"كيف تحولت شركة 'شيلد إيه آي' (Shield AI) من ناشئة في سان دييغو إلى الكابوس التقني للجيش الروسي في أوكرانيا؟
بعيداً عن المؤشرات التقليدية كأرقام المبيعات ونمو المستخدمين، جاء التحقق من نجاح تكنولوجيا هذه الشركة عبر صواريخ روسية استهدفت مقارها، وأجهزة تشويش عجزت عن إسقاط مسيراتها.
بفضل نظام 'عقل الخلية' (Hivemind) الثوري، لم تعد 'شيلد إيه آي' مجرد شركة دفاع، بل أصبحت تقود ثورة الذكاء الاصطناعي التي أعادت صياغة قواعد الحرب في عام 2025."
في أبريل من هذا العام، أطلقت القوات المسلحة الروسية صاروخين من طراز "هيسـا شاهد 136" على حظيرة طائرات في كييف، حيث كان فريق مكون من 30 موظفاً من شركة "شيلد إيه آي" يقومون بأعمال البحث والتطوير قبل أسبوعين فقط من الهجوم.
حولت الصواريخ المنشأة إلى هيكل من المعدن الملتوي والركام، وفقاً لصور ومقاطع فيديو راجعتها مجلة "فورتشن".
ومن المثير للدهشة أنه لم يصب أحد بأذى. فقد قام جيمس ليثغو، وهو عضو سابق في مشاة البحرية الملكية البريطانية ويشغل الآن منصب المدير الإداري لعمليات شركة "شيلد إيه آي" في أوكرانيا، بنقل الموظفين إلى موقع جديد، حيث كان قلقاً من الاهتمام المتزايد الذي كانت تحظى به طائرة الاستطلاع المسيرة الضخمة التابعة للشركة، والتي يبلغ ارتفاعها تسعة أقدام، والمعروفة باسم "في-بات".
ويقول ليثغو: "تلقينا نصيحة بأن الروس كانوا يدركون تماماً وجود قدرة جديدة في ساحة المعركة".
وعلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا، تقطع أجهزة التشويش الروسية اتصالات وإشارات الراديو، مما يؤدي بالمسيرات إلى الانحراف عن مسارها أو حتى السقوط من السماء وتحطمها.
لم تتمكن العديد من المسيرات الأمريكية من الأداء في هذه الظروف. ولكن بعد فترة تطوير وتعديل مدتها ثمانية أشهر في عام 2024، اجتازت طائرة "في-بات" التابعة لشركة "شيلد إيه آي" اختبارات التشويش الأوكرانية الصارمة.
وفي عام 2025 وحده، نفذت المسيرات أكثر من 35 مهمة وحددت أكثر من 200 هدف روسي في منطقة الحرب، وفقاً لما ذكرته الشركة.
ساعد النجاح الأولي الذي حققته الشركة مع طائرة "في-بات" في أوكرانيا وعلى السواحل الأمريكية مع خفر السواحل ومشاة البحرية، الشركة الناشئة في الوصول إلى تقييم بقيمة 5.6 مليار دولار، ووضعها كواحدة من أكثر الشركات الناشئة في مجال الدفاع إثارة في عام 2025، مباشرة خلف منافستها ذات التقييم الأعلى "أندوريل إندستريز" التي تركز بشكل أكبر على المعدات الصلبة.
وقد بدأ كبار مقاولي الحكومة، المعروفون باسم "الشركات الرئيسية"، في تجربة نظام برمجيات الطائرات المستقلة الخاص بالشركة، "هايف مايند" (أو عقل الخلية)، للطائرات التجريبية التي يبنونها للجيش الأمريكي.
كما اشترى حلفاء أجانب وشركاء للولايات المتحدة مثل رومانيا وإندونيسيا واليابان طائرات الاستطلاع المسيرة الخاصة بها.
تريد شركة "شيلد إيه آي" تسخير هذا الزخم وتحويله إلى نتائج مالية ملموسة. وهي تتطلع إلى طائرة مقاتلة ذاتية القيادة جديدة تماماً تبنيها، تسمى "إكس-بات"، للمساعدة في تحقيق ذلك.
كما تتطلع أيضاً إلى رئيس تنفيذي جديد؛ ففي مايو، استقطبت الشركة رئيساً تنفيذياً جديداً هو غاري ستيل، الذي لديه سجل حافل في قيادة شركات التكنولوجيا إلى عمليات تخارج بمليارات الدولارات.
ومع انتقال المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق، ريان تيسينغ، إلى منصب قيادي آخر، يخطط ستيل لزيادة إيرادات الشركة بنسبة 70% إلى 100% كل عام حتى تصل إلى مليار دولار من الإيرادات السنوية للسنة المنتهية في مارس 2028، ارتفاعاً من حوالي 300 مليون دولار سجلتها الشركة في السنة المنتهية في مارس 2025.
