فجّر نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس قنبلة سياسية من العيار الثقيل خلال مؤتمر "أمريكا فيست" في صحراء أريزونا، معلناً نهاية ما وصفه بعصر "الاعتذار العرقي" في الولايات المتحدة، فبجملة واحدة هزت أركان المشهد السياسي حين قال: «في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يتعين عليك الاعتذار لكونك أبيض البشرة بعد الآن».
وفي خطابٍ وصفه المراقبون بـ (بيان الاستقلال العرقي)، وضع جي دي فانس نهايةً حاسمة لسنوات من "الذنب السياسي"، معلناً أمام حشود أريزونا أن زمن الاعتذارات قد ولى.
هذا التصريح لم يكن مجرد جملة عابرة، بل كان الإعلان الفعلي عن ولادة "الجمهورية الجديدة" التي يتصدر فانس مشهد خلافتها لعام 2028، مدعوماً بقاعدة شبابية صلبة وإمبراطورية مالية لا تقهر تمثلت في ميزانية منظمة "تيرنينج بوينت" البالغة 84.9 مليون دولار
وفي تجمع الشباب الجمهوريين والمؤثرين المحافظين الذي عُقد في فينيكس نهاية هذا الأسبوع، قدم فانس لمحة عن قدرته الفائقة على احتواء التوترات التي بدأت تمزق تحالف ترامب حتى قبل رحيله عن المشهد، وبرز كشخصية يراها الكثيرون في الحركة الرجل القادر على إبقاء "الخيمة الكبيرة" للحزب متماسكة خلال حقبة ترامب وما بعدها، وذلك عبر تبني استراتيجية ترفض "اختبارات النقاء" وتفتح الباب أمام المفكرين الأحرار الذين يجمعهم حب الوطن.
وخلال حديثه يوم الأحد الماضي ، شجع فانس الحاضرين صراحة على تبني الاقتتال الداخلي كدليل على الحيوية الفكرية، مخاطباً إياهم بقوله: "أعلم أن بعضكم يشعر بالإحباط بسبب الاقتتال الداخلي، لكن لا تحبطوا؛ ألا تفضلون قيادة حركة من المفكرين الأحرار الذين يختلفون أحياناً على مجموعة من (الطائرات بدون طيار) التي تتلقى أوامرها من جورج سوروس؟".
بصفته الرجل الثاني في الحزب، أمضى فانس العام الماضي في السير بحذر وسط التوترات المتصاعدة، حريصاً على الحفاظ على مصداقيته مع حلفاء إسرائيل والمتشككين فيها، ومليارديرات التكنولوجيا وخصوم الذكاء الاصطناعي، والمتشددين في ملف الهجرة، مما جعله الشخصية الوحيدة القادرة على الجمع بين الانعزاليين وصقور السياسة الخارجية تحت سقف واحد.
وتشير الكواليس إلى أن فانس بدأ بالفعل في عقد اجتماعات مغلقة مع أقطاب "وادي السيليكون" المؤيدين لترامب، لإقناعهم بأن استقرار "الجمهورية الجديدة" يتطلب دمج التكنولوجيا المتطورة مع القيم القومية الصارمة، وهو ما يفسر صمته تجاه بعض السياسات التقنية المثيرة للجدل.
لكن قمة فينيكس كشفت عن حجم التحدي الذي ينتظره؛ إذ شهدت المنصة تبادلاً للشتائم بين المتحدثين حول قضايا شائكة، مثل نفوذ إسرائيل على السياسة الخارجية الأمريكية.
ورغم هذه الفوضى، يظل فانس الجمهوري الأفضل وضعاً للخروج من هذه الصراعات، مدعوماً بنتائج استطلاع جديد ظهر أن 22% من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول اليمينية يودون رؤيته يترشح للرئاسة في 2028، وهي نسبة لم يقترب منها أي منافس آخر في الحزب.
وامتدت رؤية فانس لتشمل الجوانب العقائدية؛ ففي خطابٍ اتسم بنبرة قوية من القومية المسيحية، دعا أنصار الحركة إلى تجاوز الانقسامات الداخلية وتوجيه طاقاتهم نحو الدفاع عن هوية البلاد، حيث أطلق تصريحاً أثار عاصفة من الجدل حين قال: «المرساة الحقيقية الوحيدة للولايات المتحدة هي كوننا كنا -وسنظل دائماً بفضل الله- أمة مسيحية».
فانس لم يكتفِ برسم صورة دينية للمستقبل، بل أكد أن القيم المسيحية هي الجوهر الذي قامت عليه أمريكا، مشدداً على أن تبني هذا المسار هو السبيل الوحيد لاستعادة (الحلم الأمريكي) وحماية المجتمع من التفكك القيمي، في رسالة واضحة تهدف إلى دمج الهوية الدينية بالسياسة الوطنية كركيزة أساسية لعهده القادم.
ومع هذا الخطاب القومي المتشدد، سعى فانس لتهدئة الصراعات الداخلية حول شخصيات مثيرة للجدل مثل "نيك فوينتس"؛ حيث رفض فانس "إلغاء المنصات" أو إصدار قوائم إقصاء ضد المحافظين، مفضلاً التركيز على العدو المشترك المتمثل في الحزب الديمقراطي.
وبالتوازي مع ذلك، بدأ فانس في رسم ملامح "سياسة خارجية سيادية" تعيد تعريف التحالفات التقليدية، حيث تتوارد أنباء عن نيته ربط المساعدات الخارجية بمدى توافق الدول مع قيم "القومية المتجددة" التي يبشر بها، مما يمثل خروجاً جذرياً عن الدبلوماسية الأمريكية الكلاسيكية.
وبصورة استراتيجية، بدأ المنافسون المحتملون مثل ماركو روبيو في إخلاء الساحة مبكراً لصالح فانس، مما يشير إلى أن مراكز القوى بدأت تتحد خلفه لقطع الطريق على أي انقسام قد يضعف فرص الحزب في المستقبل.
وبينما يتجنب فانس الحديث علناً عن طموحاته لعام 2028، تؤكد الدوائر المقربة منه أن مستقبله مرتبط بنجاح أجندة ترامب في إقناع الأمريكيين بأنه حول البلاد للأفضل.
ومع دعم مالي ولوجستي هائل من "تيرنينج بوينت"، التي حققت إيرادات بلغت 84 مليون دولار في عام 2024 وتعتزم نشر قواتها الميدانية في جميع مقاطعات ولاية آيوا الـ 99، يبدو أن ماكينة فانس الانتخابية قد انطلقت بالفعل.
إن قدرته على التكيف مع رياح الحزب المتغيرة، وتحوله من معارض سابق لترامب إلى "حارس لبوابات الجمهورية الجديدة"، تجعل منه القائد الذي يجمع بين القومية المتشددة والواقعية السياسية، ممهداً الطريق لزعامة يمينية قد تغير وجه أمريكا لعقود قادمة.