقاشات مجلس الوزراء ولجنته المصغرة الخاصة بالمشروع بـ "الباراشوت". بفرضه من قوى في الدولة أكبر نفوذا من الحكومة، رغم إسماع القاضي الخصاونة القوى وعودا كثيرة في هذا الصدد.
لا إمكانية لحوار!!
الحركة الإسلامية، وعلى لسان رئيس الدائرة السياسية في حزب جبهة العمل الإسلامي زكي بني أرشيد أكدت عدم إمكانية الحوار مع الدولة على أرضية مشروع قانون الانتخاب.
وبالنسبة إلى بني ارشيد فإن المشروع "لقيط"، متسائلا عن الأشباح الذين صنعوه وصنعوا معه الأزمة.
وطالب بني ارشيد بكشف الجهة التي تقف خلفه، وقال: من حقنا كأردنيين أن نعرف من الذي صممه أو كان شريكا في إنتاجه مع الحكومة التي طالبها بالمسارعة في سحب مشروع القانون كمخرج من الأزمة، مشيراً إلى أن "محاولات تحسين المولود المشوه ستبوء بالفشل، ولن تدفع القوى السياسية إلى المشاركة في انتخابات شكلية لا تعبر عن إرادة الأردنيين"، وفق تعبيره. aإضاءة
تقام التظاهرات في الأردن من حين إلى آخر منذ نحو 15 شهراً وتركّزت على المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية عميقة وإجراءات ضد الفساد.
وكانت أولى المسيرات الاحتجاجية في يناير 2011 وجلّها كانت سلمية رغم حدوث بعض الصدامات الدامية في بعضها في العاصمة عمّان أو المفرق أو الطفيلة. نظامa
تستخدم البلدان التي تفتقر إلى أحزاب سياسية قوية نظام الكتل.
وبحسب المعطيات المتوفرة حتى العام 2004 يستخدم هذا النظام في عشر دول هي: جزر الكاميان، وجزر المالفين (الفوكلاند)، وغرينسي، ولاوس، ولبنان، والمالديف، وتونغا، وتوفالو، والفلبين وتايلند. قوانين بين 1993 و2008 يراها الأردنيون تراجعاً عن الإصلاحصدرت بين عامي 1993 و2008 مجموعة من القوانين التي يعتبرها قطاع واسع من الأردنيين أنها مثّلت ردة رسمية عن الديمقراطية ومنها:
كانت البداية في حل مجلس النواب ثم أصدار حكومة عبدالسلام المجالي القانون المؤقت رقم 15 لسنة 1993 المعدِّل لقانون الانتخاب، الذي كرس نظام الصوت الواحد في الانتخابات النيابية. وفي هذا العام جرت انتخابات استناداً إلى قانون 1993 في ظل مقاطعة الإسلاميين للانتخابات.
وهناك إصدار تعديل قانون المطبوعات والنشر رقم 10 لسنة 1993 في عهد حكومة المجالي الثانية.
وفي عهد حكومة علي أبوالراغب تم إصدار قانون انتخاب جديد (حمل صفة المؤقت) ورقم 34 لسنة 2001 في خطوة استبقت بحل مجلس النواب في يوليو، كما أصدرت حكومة أبوالراغب قانوناً جديداً مؤقتا للاجتماعات العامة سنة 2001، الذي اشترط موافقة خطية مسبقة لأي اجتماع أو مسيرة.
وكانت حكومة علي أبوالراغب استكملت عشية انتخابات 2001 إصدار 212 قانوناً مؤقتاً من بينها 36 قانوناً صدرت في اليوم السابق للانتخابات.
وفي عهد حكومة فيصل الفايز أجريت انتخابات مجلس النواب الرابع عشر في17 يوليو 2003 بالاستناد إلى قانون الانتخاب المؤقت رقم 34 لسنة 2001.
وصدر قانون جديد للأحزاب في عهد حكومة معروف البخيت سنة 2007 أدى إلى تقليص عدد الأحزاب من 35 حزباً إلى 15 منها حزبان جديدان.
وأجريت انتخابات مجلس النواب الخامس عشر في 20 نوفمبر 2007 بالاستناد إلى قانون الانتخاب المؤقت رقم 34 لسنة 2001 التي قاطع فيها الإسلاميون هذه الانتخابات. تراجع
يؤرخ الأردنيون لبداية التراجع الديمقراطي في الأردن في العام 1993 من حيث التشريعات.
ويجمع الأردنيون على أن الفترة الفاصلة بين العامين 1989 و1993 كانت فترة مصالحة وطنية بين الحكومة وممثلي قوى المعارضة وفعاليات المجتمع، بل أيضا بين القوى السياسية المختلفة وعلى رأسها الإسلاميون واليساريون والقوميون الذين بدأوا بتشكيل تحالفات بينهم في سياقات فرضتها (الفترة المصالحة) تلك. وشهدت تلك السنوات إلغاء الأحكام العرفية، كما أنها الفترة التي شهدت عودة الحياة النيابية بعد تعطيلها أكثر من 20 عاماً.
