بيان الاربعاء: التغيرات الاقتصادية التي يشهدها السودان في ظل حكومة الرئيس عمر البشير اجبرت العاملين في مجال الحكومة العامة على هجر الوظيفة الحكومية، التي تمسكوا بها على مر العهود الماضية واتجه الشباب خاصة إلى ولوج مجال العمل الحر والخاص حيث ان رواتب واجور الحكومة لم تعد تسد الرمق. اتخذت الحكومة السودانية العديد من القرارات المثيرة للجدل وقامت بتصفية العديد من المؤسسات العامة في اطار سياسة الخصخصة التي انتهجتها. وفي خطوة جريئة اخرى للتخلص من فائض العمالة الزائدة في الدوائر الحكومية قذفت وزارة المالية والاقتصاد الوطني بمشروع قانون يخضع لدراسة مجلس الوزراء حالياً يقضي بمنح العاملين الراغبين في ترك الوظيفة مرتب اربع سنوات شرط الحصول على موافقة ارباب العمل حتى لا تتأثر المصلحة العامة ويتوقف دولاب العمل. «بيان الاربعاء» اهتماماً منه بالمشروع اجرى استطلاعاً لمعرفة الخطوات الجارية في هذا الصدد ورأي العاملين فيه. وفي اتحاد نقابات عمال السودان التقى «البيان » هاشم احمد البشير، أمين العلاقات الخارجية بالاتحاد الذي قال انه في اطار سياسات اعادة الهيكلة والخصخصة التي تجرى في البلاد بغرض معالجة الاوضاع الاقتصادية الكلية في الدولة، عرض علينا وزير المالية بخطاب رسمي مقترح من قبله بأن يعطى العمال اجازة بمرتب كامل لمدة سنتين قابلة للتجديد سنتين اخرى، على ان تنتهي بعدها الوظيفة ويسوي العامل مستحقاته. وبعد استلام اتحاد نقابات عمال السودان لهذا الخطاب تم تشكيل لجنة لدراسة المشروع حيث اقترحت اللجنة تعديلات اساسية فيه منها ان يمنح العامل الذي يتنازل عن الوظيفة اختياريا اجازة بمرتب كامل لمدة اربع سنوات وذلك بشروط ان تشمل رغبة العامل في الاجازة وموافقة الإدارة التي يتبع لها، و ان تعطي الدولة الموظف او الموظفة راتب اربع سنوات بدلاً من ان تبقى الفترة سنتين قابلة للتجديد، وان يأخذ العامل راتبه عن هذه الفترة دفعة واحدة حتى يعينه في فتح عمل جديد، ويكون تمويلاً لمشروعه الجديد. وتمت مناقشة هذا المقترح في اجتماع مع وزير المالية والاقتصاد الوطني، وتمت الموافقة عليه من قبل الوزير، على ان يتم دفع المرتبات خلال اربع سنوات عن طريق ضمان من وزارة المالية للبنوك حتى تقوم الجهات المعنية بدفع هذه المبالغ للعاملين. استخلاص الحقوق ان المشروع سيستفيد منه العاملون في قطاع الحكومة خاصة قطاعات الخدمات مثل الصحة والتعليم والقطاعات الاخرى المربوطة مباشرة بالحكومة المركزية. اما المؤسسات والشركات العامة التي تتم اعادة هيكلتها الآن فلن تكون جزءاً من هذا المشروع باعتبار انها اصلاً قائمة بميزانياتها وليست على ميزانية وزارة المالية. وان المشروع سيطرح عبر لجنة مشتركة لمتابعة التطبيق، خاصة وان المشروع يستهدف عدداً محدداً وهو نسبة 15% من مجموع العاملين بالقطاع العام والبالغ عددهم 850 الف عامل، ونحن كاتحاد عمال نتصور ان القرار لو صدر فان النسبة التي ستطلب الغاء وظائفها بهذه الشروط ستكون اكثر بكثير من هذه النسبة اي نسبة 15% وذلك حسب تصورنا لأن الاجور ضعيفة في حد ذاتها، وان العمال