يقول غاري ستيل المدير التنفيذي الجديد لشركة "شيلد إيه آي"، "أعتقد أن الشيء رقم واحد الذي أفكر فيه هو: كيف يمكننا توسيع نطاق هذا؟".
ولن يكون الأمر سهلاً؛ فكجزء من استراتيجية الشركة، ستحتاج الشركة التي تضم 1200 موظف إلى إقناع مؤسسات الدفاع التقليدية بأن برمجيات الحكم الذاتي المدعومة بالذكاء الاصطناعي "هايف مايند" يمكنها القيام بأكثر من مجرد تشغيل مسيرة الشركة الخاصة.
كما أن حادثاً مروعاً وقع في عام 2024 - حيث قطعت أطراف أصابع أحد أفراد الخدمة في البحرية الأمريكية فعلياً أثناء تدريب باستخدام طائرة "في-بات" - ألقى بظلاله على إيرادات العام الماضي، وأعطى الشركة "إحراجاً علنياً" يسعى المسؤولون التنفيذيون جاهدين لتركه وراءهم.
كما أن ستيل، الذي يتسم باللطف ويبدو بارعاً في التعامل مع السياسات الداخلية، تولى منصباً قيادياً يُعرف بصعوبته في عالم الشركات الناشئة وهو مقعد الرئيس التنفيذي في شركة يحتفظ فيها المؤسسون بأدوار قيادية رئيسية ومقاعد في مجلس الإدارة وحصص في العمل الذي أنشأوه.
حتى قبل "أندوريل"، كانت هناك "شيلد إيه آي". فقد تشارك براندون تيسينغ، وهو عضو سابق في قوات النخبة البحرية الأمريكية، مع شقيقه بعد أن باع ريان تيسينغ شركة ناشئة لشركة "كوالكوم".
أراد الاثنان، مع المؤسس المشارك أندرو رايتر، أخذ تكنولوجيا الاستقلالية والحكم الذاتي التي كان إيلون ماسك وجيف بيزوس يعدان بأنها ستغير صناعات السيارات والتجارة الإلكترونية، ونقلها إلى ساحة المعركة.
كان هذا في عام 2015 - قبل عامين من بدء تشكل شركة "أندوريل"، وقبل وقت ليس ببعيد من اندلاع الاحتجاجات داخل شركة "غوغل" بسبب عقد كانت تجدده مع وزارة الدفاع الأمريكية.
وبينما كانت شركة "بالانتير" تحصل على عقود حكومية لسنوات، كان بناء التكنولوجيا العسكرية أمراً نادراً بين تقنيي "وادي السيليكون" في ذلك الوقت، ناهيك عن كونه مثيراً للجدل للغاية.
رفض فريق "شيلد إيه آي" استثماراً أولياً بقيمة 5 ملايين دولار لأنه كان مشروطاً بتخلي الشركة عن تركيزها العسكري المقصود والتوجه نحو المجال التجاري، وهو ما لم يكن المؤسسون مستعدين للقيام به.
يقول بيتر ليفين، الشريك العام في شركة "أندريسن هورويتز"، الذي يشغل مقعداً في مجلس إدارة الشركة: "لقد كان أمراً غير شائع حقاً، إن لم يكن معدوماً، أن تقوم شركات رأس المال الاستثماري بالاستثمار في شركات تركز على وزارة الدفاع أولاً".
ومع نضوج صناعة تكنولوجيا الدفاع المدعومة برأس المال الاستثماري، أصبح الثنائي "تيسينغ" مرادفين لهذه الصناعة وللزخم الذي اكتسبه هذا القطاع منذ أن بدأت التوترات الجيوسياسية في الارتفاع في عام 2021.
تسارع ذلك الارتفاع، بالطبع، في عام 2022 عندما غزت روسيا أوكرانيا وتحولت وجهات النظر حول هذا المجال بشكل كبير.
بدأت شركة "شيلد إيه آي" بطائرة رباعية المراوح توقف إنتاجها الآن تسمى "نوفـا"، والتي تبدو للوهلة الأولى نسخة قوية للغاية من مسيرة عادية.
لكن ابتكارها الحقيقي كان يكمن في "الحزمة التكنولوجية"، وهي نظام برمجيات الحكم الذاتي المدعوم بالذكاء الاصطناعي الذي تسميه الشركة "هايف مايند"، والذي يستوعب البيانات من أجهزة الاستشعار الموجودة على متن الطائرة، مثل كاميرات الأشعة تحت الحمراء، والرادار، واستخبارات الإشارات، والأقمار الصناعية ، لبناء نموذج لبيئتها، ثم استخدام الذكاء الاصطناعي للملاحة، وتخطيط الطرق، وتجنب التهديدات، وتنفيذ المهام دون الحاجة إلى التحكم عن بُعد.
