في خضم بيئة اقتصادية عالمية تتسم بالضبابية، حيث تتشابك ضغوط التضخم مع تراجع النمو، تُصبح الأرقام والمؤشرات المالية هي البوصلة الوحيدة المتاحة. ويشير تقرير حديث صادر عن وكالة "إس آند بي غلوبال" إلى تحول جذري في التوقعات، كاشفاً عن خسائر محتملة للشركات العالمية تتجاوز حاجز التريليون دولار هذا العام.

هذا الانكماش الهائل في هوامش الأرباح لا يعكس فقط التحديات الكلاسيكية مثل ارتفاع الأجور وأسعار الطاقة، بل يسلط الضوء بشكل خاص على الآثار المباشرة وغير المباشرة لصراعات التجارة والرسوم الجمركية التي أُعيد إحياؤها.

فكيف تتوزع فاتورة هذه الخسائر؟ والأهم، هل يتحملها المستهلك النهائي أم تستوعبها الشركات، وما هو الثمن الذي يدفعه المستهلك ذو الدخل المحدود في ظل هذه البيئة المتقلبة؟ هذه الأسئلة تشكل جوهر التحليل التالي.

يجد تقرير صادر عن وكالة "إس آند بي غلوبال" أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب تُسبب ضغطاً على الشركات بقيمة تريليون دولار، يقع معظمه حتماً على عاتق المستهلكين.

ووفقاً للتقرير الذي نُشر يوم الخميس، ستخسر الشركات ما لا يقل عن 1.2 تريليون دولار إضافية هذا العام، وهو مبلغ يفوق توقعاتها قبل بداية العام والتغير الدراماتيكي في صورة التجارة والرسوم الجمركية.

وأضافت "إس آند بي" أن هذا التقدير يعكس أيضاً عوامل أخرى، تشمل زيادات الأجور، وأسعار الطاقة، وارتفاع النفقات الرأسمالية، خاصة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

ذكر التقرير أن "توقعات هوامش أرباح الشركات العالمية قد تقلصت بشكل حاد" بنحو 0.64%، أو ما يعادل 907 مليارات دولار من الأرباح المفقودة بين الشركات التي يغطيها محللو البيع، وقدر التقرير أن هذه "الفجوة" تتكون تقريباً من زيادة بقيمة 600 مليار دولار في توقعات الإيرادات وانخفاض قدره 300 مليار دولار في تقديرات الأرباح.

يغطي محللو البيع أكبر شركات التجزئة العالمية مثل "وول مارت"، و"أمازون"، و"كوستكو هولسيلرز". ومن إجمالي الخسارة المقدرة بـ 907 مليارات دولار، يتم تمرير ما يقرب من الثلثين، أو 592 مليار دولار، إلى المستهلكين عبر أسعار أعلى.

وقال التقرير: "يتم امتصاص الثلث المتبقي (315 مليار دولار) داخلياً من خلال انخفاض الأرباح، ولكنه أشار إلى أن "الناتج الحقيقي" آخذ في التدهور، ما يعني أن كمية أقل من السلع يتم إنتاجها فعلياً من قبل هذه الشركات.

يمتد التحليل إلى ما وراء 9,000 شركة مساهمة عامة ليشمل زيادة في النفقات المتوقعة بنحو 155 مليار دولار "للشركات العامة غير المغطاة"، بالإضافة إلى 123 مليار دولار للشركات المدعومة من رؤوس الأموال الخاصة والمغامرة.

ويصل مجموع هذه التكاليف الإضافية إلى 1.2 تريليون دولار في عام 2025، وفقاً للتقرير.

قال محافظ الاحتياطي الفيدرالي المعين من قبل ترامب، كريستوفر وولر، في خطاب ألقاه يوم الخميس، إن تأثيرات الرسوم الجمركية على التضخم كانت متواضعة وشُعِر بها في الغالب من قبل الأسر ذات الدخل المرتفع، حيث "تشكل نسبة الـ 10% الأعلى دخلاً 22% من الاستهلاك الشخصي".

وأضاف وولر أن بيانات الإنفاق تشير إلى تأثير تضخمي ضئيل أو معدوم "في المستويات الأدنى للدخل"، وأن أي ضغوط سعرية لم تؤد إلى تآكل كبير في القوة الشرائية للأسر الأقل ثراءً.

لكن محللين من شركة "تي إس لومبارد" يجادلون بأن التداعيات الاقتصادية للرسوم الجمركية تنقسم بحدة حسب الدخل، قائلين إن الأثرياء معزولون إلى حد كبير ويواصلون إنفاقهم الاختياري القوي، بينما تتحمل الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط معظم العبء.

ووصف داريو بيركنز من "تي إس لومبارد" الرسوم بأنها تعمل عادة كـ "ضريبة تنازلية"، ما يعني أن المستهلكين ذوي الدخل المنخفض يتأثرون بشكل غير متناسب بالزيادات في الأسعار.

وقال محمد إلاهي، أستاذ الأعمال الدولية في جامعة كوينيبيانك، لمجلة "فورتشن": "بالنسبة للأسر ذات الدخل المرتفع، فإن هذا التأثير ضئيل".

وأضاف أن السلع الفاخرة غالباً ما تحافظ على علاوة سعرية عبر الأسواق العالمية بغض النظر عن الرسوم. "هؤلاء المستهلكون يمتلكون المرونة المالية لاستيعاب التكاليف المتزايدة دون تغيير سلوكهم الشرائي أو نمط حياتهم بشكل كبير".

وقال كريستوفر هودج، الاقتصادي في "ناتيكس سي آي بي أميركا"، وهي مؤسسة مالية عالمية، ، إن الرسوم الجمركية تستقطع نسبة أكبر من دخل ذوي الأجور المنخفضة، نظراً لأن الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط تنفق حصة أكبر من رواتبها على السلع،والتي أصبح الكثير منها الآن خاضعاً للرسوم—بدلاً من الخدمات.

وأوضح: "الفئات الحساسة للرسوم،مثل الأثاث، والملابس، والإلكترونيات، والأجهزة المنزلية، يستهلكها بكثافة العائلات الشابة والأسر ذات الدخل المتوسط التي تؤثث المنازل وتربي الأطفال".

ويقول البيت الأبيض إن ضغط المستهلك الأمريكي سيكون مؤقتاً. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي في بيان رسمي : "لطالما كان موقف الرئيس والإدارة واضحاً: في حين أن الأمريكيين قد يواجهون فترة انتقالية بسبب الرسوم التي تقلب وضعاً قائماً فاشلاً وضع أمريكا في المرتبة الأخيرة، فإن تكلفة الرسوم سيتحملها في نهاية المطاف المصدرون الأجانب".

وأضاف: "الشركات تعمل بالفعل على تحويل وتنويع سلاسل الإمداد الخاصة بها استجابة للرسوم، بما في ذلك إعادة الإنتاج إلى الولايات المتحدة".

وذكر تقرير "إس آند بي" أن خسارة أرباح الشركات قد تكون أعلى من تقديرها الذي وصفته بأنه "متحفظ للغاية"