يقول الباحث جوزيف أمين: تتفاوت الأرقام التي تحصر حجم النفايات الموجودة في العالم ولكن الثابت أن 90% من النفايات الكيماوية شديدة الخطورة تنتجها الدول الصناعية الكبرى، وعلى سبيل المثال تنتج الدول الصناعية الكبرى في أوروبا وحدها 5 ملايين طن من النفايات الكيماوية والنووية سنويا وتنتج الولايات المتحدة 7 ملايين طن، وكندا مليونا واحدا، وروسيا مليونا واحدا أما دول العالم الثالث فنتج مجتمعة مليون طن من النفايات. ورغم خطورة حجم الأرقام السابقة إلا أن مصادر أخرى تقدر اجمالي النفايات النووية والخطرة في العالم بما يتراوح بين 400 ـ 420 مليون طن سنويا، وأن 90% من هذا الانتاج يتم في الدول الصناعية الكبرى وأن 30% منها يدفن في دول العالم الثالث.. وهناك دراسات تشير الى أن المخلفات الصناعية الخطرة تشكل ما بين 20% و30% من اجمالي المخلفات في العالم وهي تتزايد بنسبة 3% سنويا، الأمر الذي يجعل مشكلة دفنها مشكلة متنامية بدورها.. وتتعدد أنواع النفايات الموجودة في العالم ما بين نفايات غازية وسائلة وصلبة وتنقسم الى نفايات سامة أو خطرة ونفايات نووية، والنفايات السامة تنتج عن مخلفات المصانع الكيميائية والمعدنية والاليكترونية وكافة البقايا الصناعية السامة التي يصعب تدميرها أو احراقها.. وتمثل هذه النفايات خطرا شديدا على صحة الانسان والبيئة وتعتبر أخطر هذه النفايات ما يتصل ببقايا الزئبق والفاناديوم والانتيمون وغيرها. افريقيا مقبرة النفايات الأوروبية من الثابت أن دول العالم الثالث والدول الافريقية على وجه الخصوص تعد مزبلة للعالم للتخلص من النفايات النووية والضارة، وقد قدرت بعض المصادر في منتصف عام 1993 كعدد اجمالي 44 دولة تفتح أراضيها كمقابر لتلك النفايات السامة ولقد ظلت قارة آسيا على سبيل المثال كنموذج لدول العالم الثالث لسنوات طويلة مستودعا لنفايات الدول الصناعية الكبرى، وحسب تقرير دولي فقد تم دفن 6 ملايين طن في 11 دولة آسيوية خلال 4 سنوات فقط. وأكد مسئولون في برنامج حماية البيئة التابع للأمم المتحدة في نيروبي أن 12 بلدا افريقيا قد وقعت عقودا أو أنها قيد التفاوض حول عقود، أو أنها تلقت عروضا لقبول دفن نفايات البلدان الصناعية في أراضيها. ومن الدول التي أثارت ضجة كبيرة حول دفن النفايات السامة بأراضيها نيجيريا حيث تم اكتشاف صفقة ضخمة لدفن النفايات بها قدرها البعض بحوالي 4 آلاف طن بها مخلفات اشعاعية تم عقدها في 11/6/1988 بين شركة ايطالية وتورط فيها بعض المسئولين الحكوميين وقد أحدثت هذه الصفقة مشكلة دبلوماسية بين كل من نيجيريا وأيطاليا انتهت بخروج إحدى السفن الايطالية بطاقتها وعلى متنها 2270 طنا من بين 3800 طن من النفايات السامة التي أتت بها وذلك من ميناء لاجوس في أوائل أغسطس 1998 على أن يتم اعادة بقية النفايات فيما بعد وإن كان المسئولون في نيجريا قد أبدوا تخوفهم من عودة النفايات مرة أخرى وخصوصا أن تلك السفينة قد استمرت تجوب الموانئ التي كانت ترفض استقبالها وفضلا عن ذلك تم اكتشاف عملية