اذا وجدوا طريقاً خاصة الذين قضوا سنوات خدمة طويلة سوف يتقدمون للاستفادة من المشروع وذلك لاستخلاص حقوقهم كاملة باضافة الاربع سنوات، لذا نتوقع ان يتجاوز العاملون الرقم المحدد، وهناك معالجات سابقة سبقت هذا المشروع منها قانون الغاء الوظائف، كما ان الاتحاد يقود حالياً مشروع دعم المتأثرين من برنامج الخصخصة واعادة الهيكلة عموماً خاصة وان الخصخصة جزء من الهيكلة لانها تعني الغاء وظائف فائض عمالة وكلها برامج استثمارية وذلك للعناية بالعاملين بعد مرحلة الخصخصة. كما التقى «البيان» فرح حسن الخبير في مجال الاجور مستشار وزير المالية والاقتصاد الوطني للخدمة العامة وقال ان قرار منح العاملين الراغبين في ترك وظائفهم، رواتبهم لمدة اربعة اعوام، يهدف إلى تحقيق عدة اغراض اهمها ان هنالك احساساً بوجود فائض عمالة في مواقع معينة، وانها لا تؤدي عملاً منتجاً، وان هنالك حاجة ملحة في مواقع اخرى لعاملين لعمل منتج، سواء اكان في القطاع العام أو الخاص، كما ان الهدف الأساسي الاقتصادي للقرار هو تحريك هذه العمالة من المواقع غير المنتجة إلى مواقع عمل منتجة فمثلاً اذا كان لدينا عدد زائد في العمالة في موقع معين، واذا كان في الاستطاعة الاستغناء عنهم دون ان يؤثر على الاداء او العمل، ففي هذه الحالة يمكن تحريك هذه العمالة الفائضة إلى موقع اخر، وقد يكون عملاً خاصاً ينشئه العامل نفسه وقد يكون ذلك في أي مجال من المجالات يكون فيه نوع من الانتاج يفيد البلد ككل ويفيد الشخص نفسه بأن يدر عليه عائداً اكبر. ان المشروع هدف إلى ان هذا التحريك من الصعب ان يقبله العامل بمحض ارادته، والموظف لن يتحرك بمحض ارادته إلى هذه العملية بل يحتاج إلى نوع من التشجيع ولهذا فان وزير المالية والاقتصاد الوطني قد لجأ في مشروعه إلى تشجيع العاملين وذلك بمنحهم راتب أربعة اعوام، حيث كان الطرح ان يتم منح العامل راتب سنتين على ان يجدد ذلك الا ان اتحاد نقابات عمال السودان طلب ان يتم منح العامل راتب اربع سنوات دفعة واحدة وقد وافق الوزير على ذلك. ان القرار عام يشمل كل العاملين ولكن المشروع وضع السلطة في يد رئيس الوحدة المعنية فهو الذي يقرر الاستغناء عن العامل واعدادهم ام لا يستطيع ذلك، حيث ان هنالك موازنة بين مصلحة العمل ومصلحة الاداء وصحيح ان الأمر يبدأ برغبة من العاملين ولكن صاحب العمل وهو رئيس الوحدة أو الوكيل او الوزير المختص هو الذي يقرر انه بالامكان الاستغناء عن العاملين ام لا وذلك حسب طبيعة العمل وحاجته لهذا العامل، فاذا كان في الامكان الاستغناء عنهم فانه لا يمانع ذلك . واعود واؤكد ان القرار سيشمل الجميع بما فيهم العاملين الذين على اعتاب المعاش الاجباري وليس هنالك اي تحفظ وكل العاملين متساوون امام القرار، الا من اقتضت مصلحة العمل عدم الاستغناء عنه، فان مصلحة العمل أولى الآن المصلحة عامة.