محمد عبدالعزيز 

بينما يواصل الصراع الروسي – الأوكراني تمدده للعام الرابع، يطل المقترح الأمريكي الأخير كفرصة محتملة لإحداث انفراجة سياسية في الأزمة، لكنه يأتي محمّلاً بتحديات معقدة قد تحول دون تحقيق سلام شامل وفوري، حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أنّ أوروبا لم تستغل كل فرصها لحل الصراع في أوكرانيا، مشيراً إلى أنّها انسحبت من المفاوضات وأحبطت الاتفاقيات السابقة بشأن أوكرانيا. وقال لافروف، في تصريحاتٍ لوسائل إعلام روسية، إنّ «موسكو تفترض أنّ أوروبا انسحبت من مفاوضات أوكرانيا».وأشار إلى أنّ «الأوروبيين أحبطوا جميع الاتفاقات السابقة لحل الحرب في أوكرانيا»، وأضاف: «إذن، أضاعت أوروبا كل فرصها». من جهته، أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أمس ، أنّ المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف، سيصل إلى روسيا وذلك قبيل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المقررة إلى الهند. وكان مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، قد أعلن يوم الأربعاء، أنّ «عدداً من مسؤولي الإدارة الأمريكية المعنيين بالشؤون الأوكرانية، سيزورون موسكو برفقة ويتكوف».

وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن وفداً يمثل بلاده في طريقه إلى الولايات المتحدة لهذا الغرض، كما ذكر قصر الإليزيه، في بيان السبت، أن الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيجتمعان في باريس اليوم الاثنين، وقال الإليزيه إن الزعيمين سيناقشان شروط سلام عادل ودائم، عقب المحادثات التي عقدت في جنيف وخطة السلام  الأمريكية.

وتشير التحليلات إلى أن العقد الرئيسة المرتبطة بالحدود والهوية الوطنية وانضمام أوكرانيا للناتو تشكل عقبات صعبة، فضلاً عن ضرورة إدارة الضغوط السياسية الداخلية والخارجية على جميع الأطراف.

ويبدو أن أي تسوية محتملة ستتطلب تنازلات متبادلة وآليات رقابية دولية صارمة، ما يجعل السلام القائم على هذا المقترح عملية تدريجية وطويلة الأمد، لا مجرد توقيع اتفاق سريع تحت ضغط سياسي. 

أمنياً، نشرت البحرية الأوكرانية مقطعاً مصوراً يوثق ما قالت إنها عملية مشتركة مع القوات الخاصة استهدفت مطار ساكي في شبه جزيرة القرم. وقالت البحرية الأوكرانية إن الضربة استهدفت عدداً من الأصول العسكرية هناك، كما أصابت مركز القيادة والتحكم في المطار، إضافة إلى مواقع تخزين طائرات مسيرة هجومية. وأكدت أنها دمرت أيضا عددا من منظومات الدفاع الجوي الروسي ويأتي هذا الهجوم في أعقاب هجوم روسي آخر مساء الجمعة بالطائرات المسيرة والصواريخ استهدف كييف وأسفر عن مقتل 3 أشخاص وانقطاع الكهرباء عن مئات الآلاف في جميع أنحاء أوكرانيا. 

ويتركز المقترح الأمريكي الأخير لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية على حزمة من 28 بنداً تهدف إلى تثبيت وقف شامل لإطلاق النار وإعادة صياغة التوازنات الأمنية بين الطرفين. 

إطار تقني

ويتفق عدد من المحللين على أن المقترح الأمريكي الأخير يقدّم إطاراً تقنياً واضحاً لإنهاء القتال لكنه ليس وصفة سريعة لسلام دائم؛ السبب أن كثيراً من بنوده تتضمن تنازلات إقليمية وسياسية كبيرة على حساب مبادئ السيادة والرفض الشعبي، وهو ما يجعل قبول كييف أو موسكو أمراً مرهوناً بموازنات سياسية داخلية وإقليمية معقّدة. ورغم أن الوثيقة تُظهر عملاً دبلوماسياً مركزاً ووعود إعادة إعمار كبيرة، فإن الشرط العملي لوقف النار هو اتفاق يتّسم بقبول عملي من جانب الطرفين لا بمجرد موافقة وساطات خارجية.

ويركّز محللون آخرون على أن نقاطاً أساسية في مسودة الاقتراح — مثل تجميد حدود ونزع حق أوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي، والحدّ من قدراتها العسكرية، واعتراف فعلي أو «تجميد» لوضع القرم ومنطقة الدونباس — تُمثّل هزيمة سياسية ومعنوية لِكييف، وقد تشجّع موسكو لكنها ستُشعل ردود فعل داخلية وخارجية ضد أي صفقة تُعد «استسلاماً».

كذلك هناك مخاوف من أن آليات الضمان والتنفيذ في المقترح غير قوية بما يكفي لردع انتهاكات مستقبلية، ولا توفر آلية محايدة وملزمة للرقابة على الانسحاب أو تنفيذ التزامات الأمن.