جديدة لدفن حوالي ألف طن من النفايات السامة قام بها الاتحاد السوفيتي السابق في ذلك الوقت في أحد مصانع الحديد والصلب في نيجيريا وقد مات بعد ذلك صاحب الأرض النيجيري وغيره في الأماكن التي دفنت بها النفايات عام 1989. في نفس الوقت، فقد تسربت الشائعات من غرب افريقيا في أوائل مايو 1988 عن وصول شحنات غامضة من مواد غير معروفة سرا الى بعض موانئ افريقيا الصغيرة وتسرب أول تقرير من غينيا يقول أن هذه المواد تسببت في قتل الأشجار في جزر دواوس على الساحل الغيني بالقرب من العاصمة كوناكري، ثم بدأت الحقيقة تتضح تدريجيا حيث تبين أن 15 طنا من المواد الضارة قد تم جلبها من مصانع فيلادلفيا الى بعض دول افريقيا وقد ألقت السلطات في غينيا القبض على اثنين من كبار المسئولين في وزارة التجارة و10 موظفين آخرين كما تعرض قنصل النرويح للاتهام بقيامه بتزوير وثائق مكنته من تهريب الشحنة حيث تبين أن بعض السفن التي حملت النفايات النووية تمتلكها النرويج. وبدأت تتكشف الحقائق بالتدريج، حيث تم التمكن من ادخال النفايات الى ميناء كاسا بالقرب من العاصمة كوناكري على اساس أنها مواد خام لصناعة الطوب، مما تسبب في أزمة دبلوماسية بين غينيا والنرويج. من جانب آخر فقد اكتشف المهتمون بالبيئة في السوق الأوروبية المشتركة قبل تحولها حاليا للاتحاد الأوروبي أن شركة أمريكية أوروبية وقعت عقدا مع حكومة غينيا بيساو لدفن 3.5 ملايين طن من المخلفات الخطرة مقابل 140 مليون دولار وهو رقم كان قريبا في ذلك الوقت من الناتج القومي الاجمالي لهذه الدولة والذي قدر بـ154 مليون دولار عام 1986 وأيضا العقود الموقعة بين حكومتي الكونغو والسنغال مع شركات أمريكية لتخزين النفايات بأراضيها مقابل مئة دولار للبرميل الواحد.. وهناك مثال آخر لما حدث في ليبيريا من محاولة لبناء مستعمرة لدفن النفايات الالمانية بأراضيها. كذلك كشف النقاب عن وجود عقد يقضي بدفن خمسة ملايين طن من المخلفات الصناعية الخطرة في دولة بنين مقابل 125 مليون دولار وذلك كأمثلة عن الاتفاقيات الرسمية التي تعقد بين الشركات الأوروبية والأمريكية وبين بعض الحكومات الافريقية ناهيك عن حالات أخرى لدفن النفايات في القارة بطرق غير مشروعة ودون علم الحكومات. ومن الدول الأخرى المتورطة السنغال وغيرها ومعظمها من دول غرب افريقيا وإن كان هذا ليس معيارا حيث رفضت جامبيا رغم فقرها أن تراهن على مستقبل البلد باستقبالها النفايات السامة، كما رفضت جيبوتي كمثال للإصرار أن ترسوا على سواحلها السفينة زانوبيا السورية التي خرجت من ايطاليا محملة بـ21 طنا من السموم وظلت تجوب السواحل لمحاولة افراغ شحنتها في أي دولة افريقية. غياب التشريعات وقد عادت القضية للتصعيد بشدة في التسعينيات وخاصة لأنه لا يوجد لدى غالبية البلدان النامية والافريقية تشريعات تمنع ادخال هذه السموم، الأمر الذي يجعل أراضيها رخيصة وسهلة لدفن المنتجات الممنوعة في البلدان الصناعية فأوروبا ترسل ما متوسطه نحو 120 ألف طن من النفايات الخطرة الى العالم الثالث