لا تخفي إلهام مدى اشتياقها إلى ابنتها التي وجدت عملاً في العاصمة السورية بعد تخرجها من كلية الآداب في اللاذقية (غرب سوريا)، إلا أنها تفضل أن تبقى ابنتها بعيدة في دمشق بدل أن تعرضها لمخاطر الطريق الذي لم يعد آمنا، بحسب اعتقادها، منذ بدء الحركة الاحتجاجية في سوريا قبل عام.
وقالت إلهام (52 عاماً)، وهي ربة منزل تقطن في مدينة اللاذقية الساحلية في اتصال هاتفي مع وكالة «فرانس برس»، إنها لم تر ابنتها منذ أكثر من أربعة شهور. وتضيف: «اعتدت على زيارتها لنا في السابق في العطل الاسبوعية، اشتقت اليها كثيرا ولكنني أخشى من أن يعترض مسلحون الحافلة التي تقلها ويصيبها سوء». وتمنت الأم التي اختنق صوتها حزناً «أنّ تمر هذه الأزمة على خير»، معتبرة أنّ «تضحية» عدم تمكنها من رؤية ابنتها لا تقارن بما يعانيه آخرون.
إجراءات غير مألوفة
وعززت إقامة الحواجز حول الابنية الحكومية والامنية في دمشق اثر الانفجارات التي استهدفت مراكز أمنية فيها وأسفرت عن مقتل العشرات، من الاحساس بالرهبة والتوجس لدى السكان الذين لم يألفوا مثل هذه الاجراءات. واقامت السلطات جدارا اسمنتيا شاهقا حول وزارة الداخلية في حي كفرسوسة، كما أحاطت المنشآت العسكرية ابنيتها بحواجز اصطناعية وقطعت الطرق الفرعية المؤدية الى بعض الفروع الامنية منعا لمرور السيارات.
واكد هشام (48 عاما) الذي يقطن في احدى ضواحي دمشق ان سائقي سيارات الاجرة يمتنعون عن اصطحابه الى مكان سكنه بحجة «خوفهم من الحواجز الامنية» التي تنتشر على مداخل أغلب مدن ريف دمشق.
ويوضح هذا المهندس الذي يضطره عمله إلى التنقل كثيراً لمتابعة ورش البناء: «ما ان يسالني السائق عن وجهتي حتى يعتذر قائلا: الله يستر عليك جنبني هذه المناطق». وينعكس الوضع الأمني على عادات العائلات الدمشقية التي كانت تنتظر يوم العطلة الاسبوعية الجمعة للترويح عن نفسها والخروج الى الأرياف للتنزه لا سيما في الزبداني والغوطة اللتين شهدتا اشتباكات دامية انتهت بسيطرة القوات السورية عليهما.
تقلص الزيارات
ويترك الوضع أثره على عادات السكان ونمط حياتهم. إذ قلص انقطاع التيار الكهربائي في جميع المدن السورية من الزيارات العائلية التي اعتاد السكان تبادلها مساء بعد الانتهاء من العمل. وتعاني المدن السورية، سواء تلك التي تشهد اضطرابات أم تلك التي هي بمنأى عنها، منذ أشهر من تقنين في التيار الكهربائي يتراوح بين 6 ساعات و12 ساعة من الانقطاع، وقد يمتد لاكثر من ذلك في بعض المناطق المتوترة. ورد وزير الكهرباء السوري عماد خميس الأسبوع الماضي أسباب ساعات التقنين الطويلة الى «ارتفاع الطلب الكبير على الطاقة... وغياب حوامل الطاقة الأخرى وتعثر تزويد المحطات بالوقود اللازم لتشغيلها نتيجة استهداف المجموعات الإرهابية المسلحة للأنابيب التي تزود المحطات بالوقود».
إلا أن ناشطين معارضين للنظام السوري أكّدوا ان نقص الوقود في البلاد مرده استخدام السلطة المفرط له من اجل تزويد الآليات العسكرية التي ترسلها في جميع أنحاء البلاد بهدف قمع الحركة الاحتجاجية.
واطلق ناشطون حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان: «أنا وأولادي أولى بالمازوت من الدبابة».
ويشكو سائق سيارة الأجرة ابو فراس، كشأن اغلب السوريين الذين كسرت الازمة حاجز الخوف لديهم، من الاجراءات الحكومية: «انهم لا يأبهون بالواقع المعيشي للسكان، فلا رقابة تموينية على الأسعار المشتعلة ولا انتظام في ساعات التقنين». ويضيف: «ان اجهزتهم الامنية لا هم لها سوى إيقاف هذه الحركة» الاحتجاجية، شاكياً من حوادث السرقة والتعدي على الممتلكات الخاصة وعلى الاشخاص «التي لا يعرف مرتكبوها».
