التأم شمل قادة العالم ورؤساء كبرى منظماته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بدورتها الـ 80، وفيما شدد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على ضرورة إنهاء فوري لحرب غزة وإطلاق سراح الرهائن، شن في الوقت ذاته هجوماً قاسياً على المنظمة الأممية واتهمها بالتقاعس عن دعم جهود السلام، فضلاً عن تهديد لروسيا بفرض عقوبات حال عدم إنهاء حرب أوكرانيا، وحضّ للأوروبيين على وقف جميع مشتريات الطاقة منها، وبينما حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن العالم دخل عصر التفتت الطائش والمعاناة الإنسانية المستمرة، وأن أسس السلام العالمي باتت مهددة بسبب غياب المساءلة وتراجع الالتزام بالقانون الدولي، أعلنت مصر اعتزامها استضافة مؤتمر لإعادة إعمار غزة، فور التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وانتقد ترامب، إعلان دول غربية الاعتراف بدولة فلسطينية، واصفاً هذه الخطوات بأنها مكافأة عما أسماها فظائع مروعة ارتكبتها حركة حماس. وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال إن على الدول الكبرى التركيز بدلاً من ذلك على إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة.

وأضاف ترامب: بدلاً من الرضوخ لمطالب حماس مقابل الرهائن، ينبغي لمن يريدون السلام أن يتحدوا خلف رسالة واحدة: أفرجوا عن الرهائن الآن، فقط أفرجوا عن الرهائن. ودعا ترامب إلى إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وتسليم جثث القتلى، قائلاً: يجب علينا إنهاء الحرب في غزة فوراً، يجب علينا وقفها نهائياً.

وشن ترامب هجوماً ضارياً على الأمم المتحدة، بسبب ما أسماه تقاعسها عن دعم جهود السلام، مشيراً إلى أنه نجح في حل صراعات عالمية عديدة دون مساعدة من المنظمة الدولية. وأضاف ترامب: أنهيت سبع حروب، وتعاملت مع زعماء كل من هذه الدول، ولم أتلقّ حتى مكالمة هاتفية من الأمم المتحدة تعرض المساعدة في إتمام أي اتفاق.

ووصف ترامب التغير المناخي بأنه أكبر عملية احتيال على الإطلاق، مشيراً إلى أن مفهوم بصمة الكربون هو خدعة. وقال ترامب، إن التغير المناخي أكبر عملية احتيال على الإطلاق دبرت في العالم، لافتاً إلى أن بصمة الكربون خدعة ابتدعها أشخاص لهم نوايا شريرة وهم يسعون إلى دمار كامل.

وهدد ترامب روسيا برسوم جمركية حال عدم انتهاء حرب أوكرانيا، فيما كثف الضغط على شركائه الأوروبيين. وقال إنه إذا لم توافق موسكو على اتفاق سلام، ستفرض واشنطن حزمة قوية للغاية من الرسوم الجمركية، الأمر الذي من شأنه أن يوقف سفك الدماء، مضيفاً: «لكن كي تكون هذه الرسوم مؤثرة، سيتعين على الدول الأوروبية، وجميعكم مجتمعون هنا الآن، أن تنضموا إلينا في تبني ذات الإجراءات بالضبط.. عليكم وقف جميع مشتريات الطاقة من روسيا على الفور.. على أوروبا أن تسرع من وتيرتها».

وقال ترامب، إنه لا يمكن السماح لإيران بحيازة أسلحة نووية. وتعهد بأن تقود إدارته جهداً دولياً لإنفاذ اتفاق يتعلق بالأسلحة البيولوجية من خلال الريادة في نظام تحقق باستخدام الذكاء الاصطناعي.

واتهم ترامب، الأمم المتحدة، بتمويل هجوم على الغرب من خلال دعم الهجرة غير النظامية، مشيراً إلى أن الهيئة الدولية دعمت عمليات الهجرة غير القانونية إلى الولايات المتحدة. واعتبر أن الدول الأوروبية في طريقها إلى الجحيم بسبب الهجرة غير النظامية. وتوعد بالقضاء على مهربي المخدرات بعدما دمّرت القوات الأمريكية 3 زوارق فنزويلية بادعاء أنها تستخدم لتهريب المخدرات.

تفتت ومعاناة

من جهته، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن العالم دخل عصر التفتت الطائش والمعاناة الإنسانية المستمرة، مؤكداً أن أسس السلام العالمي باتت مهددة بسبب غياب المساءلة وتراجع الالتزام بالقانون الدولي.

وسلط غوتيريش، في خطابه بالجلسة الافتتاحية لأعمال المناقشة العامة رفيعة المستوى للدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، الضوء بشكل بارز على الحرب في غزة، واصفاً إياها بأنها واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية المأساوية في العصر الحديث وكارثة إنسانية غير مسبوقة.

وشدد على أن الحرمان المتعمد للسكان من مقومات الحياة الأساسية، واستهداف البنى التحتية يقوض أي إمكانية للسلام، مطالباً بفتح الممرات الإنسانية فوراً دون عوائق والامتثال لتدابير محكمة العدل الدولية؛ كما أكد أن الحل السياسي القائم على أساس الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء هذا النزيف.