كل عام لدفنها في أراضيها ويحظى عدد من الدول الافريقية بالجزء الأكبر مقابل مبالغ طائلة من الدولارات. وفي جنوب افريقيا تردد الحديث حول خطة لتحويل البلاد الى مقبرة لنفايات العالم الغربي وقد بدأت تتضح تفاصيل تلك الخطة قبل انتخابات 1994 والتي كانت على وشك التورط فيها شركة ايسكوم وهي الشركة العملاقة في مجال الكهرباء ورغم أنه تم التخلي ولو مؤقتا عن ذلك، فإنها تواجه مشكلة النفايات النووية الناتجة عن المحطة النووية الكائنة بها والتي تقدر بـ1500 طن على مدى 30 ـ 40 سنة هي عمر المحطة حيث يتعين النظر في كيفية التعامل معها، والوصول الى أرخص طريقة لحفظ هذه النفايات. بالاضافة الى ذلك فقد ترددت أنباء حول اتفاق موريتاني ـ اسرائيلي لدفن النفايات النووية بموريتانيا وذلك نقلا عن صحيفة «الأحداث» المغربية المستقلة من مصادر موثوقة فقد قدم عدد من الطائرات من خارج موريتانيا هبطت في ولاية تكانت في شرقي موريتانيا، وهو ما يعزز الشائعات التي ترددت مؤخرا حول اتفاقية لدفن نفايات المفاعل النووي الاسرائيلي ديمونة، هذا وقد أثار هذا النبأ الزوابع وفجر أزمة سياسية كبرى بين الحكومة والمعارضة الموريتانية في ديسمبر 1998م والتي طالبت بلجنة دولية تضم ممثلين من الأمم المتحدة ـ الجامعة العربية ـ منظمة الوحدة الافريقية ومنظمات الدفاع عن البيئة للتحقيق في مزاعم تحدثت عن سماح موريتانيا لاسرائيل بدفن نفاياتها النووية في صحراء النجابات الكبرى القريبة من الجزائر، ووفقا لبيان أصدرته أحزاب المعارضة الموريتانية في 12/12/1998 أن خطر النفايات النووية الاسرائيلية لا يقتصر على موريتانيا وحدها بل يهدد أيضا شعوب المغرب العربي وغرب افريقيا، ومن جانبها رفضت الحكومة الموريتانية هذه الأنباء واتهمت وسائل الاعلام وجهات خارجية بأنها تقف وراء حملة المساس بموريتانيا، كما نفى سفيرها في القاهرة أيضا نفس الأنباء. جريمة العصر في مصر وفيما وصف بأنه جريمة العصر، تم التحذير من قدوم 5 ملايين طن من النفايات السامة التي تبحث عن مقبرة في افريقيا وفي هذا السياق فقد تم التحفظ على 200 برميل تحتوي على 40 ألف لتر من المخلفات السامة الى مصر تحت اسم بديل وقود من ميناء هامبورد الألماني، ويقال ان هذه الشركة قد صدرت 950 طنا من مخلفات البطاريات السامة تحت اسم بديل وقود، كما صدرت بعض الشركات الأمريكية الى زيمبابوي كميات كبيرة من مواد التنظيف الجاف ثم اكتشفت أنها نفايات سامة، فيما يعد اشارة الى الخطر الجديد القادم من أوروبا وأمريكا واسمه النفايات السامة. المواجهة تعد اتفاقية باماكو المبرمة في يناير 1991 بمالي هي الاطار القانوني القاري الذي يحكم قضية دفن النفايات النووية والخطرة في افريقيا، والتي تمنع صراحة توريد النفايات الخطرة الى افريقيا، بل إن هذه الاتفاقية هي التي نظمت انضمام الدول الافريقية لاتفاقية بازال الدولية بالتعاقب بعد أن استجابت لتحفظات الدول النامية من خلال المؤتمر الثاني في مارس 1994 والذي اتخذ جملة من القرارات بدأت على