التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الصيني شي جين بينغ، الخميس، في قمة وصفت بالتاريخية احتضنتها كوريا الجنوبية، وكشفا خلالها عن الخطوط الأولى لاتفاق تجاري مرتقب. ورغم الزخم الإعلامي الكبير، يرى محللون أن الحرب التجارية الاستثنائية التي أطلقها ترامب ألحقت أضراراً واضحة بكلا الاقتصادين الأمريكي والصيني، وأن هذا الاتفاق لن يُحدث تحولاً كبيراً في أداء أيٍّ منهما، بحسب "سي إن إن".
على السطح، تبدو العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام وكأنها تُعلن انتصاراً مزدوجاً؛ الولايات المتحدة ستُخفّض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 10%، ما يخفض المعدّل الفعلي إلى نحو 47%، بينما ستؤجّل الصين فرض قيودها على تصدير المعادن النادرة وتزيد مشترياتها من فول الصويا الأمريكي.
ورغم أن هذه الإجراءات قد تُخفف مؤقتاً من معاناة الشركات والمستهلكين منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، إلا أن جراح الاقتصادين أعمق من أن تلتئم بهذه السرعة.
صفقة متأخرة
الاتفاق يأتي متأخراً على الأقل بالنسبة لقطاع الزراعة الأمريكي، لا سيما مزارعي فول الصويا، الذين تضرروا من الحظر الصيني المفروض منذ مايو الماضي مع ارتفاع الرسوم الجمركية.
فحتى هذا الأسبوع لم تشترِ الصين أي شحنات من فول الصويا الأمريكي، وهو أكبر صادرات الولايات المتحدة الزراعية. ورغم إعلان ترامب أن بكين ستشتري "كميات هائلة"، إلا أن موسم الحصاد بلغ ذروته، واضطر المزارعون لبيع محاصيلهم بأسعار منخفضة بالفعل.
يضاف إلى ذلك أن ترامب ورث عن سلفه بايدن سوق عمل كانت تُظهِر علامات تباطؤ، وتشير بياناتها الأخيرة إلى أن التوظيف تراجع بشدة في الأشهر الماضية.
زاد الطين بلة سياسات الرسوم الجمركية العدوانية وغير المتوقعة التي جعلت الشركات أكثر حذراً في التوظيف، بل وبدأ بعضُها في تسريح جماعي للموظفين. ولأول مرة منذ سنوات، يتجاوز عدد العاطلين عدد الوظائف المتاحة، وفق مكتب إحصاءات العمل الأمريكي.
ضريبة التكنولوجيا
لم تتوقف العقبات عند ذلك، فقد تسببت تطورات الذكاء الاصطناعي في تسريح واسع للعمال، كما حدث في شركة "أمازون". ويرى مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أن خفض أسعار الفائدة لم يعد أداة فعالة لدعم التوظيف إذا كان التغيير الهيكلي في الطلب على العمالة ناتجاً عن أن الذكاء الاصطناعي استولى على كثير منها. وقال عضو مجلس الاحتياطي كريستوفر والر: "إذا شكّل الذكاء الاصطناعي تحولاً هيكلياً في سوق العمل، فإن السياسة النقدية لن تكون أداة ناجعة".
وفيما تثير أسعار الفائدة المنخفضة مخاوف زيادة التضخم، ترتفع كلفة السلع والخدمات بالفعل، بسبب الرسوم الجمركية المشددة وسياسات الهجرة التي قلّصت عدد العمال في مجالات الزراعة ورعاية الأطفال.
كوكتيل أزمات
على الجانب الصيني لا يبدو الحال أفضل، فرغم صمود صادراتها في مواجهة الرسوم الأمريكية، إلا أن أزماتها الداخلية المزمنة ما تزال تضغط بقوة على الاقتصاد، تشمل هذه الأزمات: ركود قطاع العقارات، والانكماش، وتراجع ثقة المستهلكين، وارتفاع بطالة الشباب.
وفي تصريح لها تقول لويز لو، رئيسة الاقتصاد الآسيوي في "أوكسفورد إيكونوميكس"، إن التعديلات الجديدة في الاتفاق "لن تُحدث أثراً هيكلياً على المدى الطويل، ذلك أن خفض الرسوم على منتجات مرتبطة بالفنتانيل قد يضيف بحد أقصى 0.2% إلى النمو الصيني في العام المقبل".
وتُظهر البيانات أن أسعار المنتجين في الصين واصلت تراجعها للشهر السادس والثلاثين على التوالي في سبتمبر الماضي، فيما تباطأ نمو مبيعات التجزئة إلى أدنى مستوياتها في عشرة أشهر (3%)، وانخفضت أسعار المساكن الجديدة بأسرع وتيرة خلال 11 شهراً.
وبحسب الخبراء تفاقم التخمة في إنتاج السيارات الكهربائية وتنافس الشركات بأسعار منخفضة الأزمة في السوق المحلية.
أزمة عميقة
حتى الآن، ما توصّل إليه ترامب وشي ليس أكثر من مسودة أولية لاتفاق، لم تُوقَّع بعد. ويتوقّع أن تُجرى جولات مفاوضات إضافية بين الجانبين لتثبيت البنود قبل التوقيع النهائي – أو ربما يفشل الاتفاق بالكامل.
ومع ذلك، يرى المراقبون أن مجرد إعلان الاتفاق أزال مؤقتاً خطر فرض ترامب رسوماً إضافية بنسبة 100% على الصادرات الصينية، وهي خطوة كانت ستستدعي ردّاً صينيّاً قاسياً.
الصفقة المحتملة بين ترمب وشي تبدو مسكناً سياسياً أكثر من كونها علاجاً اقتصادياً؛ ذلك أن كلا البلدين يعاني مشكلاتٍ هيكلية؛ فأمريكا تعاني من ضعف سوق العمل وتراجع الثقة الاستثمارية، فيما ترزح الصين تحت ركود العقارات وتآكل ثقة المستهلكين.
وحتى لو خُفِّفت بعض الرسوم أو فُتِحت الأسواق الزراعية، فإن الأزمة أعمق من حرب تجارية.. إنها أزمة في النموذجين الاقتصاديين نفسيهما؛ أحدهما يواجه الشيخوخة والتكنولوجيا، والآخر يصارع الركود والبيروقراطية.