حسابات معقّدة

في هذا السياق، يرى الدكتور ديميتري بريجع، أستاذ العلاقات الدولية ومدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، أن مستقبل المقترح الأمريكي للسلام يتوقف بالدرجة الأولى على الكيفية التي ستتعامل بها كل من أوكرانيا وروسيا مع بنوده، إذ لا تزال هناك العديد من القضايا العالقة على المستوى الدولي تؤثر بشكل مباشر في فرص نجاح أي مبادرة.

ويشير إلى أن المقترح يتضمن بنوداً قد تجد روسيا نفسها قادرة على قبولها، مقابل أخرى يصعب أن توافق عليها، ما يجعل مسار التفاوض مرهوناً بحسابات معقّدة. ويضيف إن الموقف الأمريكي ذاته، وتحديداً طريقة تعاطي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع تفاصيل الملف، سيشكل عاملاً مؤثراً في تحديد اتجاهات التسوية.

ويؤكد بريجع أن الحديث الإعلامي حول احتمال دفع روسيا أموالاً لأوكرانيا مقابل بعض الترتيبات المتعلقة بمناطق دونباس لا يبدو واقعياً، مشيراً إلى أنه من المستبعد أن تقبل موسكو بذلك، لأن المسألة ترتبط بمبادئ تعدها روسيا جوهرية في سياستها الإقليمية.

وفي المقابل، يرى أن مطلب عدم انحياز أوكرانيا لمعسكر معين، وعدم انضمامها إلى حلف شمالي الأطلسي، يمثل بنداً محورياً بالنسبة لروسيا، ويرجّح أن تتعامل موسكو بجدية مع أي صيغة توفّر ضمانات واضحة في هذا الإطار.

 ويخلص الخبراء إلى أن المقترح قد يوفّر مخرجاً دبلوماسياً من النفق، لكنّه ليس ضمانة لإنهاء الحرب نهائياً ما لم يُعاد صياغة عدد من بنوده بالشكل الذي يحفظ حدّاً من سيادة أوكرانيا ويقدّم آليات تنفيذ ومراقبة دولية قوية ومستقلة، ويشمل برنامجاً عادلاً لإعادة الإعمار لا يحمّل الشعب الأوكراني تبعات سياسية أو قانونية تجعل من الاستقرار مؤقتاً.

فرص نجاح منخفضة

بدورها، ترى الباحثة السياسية والخبيرة في الشأن الأمريكي الدكتورة أماني القرم أن فرص نجاح الخطة المسربة لتسوية الحرب الأوكرانية تبدو منخفضة في صيغتها الحالية، وذلك بالنظر إلى جملة من الاعتبارات التي تجعل قبولها صعباً سواء على الجانب الأوكراني أو الأوروبي، بل وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها.

وتوضح القرم أن أولى الإشكاليات تكمن في حجم التنازلات الكبيرة المفروضة على أوكرانيا، والتي تمس في جوهرها الكرامة الوطنية الأوكرانية، وخاصة بعد ثلاث سنوات من التضحيات والصمود. فوفق البنود التي جرى تداولها، تبدو الخطة كأنها تمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما فشل في تحقيقه عسكرياً، ولكن هذه المرة بغطاء أمريكي؛ إذ تتضمن اعترافاً عملياً بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم، إلى جانب ترتيبات غير واضحة تخص وضع إقليم دونباس. وتضيف الباحثة إن الغموض الذي يحيط بالضمانات الأمنية الأمريكية يزيد من تعقيد الموقف، ولا سيما في ظل عجز كييف، بحسب الخطة، عن تعزيز قدراتها الدفاعية وتراجع ثقتها بالتعهدات الروسية بعد عقود من الخروق. أما النقطة الثانية - بحسب القرم - فهي أن الخطة تبدو منحازة بوضوح نحو الجانب الروسي، وتعتمد على قاعدة «الحكم بالأمر الواقع». وهو ما يفسّر الضغوط الأمريكية المكثفة على الرئيس فولوديمير زيلينسكي لقبولها ضمن سقف زمني محدد، مقابل الارتياح الروسي الواضح وموافقة بوتين الذي عدها «أساساً لتسوية نهائية».

وتخلص الدكتورة القرم إلى أن الرئيس الأمريكي، الذي يتبنى نهجاً قائماً على الاعتراف بالأمر الواقع والسعي لتسجيل «صفقة كبرى»، سيواجه على الأرجح صعوبات كبيرة في تمرير مبادرته دون إدخال تعديلات جوهرية يطالب بها الأوروبيون والأوكرانيون.

وتضيف إنه ما لم يحدث تغيّر جذري في موازين المعركة يميل لصالح أحد الطرفين، فمن غير المتوقع أن ترى الخطة النور بصيغتها الحالية. لكن تبقى المعضلة الكبرى، وفق القرم، في السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستقبل روسيا بالخطة بعد إدخال التعديلات الأوروبية والأوكرانية؟