في خطوة مفاجئة وصارمة، وضع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مدينة أوديسا الاستراتيجية، الواقعة على البحر الأسود، تحت إدارة عسكرية كاملة، منهياً بذلك حقبة عمدة المدينة الذي استمرت لأكثر من عشر سنوات.
جاء هذا الإجراء الحاسم يوم الأربعاء، بعد يوم واحد فقط من قرار زيلينسكي تجريد رئيس البلدية، غينادي تروخانوف، من جنسيته الأوكرانية، متهماً إياه بحيازة جواز سفر روسي.
هذا الصراع لا يتعلق فقط بالولاءات، بل يهدف إلى فرض سيطرة أمنية مباشرة على المدينة الحيوية التي تكتسب أهمية قصوى في حرب أوكرانيا.
الخلاف الأمني والإداري
وبموجب مرسوم رئاسي أصدره الأربعاء، أنشأ زيلينسكي إدارة عسكرية جديدة في المدينة وعيّن على رأسها الجنرال سيرهي ليساك، أحد قادة أجهزة الاستخبارات الأوكرانية.
وفي الوقت نفسه، تم إعفاء ليساك من منصبه كحاكم عسكري لمنطقة دنيبروبتروفسك ليتولى هذه المسؤولية الجديدة في أوديسا ذات الأهمية القصوى، وفق وكالة الأنباء الألمانية.
وقد برر زيلينسكي قراره بالإشارة إلى أن "مسائل أمنية كثيرة في أوديسا ظلت بدون معالجة لفترة طويلة جداً"، مضيفاً أن المدينة تحتاج إلى "حماية أقوى ودعم أكبر"، في إشارة واضحة إلى عدم رضاه عن إدارة تروخانوف.
الخلاف مع جينادي تروخانوف، الذي شغل منصبه منذ عام 2014، يتجاوز قضية الجنسية المزدوجة المزعومة ويمس قضايا حساسة أخرى. فالاتهام الرئيسي الذي وجهه زيلينسكي لتروخانوف هو حيازته جواز سفر روسي، وبناءً عليه جرد الرئيس الأوكراني العمدة من جنسيته وعلى الرغم من أن تروخانوف نفى الاتهام ويعتزم رفع دعوى قضائية، فإن فقدانه للجنسية يعني إقالته تلقائياً من منصبه كرئيس للبلدية وفقاً للقانون الأوكراني، وقد يواجه خطر الترحيل حتى.
تتعمق الأزمة أكثر في ظل وجود شبهات فساد وارتباطات مزعومة بجماعات إجرامية واجهها تروخانوف، إذ ذكرت تقارير أمريكية سابقة أن هذه الشبهات، إلى جانب قضية الجنسية الروسية، كانت من ضمن الأسباب التي دعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للنظر في فرض عقوبات عليه. يذكر أن تروخانوف، الذي يزيد عدد سكان المدينة التي يرأس بلديتها على مليون نسمة، أدان مراراً الهجمات الروسية المتكررة على أوديسا.
يرسل تعيين الجنرال سيرهي ليساك على رأس الإدارة العسكرية الجديدة في أوديسا رسالة واضحة حول طبيعة المرحلة المقبلة. فبفضل خلفيته القوية كأحد قادة أجهزة الاستخبارات، تُظهر القيادة المركزية في كييف رغبة في فرض سيطرة أمنية وعسكرية صارمة ومباشرة على المدينة لضمان استقرار هذا الميناء الحيوي.
وتعزز خبرة ليساك هذه التوجهات؛ فقد جاء تعيينه بعد أن شغل منصب الحاكم العسكري لمنطقة دنيبروبتروفسك لأكثر من عامين ونصف، وهي منطقة حيوية بالقرب من خطوط المواجهة، مما يؤكد امتلاكه خبرة كبيرة في الإدارة المدنية تحت ظروف الحرب.
باختصار، يمثل قرار زيلينسكي عملية "تطهير" في قمة السلطة المحلية لأوديسا، بهدف استبدال القيادة المدنية المثيرة للجدل بأخرى عسكرية صارمة قادرة على مواجهة التهديدات الأمنية التي يشير إليها الرئيس الأوكراني.
وبسبب الأحكام العرفية المستمرة، تم تأجيل الانتخابات المحلية التي كان من المقرر إجراؤها في أواخر أكتوبر ومع ذلك، تم تمديد ولايات جميع الممثلين المحليين حتى نهاية الحرب مع روسيا بموجب قرار برلماني.
وقد واجه زيلينسكي منذ فترة طويلة اتهامات بالميول الاستبدادية، بما في ذلك من جانب عمدة كييف فيتالي كليتشكو. وفي الأيام الأخيرة، حدثت توترات علنية بين كليتشكو وتيمور تكاشينكو -المسؤول العسكري الذي عينه زيلينسكي في العاصمة.
وانتقد الرئيس زيلينسكي كليتشكو مؤخرا بسبب انقطاع الكهرباء الناجم عن هجمات المسيرات الروسية.