أ ما بخصوص تمويل المشروع ورداً على بعض التخوفات التي قد يبديها بعض العاملين حول فشل الحكومة في تمويل المشروع أو تمويله لفترة محددة، اقول ان التمويل موجود حيث ان وظائف هؤلاء العاملين موجودة ومضمنة في ميزانية الدولة العامة، واصلاً فان مرتبات هؤلاء العمال موجودة ومدرجة في الميزانيات العامة المجازة سنوياً والتي تنتقل من عام إلى اخر، فهذه المرتبات لن تحذف ولن تستبعد طالما ظل العامل شاغلاً لوظيفته بمخصصاتها، وستظل هذه الوظيفة طيلة هذه الفترة مشغولة باسم العامل المعني، بل ان هذه الفترة ستضاف كخدمة معاشية للعامل نفسه وذلك لمزيد من الاطمئنان للعامل والموظف، واؤكد ان كل الاعتمادات موجودة، وكل ما في الأمر ان هذا العامل سيظل يصرف راتبه شهرياً اما ان تصرف هذه المبالغ للاربعة اعوام دفعة واحدة، فهذه ليست في استطاعة الحكومة حيث ان موقفها المالي لا يسمح لها بأن تدفع لهؤلاء العاملين راتب اربعة اعوام دفعة واحدة او مقدماً، ولكن اذا قام الاتحاد العام لعمال السودان بالايحاء لهؤلاء العاملين ووجدوا بنوكاً معينة يمكن ان تقوم بتسليفهم هذه المبالغ بضمان وزارة المالية بحيث تضمن لهم الوزارة هذا الراتب الشهري، تحت هذا الضمان اذا قبلت هذه البنوك بالدفع مقدماً لهؤلاء العاملين في شكل سلفية، فهذه مسألة بين النقابة والبنوك التي ستمول هؤلاء العاملين بضمان وزارة المالية. فوائد جمة وعما اذا كانت هنالك قرارات سابقة لتشجيع فائض العمالة لترك العمل، اقول ان هنالك محاولات سابقة في هذا المجال ولكن ليست بنفس الطريقة ولكن بوسيلة اقل، حيث حاولنا ان نعطي العاملين اجازات بدون مرتب ،التجربة لم تنجح كثيراً حيث انها كانت تقوم أساساً على ان يتقدم العامل بطلب لاجازة بدون مرتب ويذهب ويبحث عن عمل آخر، الا ان العاملين لم يتشجعوا كثيراً لهذه التجربة لانهم يواجهون نوعاً من المجازفة حيث يفقد الموظف راتبه ويمكن ان لا يجد ذلك المبلغ في العمل الجديد، ولهذا يتردد العامل الف مرة قبل ان يتقدم باجازة بدون مرتب ولهذا فشلت التجربة، وفي خطوة ثانية جربنا مع العاملين بأن نمنحهم الراتب الأساسي الا ان هذه الخطوة التي وجدت القبول عند بعض العاملين، توقفت، وهذه هي التجربة الثالثة وهي جديرة بمنحهم كل المرتب حتى نشجع العامل وندفعه لاتخاذ القرار، ونؤكد ان هذا العامل اذا اتخذ هذا القرار وترك العمل، فسيجد مجالات عمل اخرى ارحب وسوف تكون افيد له وللدولة. ان القرار سيعود بالفوائد على العاملين المتبقين في الوحدة المعنية بعد التخلص من فائض العمالة، وهذه الفوائد الجانبية في مجال العمل في الموقع الذي كان يشهد فائضاً للعمالة، حيث ان النظرية الادارية تؤكد انه اذا كانت هنالك اعداد زائدة في العمالة، وبازالة هذه العمالة الفائضة فان العدد المتبقي يصير محدوداً وفي حدود العمل وهذا يؤدي إلى تحسين في الاداء حيث يكون في الامكان تقسيم العمل بينهم فيما كانت تشهد الوحدة المعنية قبل ذلك نوعاً من الاتكالية كما ان الوقت لا يكون كله مشغولاً، لهذا يشغل بعضهم البعض، ولكن بالاستغناء عن فائض العمالة وتوزيع العمل يمكنان من شغل وقتهم تماماً، وهذا يقود إلى المزيد من الانضباط وتحسين في الاداء، حيث ان فائض العمالة من مضاره انه يخلق نوعاً من عدم الانضباط كما يمكن ان يحدث نوعاً من الوفورات الجانبية مثل التليفونات واستعمال الكهرباء والاثاث. ان