لم يعد الصراع بين الرئيس السابق دونالد ترامب وخصومه مجرد معركة تصريحات، بل تحول إلى حرب قضائية علنية تضع استقلال وزارة العدل الأمريكية على المحك.

فبعد ضغوط علنية مكثفة من ترامب لـ"التحرك بقوة أكبر" ضد خصومه السياسيين، وُجهت تهم جنائية إلى المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي.

هذه الخطوة، التي وصفها خصوم الرئيس بأنها تنفيذ لقائمة "الأخوة الأعداء" في البيض الأبيض، تفتح الباب أمام كومي لمحاولة مناورة قانونية نادرة وعسيرة، إسقاط التهم بالكامل من خلال إثبات أنها لم تُقدم إلا بدافع "الانتقام السياسي" المباشر من البيت الأبيض.

يغوص هذا التقرير في التفاصيل القانونية الدقيقة لهذه المعركة، وكيف يمكن لتصريحات ترامب العلنية المتكررة أن تشكل دليلاً قوياً، لم يسبق له مثيل، لدعم دعوى الاضطهاد الانتقامي في المحكمة.

في خضم الضغوط العلنية التي يمارسها الرئيس دونالد ترامب على وزارة العدل لتقديم لوائح اتهام جنائية ضد خصومه، يشير الخبراء القانونيون إلى أن المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي قد يحاول القيام بمناورة قانونية نادرة النجاح تتيح للقضاة إسقاط التهم الموجهة إليه بسبب تقديمها بشكل "انتقامي" أو "انتقائي".

تعتبر طلبات إسقاط القضايا بناءً على تهم "الاضطهاد الانتقائي" أو "الاضطهاد الانتقامي" عقبة قانونية صعبة للغاية، ونادراً ما تنجح، وقد فشل كل من الرئيس ترامب ونجل الرئيس جو بايدن، هانتر بايدن، في استخدام هذا التكتيك في السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، بعد أن دعا ترامب علنًا المدعي العام بام بوندي للتحرك بقوة أكبر في ملاحقة كومي وآخرين، يرى الخبراء أن كومي قد يمتلك الأدلة اللازمة لإقناع القاضي بإسقاط التهم الموجهة إليه يوم الخميس الماضي.

يقول القاضي الفيدرالي المتقاعد جون جونز: "إنها قضية أفضل لكومي، لأن الرئيس لن يصمت"، مضيفاً: "وهذا الكلام "العلني" مقبول كدليل، لذا أعتقد أن لديه فرصة مقاتلة فيما يتعلق بالاضطهاد الانتقامي".

تهم كومي

وُجهت إلى كومي تهمتان جنائيتان (فلوني) تتعلقان بادعاء الكذب على الكونغرس في شهادة أدلى بها عام 2020، وتتعلق التصريحات الكاذبة المزعومة بادعائه في ذلك الوقت بأنه لم يأذن بتسريب معلومات للصحافة عندما كان على رأس المكتب ويشرف على تحقيقات حساسة سياسياً.

وفي الأيام الأخيرة، حث ترامب المدعين العامين في وزارة العدل على المضي قدماً ليس فقط في ملاحقة كومي، بل أيضاً المدعية العامة لنيويورك ليتيتيا جيمس والسيناتور الديمقراطي عن كاليفورنيا آدم شيف، وجميعهم يعتبرهم خصوماً سياسيين.

كما يسعى كبار قادة وزارة العدل إلى توجيه تهمة ضد مستشار الأمن القومي السابق لترامب، جون بولتون، وهو ناقد بارز للرئيس، وقالت القاضية الفيدرالية السابقة شيرا شايندل انه من الواضح أن الاتهام هو فعل "انتقامي".

وأكد ترامب للصحفيين أنه يتوقع ملاحقة خصوم سياسيين آخرين بعد لائحة اتهام كومي، قائلاً: "ليست قائمة، لكنني أعتقد أنه سيكون هناك آخرون، إنهم فاسدون.

هؤلاء ديمقراطيون فاسدون متطرفون يساريون لا، سيكون هناك آخرون".

يواجه المتهمون الراغبون في إقناع القضاة بإسقاط قضاياهم بناءً على ادعاءات الاضطهاد عوائق مختلفة، لكن المحامين يركزون على مفهوم الاضطهاد الانتقامي (Vindictive Prosecution) الذي يمثل فرصة أقل صعوبة في حالة كومي.

يتأسس هذا الادعاء على فكرة أن الحكومة تنتقم من المتهم لممارسته حقوقاً معينة، مثل رفض صفقة إقرار بالذنب والمضي إلى المحاكمة، ترامب كان صريحًا في استيائه تجاه كومي، الذي يلومه على فتح تحقيق التدخل الروسي لعام 2016، وبعد إقالته عام 2017، أصبح كومي ناقدًا صريحًا لمديره السابق.

حتى بعد اتهام كومي يوم الخميس، واصل ترامب انتقاده الأسبوع الماضي واصفاً إياه بـ "المريض" و "الفاسد".

يقول القاضي جونز: "أنت ترى العداء... إنها حالة اختبار رائعة لفحص الخطوط العريضة لادعاء الاضطهاد الانتقامي الحقيقي أنت تعلم، 'لقد وُجهت إليّ لائحة اتهام لأن رئيس الولايات المتحدة لا يحبني وأراد أن أُتهم'".

الاضطهاد الانتقائي

على الجانب الآخر، فإن المطالبة بإسقاط القضايا بناءً على الاضطهاد الانتقائي (Selective Prosecution) تعد مسعىً صعباً للغاية بسبب السلطة التقديرية الواسعة للمدعين العامين في اتخاذ قرارات الاتهام.

يتطلب هذا المسعى إثبات أن التهم الموجهة إليه لم تُوجّه عادةً ضد أفراد في وضع مماثل وأن الملاحقة تمت على أساس تمييزي كالآراء السياسية.

يقول المدعي العام الفيدرالي السابق راندال إلياسون: "إنها مناورة صعبة للغاية للفوز بها لأن المدعين العامين يتمتعون بقدر كبير من السلطة التقديرية في تحديد أنواع القضايا التي يجب رفعها".

ومع ذلك، ترى القاضية شيرا شايندل أن محامي كومي قد يرغب في تجنب هذا الجدل، موضحة: "هذا مثل الاعتراف بأنك فعلت ذلك، لكن لماذا لا يتم اتهام العشرة الآخرين الذين فعلوا الشيء نفسه؟ لذا لا أعتقد أن محامي دفاع لشخص رفيع المستوى مثل كومي سيرغب في تقديم هذه الحجة: 'حسناً، ربما كذبت، لكن الجميع يكذب أيضاً'".

نمط المغادرة

تمثل تصريحات ترامب المعادية جزءًا من الأدلة التي يمكن لكومي الاعتماد عليها، لكن هناك حقائق أخرى تدعم موقفه وتتعلق بالاضطراب الأخير داخل مكتب المدعي العام الذي يحقق في قضيته.

ففي تطور لافت، وبعد تزايد الضغوط على المدعي العام الأمريكي للمنطقة الشرقية من فيرجينيا، إريك سيبرت، لتقديم تهم ضد ليتيتيا جيمس، تم إقصاء سيبرت واستبداله بشكل مؤقت بالموظفة الموالية لترامب ليندسي هاليجان.

يقول إلياسون: "إنهم يختارون رجلهم ثم يحاولون العثور على شيء يمكن اتهامه به، بدلاً من التحقيق في الحقائق بناءً على القانون وتحديد ما إذا كانت التهم مناسبة".

هذا التقلب واختيار مدع عام جديد "يفعل ما لن يفعله المدعي العام السابق،يطلق جميع أنواع الإشارات الحمراء"، وقد استشهد محامو المتهم كيلمار أبريغو غارسيا بهذه التطورات في قضيتهم الأخيرة، مشيرين إلى أن "المدعي العام الأمريكي في المنطقة الشرقية من فيرجينيا أُجبر على ترك منصبه لعدم توجيه تهم انتقامية للمدعية العامة لنيويورك ليتيتيا جيمس"، مؤكدين أن "رئيس القسم الجنائي في قضيتنا استقال بدلاً من توجيه هذه الملاحقة الانتقامية بنفسه".

التداعيات الدستورية

يمثل القرار الوشيك بشأن قضية كومي نقطة تحول حاسمة في العلاقة بين السلطة التنفيذية ووزارة العدل. فقد حظي استقلال وزارة العدل عن التدخل السياسي بـ تقاليد عمرها عقود، وإذا نجح كومي في إثبات أن التهم الموجهة إليه ذات دوافع انتقامية، فإن ذلك سيشكل سابقة قانونية خطيرة تؤكد على استخدام سلطة الدولة في الملاحقة الجنائية لتصفية الحسابات السياسية.

ومن الممكن أن يؤدي حكم القاضي لصالح كومي إلى وضع حدود قضائية واضحة لكيفية استخدام الرئيس للخطاب العام للضغط على المدعين الفيدراليين، مما قد يدعم استقلال الوزارة في مواجهة محاولات اختراقها من أي إدارة مستقبلية.

في المقابل، قد يُنظر إلى رفض المحكمة لدعوى الاضطهاد الانتقامي، بالرغم من كل الأدلة العلنية، على أنه إشارة إلى تآكل هذا التقليد الدستوري ومنح ضوء أخضر للرؤساء للتدخل بشكل أكثر صراحة في الشؤون الجنائية.