إلى ذلك، قال أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في كلمته، إن الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف القادة السياسيين لحركة حماس في الدوحة كان محاولة إسرائيلية لعرقلة مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.

بدورها، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجا ميلوني، إن روما يمكن أن تعترف بدولة فلسطينية بشرط إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين واستبعاد حركة حماس من أي دور في الحكم.

وقالت ميلوني: أنا لست ضد الاعتراف بفلسطين، لكن يتعين علينا أن نضع لأنفسنا الأولويات الصحيحة، معلنة أن حكومتها ستقدم اقتراحاً إلى البرلمان بشأن هذه القضية. وأضافت ميلوني أن الضغط الدولي يجب أن يكون على حماس وليس على إسرائيل، لأنها بدأت الحرب وتعرقل إنهاءها برفضها تسليم الرهائن.

في السياق، دعا العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، المجتمع الدولي، إلى التوقف عن التمسك بالاعتقاد الواهم بأن هذه الحكومة الإسرائيلية شريك راغب في السلام، مؤكداً أن أفعالها على أرض الواقع تهدم الأسس التي يمكن أن يرتكز إليها السلام وتدفن بشكل متعمد فكرة قيام الدولة الفلسطينية. وقال العاهل الأردني في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: «إلى متى سنكتفي بإصدار الإدانة تلو الأخرى دون أن يتبعها قرار ملموس؟، يجب على الأمم المتحدة أن تلبي هذا النداء حتى يصبح السلام واقعاً، وأن تردد هذا النداء: الوقت قد حان».

كما حذر الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، من أن قوى مناهضة للديمقراطية تسعى إلى إخضاع المؤسسات، بعد أن استهدف بما يشتبه بأنه مخطط انقلابي من تدبير سلفه الحليف لترامب. وقال لولا أمام الجمعية العامة: «في كل أنحاء العالم، تحاول قوى مناهضة للديمقراطية إخضاع المؤسسات وخنق الحريات.. ديمقراطيتنا وسيادتنا غير قابلتين للتفاوض».

مؤتمر إعمار

إلى ذلك، أعلنت مصر اعتزامها استضافة مؤتمر لإعادة إعمار غزة، إذ كشف رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر في الأمم المتحدة حول «حل الدولتين»، أن بلاده ستستضيف مؤتمراً لإعادة إعمار غزة فور التوصل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع. وقال مدبولي من على منبر الأمم المتحدة، إن مصر ستستضيف، فور التوصل إلى وقف لإطلاق النار، مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار قطاع غزة لحشد التمويل اللازم للخطة العربية الإسلامية لإعادة الإعمار.

بيان مشترك

على صعيد متصل، أصدرت رئاسة المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، الذي عقد أول من أمس في نيويورك برئاسة المملكة العربية السعودية وفرنسا، بياناً مشتركاً دعت فيه المجتمع الدولي إلى تحويل مواقفه إلى أفعال ملموسة.

وأوضح البيان، أن المؤتمر أسفر عن اعتماد إعلان نيويورك الذي حظي بتأييد 142 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكداً الالتزام الدولي بحل الدولتين ورسم مسار لا رجعة فيه لبناء مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين وشعوب المنطقة كافة.

وأشار البيان إلى تفاقم المأساة الإنسانية في غزة مع تصاعد الهجوم البري الإسرائيلي، معتبراً أن إعلان نيويورك يقدم بديلاً مبدئياً وواقعياً لدائرة العنف. ودعا المجتمع الدولي إلى الانتقال من الأقوال إلى الأفعال عبر خطوات عملية وملموسة لتنفيذ الإعلان، مرحباً بتعهدات الدول الأعضاء.

كما رحب البيان باعتراف دول جديدة بدولة فلسطين، من بينها أستراليا وبلجيكا وكندا والمملكة المتحدة ولوكسمبورج والبرتغال ومالطا إلى جانب فرنسا. وأكد البيان أن إنهاء الحرب في غزة وضمان الإفراج عن جميع الرهائن يظلان أولوية قصوى، داعياً إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن وتبادل الأسرى، وضمان وصول المساعدات الإنسانية وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.

ترحيب

وعلى الفور، رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، أمس، بالبيان المشترك الصادر عن رئاسة المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين. وقالت الوزارة، في بيان، إن فلسطين تثمن الدور الذي قامت به المملكة العربية السعودية وفرنسا في رئاسة المؤتمر، والجهود المبذولة لتعزيز الاعتراف بدولة فلسطين وحشد الدعم الدولي لإعلان نيويورك الصادر عن الأمم المتحدة.

وشددت على أن تنفيذ الإعلان من شأنه تمكين مؤسسات دولة فلسطين من ممارسة مهامها السياسية والقانونية على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما في ذلك قطاع غزة، بما يحفظ خيار حل الدولتين، ويعزز فرص السلام العادل والدائم في المنطقة.