انتهت محنة خمسة أسابيع من الحصار في كنيسة المهد ببيت لحم، لكن بشكل مأساوي، حيث أودع 13 مناضلاً في فندق بقبرص تحت حراسة أمنية مشددة، في انتظار تشتيتهم الى ست دول أوروبية، فيما وصل 26 آخرون الى قطاع غزة من دون أن يتمكن أي منهم من وداع أهله وسط تأكيدات أوروبية وفلسطينية على انهم سيعيشون أحراراً طيلة فترة ابعادهم المؤقت وهو الابعاد الذي اثار حفيظة مسئولين في السلطة الفلسطينية وحركة فتح. وبعد خروج جميع المحاصرين بالكنيسة في الساعة الحادية عشرة بتوقيت الامارات بدأ خبراء أمنيون أمريكيون باخلاء الكنيسة من الأسلحة وهي بنادق كلاشينكوف و«ام 16». ورغم مظهرهم الرث، حيث نال الجوع والارهاق منهم إلا ان أياً من الأبطال الخارجين من الكنيسة لم يقترب من مائدة وضع عليها جيش الاحتلال مشروبات وأغذية. ومع طلوع الشمس فوق بيت لحم أمس بدأ الفلسطينيون في الخروج من الباب الرئيسي للكنيسة الواحد تلو الآخر والمرور عبر اجهزة كشف الاجسام المعدنية تحت مدافع القوات الاسرائيلية قبل ان يصعدوا الى حافلة غادرت بهم قاصدة مطار بن جوريون في اسرائيل. ومر بعض النشطين الخارجين من الكنيسة في تحد امام القوات الاسرائيلية وسجد احدهم على الارض مقبلا ترابها. بينما قال رعنان جيسين المتحدث باسم الحكومة الاسرائيلية لشبكة «سي.ان.ان» التلفزيونية الامريكية «ايدي كل الثلاثة عشر ملوثة بالدماء». ووقفت فلسطينيات من اقارب النشطين الفلسطينيين على الاسطح القريبة. البعض زغرد لخروجهم من الحصار والآخر وتحت ثقل قرار النفي اخذ يوجه الشتائم للقوات الاسرائيلية. وصاحت فلسطينية محجبة «مع السلامة يا أحبابنا». وعلى بعد خطوات من بوابة الكنيسة، تجمعت العديد من أسر الفلسطينيين المحاصرين في انتظار خروج ذويهم. إلا أن المغادرين صعدوا للحافلة مباشرة دون أن تتاح لهم فرصة لقاء ذويهم. ووصل الفلسطينيون الثلاثة عشر الذين خرجوا من كنيسة المهد في بيت لحم الى مدينة لارنكا الساحلية جنوب قبرص حيث وضعوا في احد فنادق المدينة. وقد هبطت الطائرة البريطانية العسكرية من طراز هركوليز التي اقلتهم الى مطار لارنكا عند الساعة 47،12 (47،9 ت.ج). وأوضح سفير «فلسطين» في قبرص سمير ابو غزالة ان المبعدين نقلوا الى احد فنادق لارنكا، حيث سيبقون طيلة فترة اقامتهم التي تستمر بضعة ايام قبل ترحيلهم الى اوروبا. وقال السفير الذي كان في استقبال المبعدين لوكالة فرانس برس «سيقيمون في فندق فلامكنو لبضعة ايام قبل ترحيلهم الى الدول التي تم التداول باسمائها اخيرا» واضاف «سنعرف بعد 48 ساعة تقريبا الى اين سيتم ترحيل كل منهم». واضاف السفير الفلسطيني ان «الفلسطينيين سيبقون داخل الفندق في جناح خاص، حيث لن يسمح لهم بالمغادرة طبقا للاتفاق الذي تم مع السلطات القبرصية»، كما لا يسمح لهم بمقابلة الصحافيين. وسمحت الشرطة القبرصية بنقل المبعد جهاد جعارة (31 عاما) المصاب في قدمه الى مستشفى لارنكا الحكومي. واكد عضو في الوفد الفلسطيني الذي استقبل المبعدين ان «جعارة مصاب بكسور في القدم جراء اصابته بطلق ناري وحالته صعبة». وقال ان جعارة كان معزولا في غرفة لوحده في كنيسة المهد «بسبب الرائحة المنبعثة من جروحه ويخشى اصابته بالغرغرينا». واكد المصدر ان المبعدين بدوا «مرهقين تماما بعد ان امضوا اكثر من 35 يوما في الحصار بلا نوم او طعام، وقد نبتت