اثرها الدول الافريقية في الانضمام. أيضا تعد الاشارة الى خطر دفن النفايات المشعة من خلال المادة (7) المتضمنة في معاهدة اخلاء افريقيا من الأسلحة النووية والموقعة بالقاهرة في 11 ابريل 1996 ضرورة ومرجعية هامة بهذا الخصوص خاصة وأن 42 دولة افريقيا قد وقعت على هذه المعاهدة فضلا عن ممثلين عن الدول النووية الخمس وممثلين عن المنظمات الدولية المعنية، هذا وقد نصت على ما يلي: يتعهد كل طرف بما يلي: ـ أن ينفذ على نحو فعال التدابير الواردة في اتفاقية باماكو بشأن حظر استيراد النفايات الخطرة الى افريقيا ومراقبة نقلها عبر الحدود، أو التصرف فيها داخل افريقيا، أو أن تستخدم تلك التدابير كمبادئ توجيهية، وذلك بقدر صلة الأمر بالنفايات المشعة. ـ ألا يتخذ أي اجراء للمساعدة أو التشجيع على دفن نفايات مشعة أو غيرها من المواد المشعة في أي مكان من أماكن المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في افريقيا. هذا وقد أقرت القمم الافريقية المتعاقبة والتابعة لمنظمة الوحدة الافريقية القرارات المناسبة لحظر دفن النفايات الخطرة بأراضي الدول الافريقية وهو الأمر الذي اتضح بشكل ملموس في اعلان أديس أبابا لرؤساء الدول والحكومات والصادر يوم 25 مايو 1988 بمناسبة اليوبيل الفضي لمنظمة الوحدة الافريقية، وذلك من خلال المادة رقم 35 للاعلان والتي تنص على ما يلي: (نقرر الامتناع عن الدخول في أية اتفاقيات أو ترتيبات مع أي بلدان صناعية ومؤسسات غير وطنية وشركات خاصة معنية بدفن النفايات النووية والصناعية في الأراضي الافريقية). ـ إذن فقد أدان القرار بالاجماع عملية النفايات بكافة أنواعها الخطرة في أراضي الدول الافريقية وذلك بناء على اقتراح من نيجيريا ـ وأعلن رئيس المنظمة الافريقية بأنه «نحن نعلم بأن دفن المخلفات الصناعية السامة والنووية في افريقيا يعتبر جريمة ضد القارة الافريقية، ونحن نتهم كل المجتمعات التي شاركت في ذلك، وسنطلب منهم تنظيف المناطق التي لوثت بنفاياتهم». كما تعاقبت قرارات إدانة دفن النفايات النووية والخطرة في مؤتمرات القمة الافريقية في السنوات الأخيرة بشكل واضح، فضلا عن دور المنظمات الاقليمية الفرعية في ربوع القارة، والدور الفردي لكل دولة على حدة، وفي ظل كل هذه الجهود الاقليمية لتحريم تجارة السموم ومعاقبة المتعاملين معها في الدول الافريقية والذين قاموا بجلب النفايات السامة من دول أوروبا وأمريكا لدفنها في الأراضي الافريقية وضرورة فرض عقوبات صارمة عليهم وكنوع من الاجراء الوقائي بهذا الخصوص من الضروري أن تأخذ منظمة الوحدة الافريقية أو الاتحاد الافريقي الوليد خطواتها في هذا السياق سواء بالاتفاقيات أو بالمراقبة الجادة للسفن ومحاسبة للمسئولين الأفارقة لكن الأهم هو الأخذ بكل جديد في التكنولوجيا التطبيقية التي تتمثل في استيراد كل الأنظمة الصناعية التي لا تتخلف عنها نفايات خطرة، وكذلك العمل بأحدث أجهزة المعالجة لتحويل نفايات المصانع العاملة بالفعل الى مواد غير ضارة بالبيئة. القاهرة ـ أحمد مراد: