تحولت «الجمعة العظيمة» في سوريا أمس، والتي أراد السوريون إطلاقها للتعبير عن رغبتهم بالتغيير والوحدة الوطنية، إلى مجزرة دامية ارتكبتها قوات الأمن التي قتلت ما يقرب من ‬50 متظاهراً في مدن مختلفة، فيما غطى مئات الآلاف من المحتجين المحافظات الـ‬14 حارقين صورا للرئيس بشار الأسد ومسقطين تماثيل والده حافظ ومطالبين بإسقاط النظام، في تحد هو الأكبر للنظام السوري منذ اندلاع الثورة في ‬15 مارس الماضي، غداة صدور مراسيم تنهي العمل بحالة الطوارئ.

 

وأفاد ناشطون حقوقيون وشهود عيان ان ‬49 شخصاً على الاقل قتلوا واصيب المئات لدى قيام قوات الامن السورية بإطلاق النار لتفريق متظاهرين في عدة مدن سورية. وتواترت التقارير الاخبارية بشأن مجموع أعداد القتلى الذين سقط معظمهم في العاصمة دمشق وريف دمشق وحمص وحماة، وسط سوريا، ودرعا، في الجنوب، واللاذقية في الغرب.

وسقط ‬14 قتيلا على الاقل في بلدة ازرع، ذات الكثافة المسيحية، في محافظة درعا وقتيل في بلدة الحراك في المحافظة نفسها بينما قتل تسعة آخرون في ضاحية دوما القريبة من دمشق وقتيل آخر في ضاحية حرستا المجاورة لها. كما قتل اربعة اشخاص في حمص، واثنان في اللاذقية، واثنان ايضا في حماة. وسقط العديد العديد من القتلى في مناطق ضمن العاصمة دمشق عرف منهم ثلاثة في المعضمية، واثنان في البرزة.

 وتحدثت معلومات من مصادر حقوقية عن سقوط خمسة قتلى في حيي زملكا والقابون في دمشق، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات في ‬15 مارس الماضي. وأظهرت لقطات فيديو بثت على«يوتيوب» عشرات المحتجين وهم يمزقون ملصقاً كبيراً عليها صورة الأسد في حي القدم المجاور لحي الحجر الأسود في العاصمة دمشق الذي شهد إطلاق نار من قوات الأمن على المحتجين الذين يتكون غالبيتهم من نازحي الجولان السوري المحتل. وأفادت تقارير أولية عن سقوط أربعة قتلى و‬30 جريحاً، بينهم الطفل أنس فاضل العبيد حوران، ‬11 عاما وافاد الناشطون والشهود عن سقوط مئات الجرحى ايضا لدى اطلاق قوات الامن السورية النار لتفريق المتظاهرين في مختلف المدن.

 

دمشق القديمة

وفي العاصمة دمشق، قال شاهد ان قوات الامن استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق احتجاج في حي «الميدان» التاريخي في الجزء القديم من المدينة. وقال الشاهد لوكالة «رويترز» في اتصال تليفوني ان قوات الامن «أطلقت الغاز المسيل للدمع من على جسر يشرف على حي الميدان وكان هناك أكثر من ألفي محتج وهناك مئات يجمعون صفوفهم».وردد المتظاهرون هتاف: «الشعب يريد اسقاط النظام». وفي حي القابون على الطرف الشرقي لدمشق، طالب محتجون بإسقاط النظام في مسيرة هتفوا خلالها ما يشير إلى تضامنهم مع دوما.

 

زحف العاصمة

وقبل وصول تقارير القتلى تباعا مساء أمس، خرجت تظاهرات حاشدة في ريف دمشق والتي كانت تتأهب للزحف على العاصمة والاعتصام في وسطها بعد محاولة مماثلة الأسبوع الماضي. وواجهت قوات الأمن المتظاهرين الذي كانوا يهتفون بإسقاط النظام بالرصاص الحي في مدينة دوما وحرستا والمعضمية. وأظهرت لقطات فيديو بثت على موقع «يوتيوب» قيام المتظاهرين أثناء سيرهم باتجاه العاصمة إزالة صور ورموز السلطة من الطرقات العامة.

زنقة زنقة

وفي مدينة الكسوة بريف دمشق، احتشد الآلاف في الشارع الرئيسي مرديين هتافات تطالب بإسقاط النظام. كما أظهرت لقطات فيديو التقطت عبر هاتف نقال عن هتافات تردد :«زنقة زنقة دار دار.. بدنا نجيبك يا بشار». أما في مدينة داريا بريف دمشق ايضا، فخرج آلاف المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام. وأظهرت لقطات فيديو بثت على «يوتيوب» محتجين غاضبين وهم يحطمون تمثالا للرئيس الراحل حافظ الأسد.

وقال ناشط حقوقي ان تظاهرة جرت في مدينة الجديدة التي تقع على بعد ‬10 كيلومترات غرب دمشق، شارك فيها نحو ‬150 شخصا هتفوا «الله سوريا حرية وبس». كما خرجت تظاهرات في أغلب بلدات ومدن ريف دمشق الأخرى مثل التل وعربين وزملكا.

 

مواجهات حمص

وخيم التوتر الشديد على مدينة حمص وريفها التي تشهد احتجاجات واجهها الأمن بالرصاص طيلة الأسبوع الماضي. وافاد ناشط حقوقي في المدينة ان قوات الأمن أطلقت النار في المدينة لتفريق عشرات الآلاف من المحتجين.