ذقونهم، وبدت ملابسهم مترهلة ومتسعة على اجسادهم الهزيلة». لكنه قال «لقد علت الابتسامات وجوههم لدى رؤيتنا». وأكد ان السياح في الفندق تصرفوا بصورة طبيعية بعد وصول المبعدين. وقال ضابط فلسطيني شارك في المفاوضات حول ال13 الذين سيبعدون الى ست دول أوروبية ستتحدد بعد غد الاثنين ان «ظروف اقامتهم في الخارج تستند الى اربعة مبادئ: سيكونون احرارا وسيعاملون كحالات انسانية وسيؤمن لهم المسكن وسيتمكنون من متابعة دروسهم. واخيرا فان ابعادهم مؤقت الطابع. وقال مصدر دبلوماسي اسباني ان مسألة وضعهم القانوني والدولة المضيفة ستناقش خلال اجتماع لمجلس الشؤون العامة في الاتحاد الاوروبي الاثنين المقبل في بروكسل. كذلك أعلن مسئول كبير في اجهزة الأمن الفلسطينية ان الناشطين الفلسطينيين ال26 الذين وصلوا صباح الجمعة الى قطاع غزة بعد خروجهم من كنيسة المهد في بيت لحم لن يسجنوا ولن يحاكموا. وقال العقيد سالم دردنه في معبر ايريز بين اسرائيل وقطاع غزة «لقد وصلوا الى جزء من فلسطين وهم احرار في وطنهم». واضاف «لن يعتقلوا ولو لساعة واحدة ولن يحاكموا». وذكر مسئول اخر في اجهزة الامن الفلسطينية طلب عدم ذكر اسمه ان الرجال ال26 سينقلون اولا الى مبنى تابع لوزارة الشباب في السلطة الفلسطينية في وسط غزة حيث سيبقون لفترة غير محددة. وفي معبر بيت حانون مر النشطون الفلسطينيون واحدا تلو الآخر من ممر مخصص اصلا للعمال الفلسطينيين. وكان في استقبالهم على الجانب الآخر كبير ضباط الاتصال في شمال غزة. وقال العقيد الفلسطيني سالم دردونة «لا مراقبة ولا سجن انهم احرار في وطنهم». ولا يبعد قطاع غزة عن الضفة سوى بنحو 45 كيلومترا لكن بالنسبة للرجال كان ابعادهم بمثابة نفي. وقال مازن حسين البالغ من العمر 28 عاما «لا نشعر بالغربة. لكن في نفس الوقت نشعر بالألم لأننا تركنا وراءنا اسرنا واحباءنا في بيت لحم بالضفة الغربية». وقال حسين وهو متزوج وله ثلاثة اطفال «بعد ان خذلنا العالم كله بما في ذلك العرب» اعتقد ان الحل الذي امكن التوصل اليه كان افضل حل متاح. ولم يذكر دردونة ما اذا كانت اسر النشطين الستة والعشرين سيكون بوسعها الانضمام اليهم في غزة وقال ان الامر متروك للقيادة السياسية للنظر فيه. وذكر مسئولون فلسطينيون انه في الوقت الراهن سينزل النشطون الفلسطينيون في فندق بمدينة غزة. وقال نادر حميدة وكان من بين النشطين الذين وصلوا الى غزة ان الجنود الاسرائيليين الذين كانوا يركبون معهم في الحافلات التي اقلتهم من بيت لحم ضربوهم وتوعدوهم بما هو اسوأ. واضاف «قال لنا احد الجنود ان علينا ان نفكر ان نرحل خارج البلاد لأنهم ابلغونا (انكم ستذهبون الى غزة واننا سنلحقكم لأننا سنغزو غزة)». ولم يعلق الجيش الاسرائيلي على الفور على هذه التصريحات. وانتقد أحمد عبدالرحمن أمين عام مجلس الوزراء الفلسطيني مجدداً هذا التشويه للموضوع كما هاجم أحمد غنيم (أبو ماهر) القيادي البارز في حركة فتح القيادة الفلسطينية في التوقيع على هكذا صفقة. في المقابل اعرب الوزير الاسرائيلي من دون حقيبة داني نافيه عن «اشمئزازه» للسماح للفلسطينيين ال13 بالذهاب الى الخارج. وقال نافيه (ليكود يمين) في تصريح للاذاعة العامة «لم اشارك في المفاوضات بشأن هذه القضية لكني مشمئز عندما ألاحظ ان هؤلاء المجرمين سيغادرون بدلا من ان يتعفنوا في السجون».
