في تصعيد عسكري وسياسي متسارع مع نهاية عام 2025، أحكمت الولايات المتحدة قبضتها على السواحل الفنزويلية، حيث اعترضت القوات الأمريكية يوم السبت الماضي  ناقلة نفط ثانية قبالة سواحل البلاد في أقل من أسبوعين.

وتأتي هذه العملية "قبل الفجر" كترجمة فورية لقرار الرئيس دونالد ترمب بفرض "حصار شامل" على كافة السفن التي تحمل النفط الفنزويلي، في خطوة تهدف لتجفيف منابع تمويل نظام نيكولاس مادورو وضمان استعادة الأصول الأمريكية المصادرة.

أكدت وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نيم، أن خفر السواحل الأمريكي، وبدعم لوجستي من وزارة الدفاع (البنتاغون)، نجح في اعتراض الناقلة التي تحمل اسم "سنتشريس" وتعمل تحت علم بنما.

ونشرت نيم مقاطع فيديو تظهر عمليات إنزال جوي من مروحيات أمريكية على ظهر السفينة التي كانت راسية مؤخراً في أحد الموانئ الفنزويلية.

ووصف مسؤولون أمريكيون العملية بأنها "صعود بالتراضي"، حيث توقفت الناقلة طواعية وسمحت للقوات بتفتيشها، بينما لا تزال التقارير متضاربة حول مصير الطاقم والوجهة النهائية للشحنة.

يربط الرئيس دونالد ترمب هذا التحرك العسكري بملفين شائكين؛ الأول هو اتهام نظام مادورو بتمويل "إرهاب المخدرات" عبر تهريب الفنتانيل، والثاني هو استعادة حقوق شركات النفط الأمريكية مثل "إكسون موبيل" و"كونوكو فيليبس" التي تم تأميم أصولها بمليارات الدولارات.

وصرح ترمب صراحةً: "لقد استولوا على حقوقنا الطاقوية بشكل غير قانوني، ونحن نريد استعادتها. لن نسمح بمرور أي شحنة تمول من سرقوا استثماراتنا".

يعود النزاع إلى عام 2007، عندما أممت فنزويلا قطاع النفط في حزام أورينوكو، مما أدى لانسحاب الشركات الأمريكية ولجوئها للقضاء الدولي.

وفي مطلع عام 2025، أيدت المحاكم الدولية أحكاماً تقضي بمنح تعويضات تاريخية بمليارات الدولارات للشركات الأمريكية.

ويرى مراقبون أن ترمب يستخدم الحصار البحري كأداة "دبلوماسية قسرية" لإجبار كاراكاس على دفع هذه التعويضات أو السماح بعودة السيطرة الأمريكية على الحقول النفطية.

في المقابل، ردت الحكومة الفنزويلية بلهجة غاضبة، واصفة التحرك الأمريكي بـ "القرصنة الدولية" و"الاختطاف الإجرامي".

وأدانت كاراكاس في بيان رسمي ما وصفته بـ "الاختفاء القسري لطواقم السفن"، متوعدة باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي. ويثير هذا الوضع قلق المنظمات البحرية الدولية بشأن المصير القانوني للبحارة الذين يجدون أنفسهم عالقين في صراع سياسي وعسكري لا ناقة لهم فيه ولا جمل.

ويرى خبراء عسكريون أن اعتراض الناقلة ""سنتشريس" هو اختبار عملي لقدرة واشنطن على فرض منطقة حظر بحري كاملة .

وتأتي هذه الخطوة في وقت تراقب فيه بكين وموسكو عن كثب مدى جدية إدارة ترمب في استخدام "القوة الصلبة" لتأمين مصالحها، خاصة وأن العديد من هذه الناقلات تعتبر جزءاً من "أسطول الظل" الذي يدعم تحالفات فنزويلا الدولية.

ومع تهديدات واشنطن بشن "هجمات برية" وشيكة، يبقى بحر الكاريبي ساحة مواجهة مفتوحة قد تتجاوز حدود النزاع مع كاراكاس لتتحول إلى أزمة دولية شامل.

وتضرب جذور هذا الصدام في عمق التاريخ النفطي للمنطقة؛ إذ يربط الرئيس ترمب بين الحصار الحالي وبين ضرورة استعادة أصول شركات النفط الأمريكية التي تم تأميمها في عهد هوغو شافيز ونيكولاس مادورو.

وصرح ترمب صراحةً بأن واشنطن لن تسمح بمرور الشحنات التي تمول نظاماً "سرق استثماراتنا الطاقة بشكل غير قانوني"، في إشارة إلى نزاعات قانونية بمليارات الدولارات خاضتها شركات مثل "إكسون موبيل" و"كونوكو فيليبس" ضد كاراكاس.

ويرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية الحالية تستخدم القوة العسكرية كأداة "دبلوماسية قسرية" لإجبار فنزويلا على دفع التعويضات الدولية التي أقرتها محاكم التحكيم.

من جانبها، أدانت الحكومة الفنزويلية التحرك الأمريكي بلهجة شديدة، واصفة إياه بـ "القرصنة الدولية" و"الاختطاف الإجرامي" لسفن خاصة في المياه الدولية. وتوعدت كاراكاس بمقاضاة واشنطن أمام مجلس الأمن الدولي، معتبرة أن هذه العمليات تهدف لزعزعة استقرار البلاد وتغيير النظام بالقوة تحت غطاء مكافحة المخدرات.

ويتزامن هذا التوتر البحري مع حملة ضربات أمريكية ضد سفن يشتبه بتهريبها للمخدرات في الكاريبي، أسفرت عن مقتل 104 أشخاص منذ سبتمبر الماضي، مما يثير انتقادات حقوقية واسعة حول "الإعدامات خارج نطاق القضاء".

وفي ظل هذا الحشد العسكري الذي يعد الأكبر في المنطقة منذ أجيال، تلوح واشنطن بخيارات برية قادمة، بينما تزداد المخاوف من انفجار مواجهة إقليمية شاملة.

إن اعتراض الناقلة "سنتشريس" ليس مجرد إجراء أمني، بل هو رسالة سياسية واضحة بأن الولايات المتحدة قررت تحويل ديون شركات النفط التاريخية إلى أهداف عسكرية ميدانية، مما يضع إمدادات الطاقة العالمية والسيادة البحرية في المنطقة على حافة الهاوية.