وقال الناشط نوار العمر لوكالة «فرانس برس» ان قوات الأمن «أطلقت النار على ثلاث مجموعات من المتظاهرين كانوا في طريقهم الى الميدان للتجمع فيه وسط المدينة». وأكد الناشط ان عدد المتظاهرين الذين خرجوا بعد صلاة الجمعة متوجهين في مجموعات للساحة الرئيسية «بلغ عشرات الآلاف».

 

باب السباع

وبث موقع الثورة السورية على «فيسبوك» مشاهد لإطلاق نار كثيف على المتظاهرين في حيي باب السباع والحميدية التي شهدت اقتحامات أمنية، بحسب شهادات نقلها الموقع. وفي بلدة تلدو بريف حمص، تجمع أكثر من ‬20 الفاً في البلدة والقرى المجاورة لها على طريق الشارع العام وهم يهتفون مطالبين بإسقاط النظام وحزب البعث.

 

مهد الاحتجاجات

اما في مدينة درعا، مهد الثورة السورية، فأكد ناشط حقوقي ان آلاف الأشخاص خرجوا للتظاهر في المدينة وبلداتها، حيث شهدت بلدة ازرع التاريخية إطلاق نار مكثف أسفر عن عدد من القتلى والجرحى. وتضم المدينة عددا من الكنائس التاريخية.

وذكر شهود عيان من درعا في اتصال هاتفي مع وكالة «فرانس برس» ان «بين سبعة وعشرة آلاف متظاهر خرجوا من جميع الجوامع باتجاه ساحة السرايا في مركز مدينة درعا». وأشار الناشط الى ان المتظاهرين رددوا هتافات تطالب بـ«حل الأجهزة الأمنية وإسقاط النظام».وفي بلدة جاسم بمحافظة درعا أيضا، هتف أكثر من عشرة آلاف محتج نصرة لدرعا وحمص وبانياس بالقول: «احنا معاك للموت».

 

أكراد وعرب وسريان

وفي المناطق ذات الكثافة الكردية، أفاد شهود عيان ان تظاهرة شارك فيها ستة آلاف شخص خرجت في مدينة القامشلي أقصى شمال شرقي سوريا تلبية لدعوات «الجمعة العظيمة»، تيمنا بـ«الجمعة العظيمة» وهو عيد مسيحي.

وأشار الشهود الى ان التظاهرة «ضمت أكرادا وعربا وآشوريين ووجوها من عشائر شمر وطي وهم يحملون إعلاما سورية ولافتات كبيرة» كتب عليها: «عرب وسريان وأكراد ضد الفساد». كما هتف بعض المتظاهرين شعارات باللغة الكردية «آزادي.. بيراتي» وتعني «حرية.. أخوة». كما خرجت تظاهرات في مدن كردية أخرى مثل الدرباسية وسري كانيه إضافة إلى عامودا التي حمل فيها نحو ثلاثة آلاف متظاهر علماً سوريا بطول ‬25 متراً.

 

دير الزور

وتظاهر أكثر من ‬20 ألف سوري في مدينة دير الزور شرق سوريا للمطالبة بإسقاط النظام. وبحسب لقطات فيديو، قام المحتجون بتحطيم أكبر تمثال في المدينة للرئيس الراحل ووالد الرئيس الحالي حافظ الأسد. وخرجت تظاهرات حاشدة في مدينة الميادين التابعة لدير الزور وهتفوا باسقاط النظام. وأفاد شهود عيان ان المحتجين توجهوا الى فرع الامن العسكري بالميادين وهتفوا أمامهم: «اين الشبيحة.. اين الشبيحة»، في إشارة إلى ميليشيات النظام المسلحة، قبل ان يهدموا تمثال باسل شقيق الرئيس السوري.

 

مدن الساحل

وتواصلت الاحتجاجات في مدن الساحل السوري، حيث اكد الشيخ محمد خويفكية ان نحو عشرة آلاف متظاهر تجمعوا في مركز مدينة بانياس في الغرب للمطالبة باطلاق الحريات والتأكيد على الإصلاحات. وقال الشيخ خويفكية ان «نحو عشرة آلاف شخص تجمعوا في مركز المدينة يدعون الى الحرية والوحدة الوطنية»، مشيرا الى «انضمام عدد كبير من اهالي قرية البيضا الى التظاهرة». وهتفوا بإسقاط النظام. وأشار الشيخ خويفكية الى «انتشار امني واقامة نقاط تفتيش على مداخل المدينة». كما خرجت تظاهرات في أحياء عدة باللاذقية وطرطوس.

 

بيان الثورة

وطالب نشطاء سوريون ينسقون الاحتجاجات الحاشدة ضد حكم الرئيس بشار الاسد، بــ«وقف احتكار حزب البعث للسلطة وإرساء نظام سياسي ديمقراطي». وفي أول بيان مشترك منذ تفجر الاحتجاجات، ذكرت «لجان التنسيق المحلية» التي تمثل مختلف محافظات سوريا، أن «تحقيق شعارات الحرية والكرامة لن يتسنى إلا من خلال التغيير الديمقراطي السلمي».وطالب البيان المشترك الذي حصلت وكالة «رويترز» على نسخة منه بــ«الإفراج عن كل سجناء الضمير وبتفكيك الجهاز الأمني الحالي واستبداله بآخر ذي اختصاصات قانونية محددة ويعمل وفقا للقانون».