يواجه الاقتصاد الأمريكي، الذي يعتمد بشكل متزايد على سيولة وسرعة التجارة الإلكترونية كمحرك رئيسي للنمو، تحدياً أمنياً يهدد ثقة المستهلك ويُكبده خسائر بمليارات الدولارات سنوياً.
"قراصنة عتبة الباب" (Porch Pirates)، هي ظاهرة منظمة تُترجم اقتصاديا بخسائر تصل إلى 8.2 مليار دولار سنويا من البضائع المسروقة، لم تعد مجرد مشكلة أمنية محلية، بل أصبحت نزيفاً اقتصادياً مزمناً.
هذه الخسارة الضخمة لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تُرغم الشركات على تحمل تكاليف الشحن البديل وتزيد من الضغوط التضخمية في نهاية المطاف.
في دولة رائدة مثل الولايات المتحدة والتى تتباهى بتقدمها التكنولوجي، يُطرح السؤال بحدة: كيف يمكن ضمان استمرار زخم النمو الاقتصادي، بينما يقف الأمن الشخصي والمالي للمستهلكين عاجزاً أمام جريمة بسيطة لكنها مدمرة؟
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تصاعداً مستمراً في هذه الظاهرة، حيث تحولت سهولة التسوق عبر الإنترنت إلى كابوس أمني على أعتاب المنازل.
ويكشف تقرير حديث صادر عن Security.org لعام 2025 عن الأبعاد الكارثية لهذه الأزمة المتزايدة، مشيراً إلى أن ملايين الأمريكيين وقعوا ضحية لعمليات سرقة بلغت قيمتها الإجمالية مليارات الدولارات في العام الماضي وحده.
وبينما يتجه المتسوقون إلى الإنترنت لشراء هدايا الأعياد، يرتفع منسوب القلق بشأن ما إذا كانت هذه الطرود ستصل إلى أصحابها فعلاً أم ستنتهي في أيدي اللصوص.
لم تعد سرقة الطرود مجرد حوادث متفرقة؛ إذ كشف التقرير أن واحداً من كل أربعة أمريكيين، أي ما يناهز 64 مليون شخص، تعرض لسرقة طرد واحد على الأقل في حياته.
وفي الأشهر الثلاثة الماضية وحدها، أبلغ 9 ملايين بالغ عن تعرضهم للسرقة.
وقُدِّرت قيمة البضائع المسروقة عبر الإنترنت خلال العام الماضي بنحو 8.2 مليار دولار أمريكي، حيث ارتفع متوسط قيمة الطرد المسروق إلى 222 دولاراً، بزيادة 10%تقريباً عن العام السابق.
وتزداد ذروة القلق مع اقتراب موسم الأعياد، حيث يشعر 62% من المتسوقين بالقلق أثناء انتظار وصول شحناتهم، وقد سُرقت هدايا العطلات من أمام منازل 31مليون أمريكي على الأقل.
الأهم من الخسائر المادية المباشرة هو تأثير هذه الظاهرة على سلوك المستهلكين وثقتهم في التجارة الإلكترونية؛ حيث ذكر أكثر من 40%$ من المتضررين أنهم أصبحوا يطلبون عبر الإنترنت بوتيرة أقل بعد تعرضهم للسرقة، بينما اتجه نحو 27% من المستهلكين إلى استخدام الخزائن الآمنة أو خدمة الاستلام من المتجر بدلاً من التوصيل المنزلي.
وتظهر البيانات أيضاً أن الفئة العمرية "الجيل Z" هي الأكثر عرضة للسرقة بنسبة تصل إلى 5.5 أضعاف مقارنة بكبار السن، نظراً لكثافة تسوقهم الرقمي وسكنهم في بيئات مشتركة.
أظهر التقرير تفاوتاً كبيراً في معدلات السرقة بناءً على نوع السكن، حيث يُعد سكان الشقق والمباني المشتركة هم الأكثر عرضة، إذ أنهم أكثر عرضة للسرقة بثلاث مرات مقارنة بسكان المنازل المنفصلة، خاصة تلك المباني التي تفتقر إلى صالات بريد آمنة أو حراس.
ومن المفارقات أن أعلى معدلات السرقة كانت في ولايات ذات كثافة سكانية أقل نسبياً مثل كنتاكي، وداكوتا الشمالية، ونبراسكا، وأيوا، وألاسكا.
وعلى الرغم من الانتشار الواسع للأجهزة الأمنية، حيث يستخدم أكثر من نصف المنازل جهازاً أمنياً واحداً على الأقل لحماية شحناتها (وتُعد كاميرات جرس الباب الذكية هي الأداة الأكثر شيوعاً)، تبقى السرقة تحدياً قائماً.
ويشدد الخبراء على أن الحل الأكثر فعالية هو "إزالة الهدف تماماً". تشمل النصائح الرئيسية لتجنب السرقة شحن الطرود إلى صناديق التوصيل الآمنة (مثل Amazon Locker)، أو أماكن العمل، أو نقاط الوصول المخصصة لشركات الشحن، بالإضافة إلى جدولة التسليم لوقت التواجد في المنزل (يستخدمها 46% من المستطلعين)، والترتيب مع الجيران لإدخال الطرود فور وصولها.
ويشير التقرير إلى أن أقل من25% من الضحايا يبلغون الشرطة عن سرقة الطرود. ويوصي خبراء إنفاذ القانون بشدة بالإبلاغ عن كل حادث سرقة، بغض النظر عن القيمة، للمساعدة في تحديد أنماط الجريمة وتخصيص الموارد في الأحياء التي يتردد عليها اللصوص، خاصة مع بدء بعض الولايات في سن قوانين تسمح بتجميع قيمة المسروقات لتصل إلى حد الجناية بدلاً من جنحة بسيطة.
وفي خضم هذه الفوضى، تحولت الفيديوهات التي توثق عمليات "قرصنة الشرفة" إلى ظاهرة رقمية بحد ذاتها، حيث تنتشر هذه المقاطع على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي وموقع يوتيوب، ليس فقط كأداة لتحديد الجناة، بل وكشكل من أشكال الترفيه الساخر، مما يعكس بمرارة مدى تفشي هذه الظاهرة وتأقلم المجتمع معها كجزء من الواقع الأمريكي الجديد.
