يحتل وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث حالياً صدارة النقاش في أوساط صناعة الدفاع، بعد خطابه الأخير الذي أثار تفاعلاً واسعاً داخل البنتاغون وخارجه، لما حمله من لهجة إصلاحية غير مسبوقة.

في كلمته يوم الجمعة، استشهد هيغسيث بوزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد، منتقداً الأسلوب التقليدي الذي ينتهجه الجيش الأمريكي في تقييم أدائه وشراء معداته، وأكد أن الشركات العاجزة عن التحديث «ستتلاشى»، متعهداً بتحويل أجزاء من البنتاغون إلى مؤسسات تعمل بعقلية «الاستعداد للحرب».

ووفقاً لصحيفة «أكسيوس» الأمريكية، فالخطاب، الذي وُصف بأنه نقيض لكلمة ألقاها الوزير في قاعدة كوانتيكو قبل أسابيع، مثّل تغيير في الاستراتيجية، أو انعطاف في المسيرة، إذ تجنّب لغة الأيديولوجيا والنوستالجيا السياسية لصالح طرح عملي يقدّم خريطة طريق لإصلاح شامل في منظومة المشتريات الدفاعية.

خارطة طريق

بالتوازي مع الخطاب، كشف البنتاغون عن استراتيجية جديدة لتحول منظومة المشتريات، مدعومة بثلاث مذكرات تفصيلية تحدد التغييرات في نظام اعتبره هيغسيث عتيق ورجعي واصفاً إياه بأنه مصمم لـ«حروب الأمس».

تشمل أبرز الإصلاحات:

- عقود أطول وأكبر لتحفيز الشركات على الاستثمار في الإنتاج وتدريب القوى العاملة.

- استبدال مكاتب المدراء التنفيذيين للبرامج بمناصب جديدة تحت مسمى «مدراء محافظ المشتريات»، يتمتع كل منهم بسلطة اتخاذ قرار أوسع.

- تسريع البت في الاعتراضات عبر آلية تحدّ من الدعاوى غير الجدية.

- إصدار تقديرات دقيقة للتكاليف بعد تجاوزات متكررة في الميزانيات والجداول الزمنية.

- الاعتماد على الأنظمة التجارية الجاهزة بدلاً من الحلول المصممة خصيصاً لكل مشروع.

- دمج الوكالات الدفاعية ذات الصلة ضمن هيكلية موحدة لتعزيز التنسيق وسرعة التنفيذ.

تفاعل واسع

ووفقاً للصحيفة الأمريكية، أثارت الخطوة إعجاباً غير مسبوق في الأوساط الصناعية والتكنولوجية، فقد وصفها ستيف بلانك، المؤسس المشارك لمركز «العقدة الغوردية» لابتكار الأمن القومي، بأنها تعادل «أطروحات الإصلاح الخمس والتسعين» التي علّقها مارتن لوثر في فيتنبرغ عام 1517، مشيراً إلى أن «اللعبة كلها تتغير».

ومن جانبه، قال كيث ويبستر، رئيس مجلس الدفاع والفضاء بغرفة التجارة الأمريكية، إن هيغسيث «أزال العقبات التي كبّلت الابتكار لعقود»، بينما اعتبر أنشو روي، الرئيس التنفيذي لشركة RHOMBUS POWER، أن الخطاب يمثل «أكثر إعلان تفاؤلي لمبتكري التكنولوجيا الدفاعية منذ تأسيس وحدة الابتكار الدفاعي».

أما تشاد ستيلبيرغ، المؤسس المشارك لشركة TIBERIUS AEROSPACE، فشبه المقاربة الجديدة بـ«تعامل مع الأسلحة كما تُدار البرمجيات» — أي أنظمة معيارية قابلة للتطوير يمكن إنتاجها عبر شبكة مصانع موثوقة «في غضون أسابيع بدلاً من سنوات».

من المنطق إلى العقيدة

ويرى محللون وفقاً لـ«أكسيوس» أن هذا التحول «مؤسسي بقدر ما هو أيديولوجي»، إذ تستند الإدارة الحالية إلى شخصيات قادمة من عالم الأعمال والاستثمار الخاص، مثل ستيف فاينبرغ من «سيربيروس كابيتال»، وجون فيلان من «روجر مانجمنت»، وإميل مايكل، المدير التنفيذي السابق في «أوبر».

هذا التوجه يعكس ما يسميه مراقبون «عسكرة عقلية الشركات»، أي تبنّي أدوات الحوكمة والسرعة التي تميز القطاع الخاص، لكن التحدي، كما تشير فيرونيكا دايغل من شركة ريد سيل بارتنرز، يكمن في كيفية استيعاب الموظفين داخل البنتاغون لهذه التغييرات، ومدى تحول الأدوار المؤسسية خلال الأشهر المقبلة.

لحظة حاسمة

رغم الاعتراف بصعوبة تطبيق هذه الإصلاحات بين عشية وضحاها، فإن معظم المراقبين يرون أن ما يجري هو لحظة مفصلية في تاريخ الصناعة الدفاعية الأمريكية، فالتقاطع بين التكنولوجيا المتقدمة، والقطاع الخاص، والسياسات الدفاعية يفتح الباب أمام نموذج جديد، يربط الابتكار مباشرة بالأمن القومي، ويعيد تعريف الطريقة التي تبني بها الولايات المتحدة قوتها العسكرية في القرن الحادي والعشرين.