في تحولٍ استراتيجي لافت، أعدّ الرئيس الصيني شي جينبينغ خطة جديدة للتعامل مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تقوم على الردّ بالتصعيد لا بالمهادنة، مع تقديم تنازلات رمزية في الملفات التي تهمّ ترامب شخصياً، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال".

تكشف مصادر للصحيفة أنّ شي تخلّى عن الأسلوب الدبلوماسي التقليدي الذي اتبعته الصين لعقود، ووضع "دليل تعامل خاصّاً بترامب"، يقوم على استثمار صورته الذاتية كرجل الصفقات الكبرى. في الوقت نفسه، اعتمد الرئيس الصيني نهجاً يقوم على ضربات اقتصادية قاسية ومفاجئة لإظهار القوة والندية، معتقداً أن ترامب، أكثر من غيره، يحترم القوة ولا يثق باللين.

أبرز تجليات هذه المقاربة ظهر مطلع أكتوبر الجاري، حين أعلنت وزارة التجارة الصينية قيوداً واسعة على تصدير المعادن النادرة التي تهيمن الصين على 90% من إنتاجها العالمي. القرار جاء بعد قيود أمريكية جديدة على الشركات الصينية، لكنه كان، بحسب المطلعين على القرار، ورقة ضغط مدروسة قبل القمة المرتقبة بين ترامب وشي في كوريا الجنوبية.

ويرى خبراء أنّ هذه الخطوة تعكس إصرار بكين على استخدام مواردها الاستراتيجية كسلاح تفاوضي، في وقتٍ تسعى فيه واشنطن لتقليص اعتمادها على الصين عبر استثمارات مشتركة مع أستراليا بقيمة 3 مليارات دولار لتطوير معادن بديلة.

لكن في بكين، لا يُنظر إلى الأمر كتصعيدٍ بلا هدف. فالمصادر القريبة من دوائر القرار تؤكد أن شي يسعى إلى بناء علاقة تقوم على الندية لا الصدام، مستخدماً مزيجاً من الشدة والمرونة. ففي حين يضرب بيدٍ اقتصاديةٍ قاسية، يمدّ الأخرى باتجاه اتفاقات اقتصادية يمكن أن تُرضي ترامب سياسياً.

أحد الأمثلة البارزة هو ملف “تيك توك”، الذي تعتبره بكين تنازلاً منخفض الكلفة يمكن استخدامه كورقة تفاوض. فبحسب التسريبات، وصف شي التطبيق بأنه "أفيون روحي" لا يُمانع في التخلي عنه جزئياً مقابل ضمان استمرار الحوار مع واشنطن.

وفي المقابل، يُظهر ترامب استجابة للمنطق الصيني القائم على الصفقات، إذ وافق على تخفيف بعض الإجراءات بعد ضغوط من شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى مثل “إن فيديا”، التي نجحت في إقناعه بالتراجع عن حظر بيع رقائقها المعدّلة للصين، معتبرة أن الحظر يدفع بكين نحو الاكتفاء الذاتي التكنولوجي.

لكنّ هذه الديناميكية المعقدة تُثير قلق دوائر الأمن القومي الأمريكي، فبينما تتراجع أصوات الصقور داخل الإدارة، يخشى مراقبون من أن تتحول السياسة الأمريكية تجاه الصين إلى مسرحٍ تجاري أكثر من كونها استراتيجية مواجهة.

نموذج عملي

في أغسطس الماضي، ألغى ترامب حزمة عقوبات ثانوية كانت معدّة ضد الصين بسبب وارداتها من النفط الروسي، خشية أن تردّ بكين بتقييد صادراتها من المعادن النادرة مجدداً.

يصف مسؤولون هذا التراجع بأنه نموذج عملي لفاعلية التكتيك الصيني الجديد: استخدام نقاط الخنق الاقتصادية لإجبار واشنطن على ضبط لهجتها.

هذا النجاح النسبي شجّع بكين على المضي أبعد، حيث أعلنت عن قيود جديدة مطلع أكتوبر، ما دفع البيت الأبيض إلى التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية وإلغاء القمة الثنائية.

بعد أيام فقط، سارعت وزارة التجارة الصينية إلى تخفيف لهجتها، مؤكدة أن القيود ستُطبق بـ"حذر واعتدال"، في تراجعٍ يُظهر أنّ ميزان القوة لا يزال يميل إلى واشنطن، خاصة في الصناعات الحساسة مثل الطيران، والتي تعتمد فيها الصين على محركات أمريكية متطورة.

في ختام المشهد، يتواجه الطرفان في معادلة محفوفة بالمخاطر؛ ترامب يسعى إلى صفقة كبرى تمنحه نصراً سياسياً سريعاً، بينما يلعب شي على المدى الطويل، محاولاً ترسيخ صورة الصين كقوةٍ لا يمكن تجاوزها.

ومع اقتراب موعد القمة بين الزعيمين في سيول، يبدو أن الصفقة المقبلة لن تكون اقتصادية فحسب، بل اختباراً لمدى قدرة كلٍّ من ترامب وشي على كبح غرائزهما المتقابلة؛ الغريزة التجارية عند الأول، والإرادة الإمبراطورية عند الثاني.