اقرار منح العاملين لرواتبهم، ليس قراراً جديداً حيث ان الدول الاخرى تقوم بمساعدة العاطلين، وقد تكون هذه المساعدات تحت مسميات، فقد يكون هنالك عاطل في منزله ولكنه يصرف راتبه حتى يجد عملاً جديداً، وذلك كنوع من الضمان الاجتماعي. وان مشروع القرار الآن امام مجلس الوزراء لاجازته وكل مراحل الدراسة قد اكتملت، وقد وجد المشروع تأييداً من اتحاد العمال ومن وزارة العمل حيث وافقت على المشروع كل الاطراف المعنية. رأي المعنيون بالأمر واجرى «البيان» لقاءات مع العمال الذين يشملهم مشروع القرار، وفي مدرسة «التاج» الخاصة بالحاج يوسف بالخرطوم بحري قال موسى جاويش، المعلم بالمدرسة ان هنالك عوامل عدة ستقف حجر عثرة امام المشروع ولي شخصياً تجربة مريرة في مجال المعاشات، اذ كنت اعمل معلماً بالدرجة الثالثة بولاية النيل الأزرق ونسبة لظروف ابنائي الذين التحقوا بالجامعات والمعاهد العليا في ولاية الخرطوم واقتضى الامر ان اكون معهم ولذلك سعيت جاهداً ليتم نقلي إلى ولاية الخرطوم ولكنني فشلت تماماً وحفيت اقدامي امام مكاتب المسئولين، وتقدمت بطلب للمعاش الاختياري وقد وافقت ولاية النيل الأزرق على منحي المعاش وكان ذلك قبل عام كامل من الآن، ومنذ ذلك التاريخ أي يناير 2001م تركت الوظيفة، ولكن لم اصرف مليماً حتى اليوم لانه لم تتم تسوية معاشي الا على الورق بحجة ان ولاية النيل الأزرق لم تسدد ما عليها لإدارة المعاشات حتى اليوم، واغلب الولايات موقفها المالي لا يسمح لها بأن تسدد ماعليها لإدارة المعاشات والتي لا تجد اولوية في الولايات بتاتاً. ولهذا اشك تماماً في ان ينجح القرار الجديد، واذا نجح فيكون ذلك محدوداً ومحصوراً في ولاية الخرطوم فقط. كما ان تجربة المعاشات المريرة ستجعل العاملين يفكرون ألف مرة قبل ان يتقدموا طالبين المعاش. أما عثمان صالح السائق بوزارة الزراعة فقال: ان مشروع القرار مشجع لترك العمل الحكومي ولكن غير المشجع هو الراتب الضئيل الذي لا يفي بأدنى متطلبات الحياة ولذلك اعمل بعد الانتهاء من الدوام اليومي بالمنطقة الصناعية وقد اجد في بعض الاحيان عربة تاكسي اعمل عليها ولاوقات متأخرة من الليل، اما راتب الأربعة اعوام فأشك انه يفي بتمويل شراء عربة «كارو» ناهيك عن تمويل الأقساط الأولى لشراء «ركشة» أو عربة «امجاد» أو تاكسي حيث ان التمويل يحتاج إلى الملايين. أما الموظف محمد أحمد علي بوزارة الإعلام والاتصالات فقد قال: ان التطبيق العملي لكل اشكال المعاشات لم يجد النجاح والقبول في القطاعات المستهدفة، حيث ان المشروع الجديد لا يستوعب المتغيرات التي حدثت في المجتمع فان جملة الرواتب التي يتوقع ان تصرفها البنوك للعاملين ستخضع لخصومات كثيرة، حيث ان هذه المرتبات ستكون تماماً مثل تمويل الاستثمارات التي تخضع للضرائب والزكاة في وقت نجد فيه ان هؤلاء العاملين هم في حوجة إلى هذه المبالغ المستقطعة بل ان فيهم من يستحق الزكاة شرعاً. وعلى كل فان الأيام المقبلة ستشهد تنفيذ التجربة الثالثة للتخلص من فائض العمالة من الخدمة المدنية في السودان، ونخشى ان يكون مصيرها مثل سابقاتها أي الفشل.