مصطفى عبد القوي ومحمد فرج
يشهد الصراع الأوكراني الروسي تصعيداً عسكرياً متبادلاً، يُنذر بتراجع فرص التسوية السياسية، ودخول الحرب مرحلة أكثر عنفاً، فبعد سلسلة من الضربات الأوكرانية التي استهدفت مناطق داخل الأراضي الروسية، وأسفرت – وفق ما أعلنت موسكو – عن إصابة أكثر من 100 مدني ومقتل أربعة أشخاص، جاء الرد الروسي بشكل غير مسبوق، عبر هجوم جوي، وصفته كييف بأنه «الأكبر» منذ بدء الحرب في 2022. كما سيطرت قواتها أمس على قرية مالينيفكا في منطقة دونيتسك شرقي أوكرانيا.
في ظل هذا المشهد المتشابك، يطرح التصعيد المتبادل تساؤلات ملحّة: هل وصل المسار الدبلوماسي إلى طريق مسدود؟ وهل باتت أدوات السياسة أقل فاعلية من صواريخ الجو ومدافع الميدان؟
تبعاً لذلك التصعيد المتبادل «يمكن الإقرار بأن المسار الدبلوماسي والتفاوضي في المرحلة الراهنة، قد فشل في التمهيد لتسوية مستدامة للنزاع»، وفق الأستاذ بكلية موسكو العليا، الدكتور رامي القليوبي، والذي يقول في تصريحات خاصة لـ «البيان»، إن المفاوضات الأخيرة نجحت جزئياً فقط في معالجة بعض الملفات الإنسانية، مثل تبادل الأسرى.
أما عملية تبادل جثامين الضحايا أو القتلى، فلا تزال عالقة، ولم يتم البت فيها بشكل نهائي حتى الآن.
ويضيف: «عندما تفشل الدبلوماسية، يعلو صوت المعارك، ويبدو أننا أمام عدة أشهر أخرى من التصعيد العسكري، تتغير خلالها الظروف الجيوسياسية، بما يملي على الطرفين القبول بتنازلات مؤلمة لوقف الحرب»، منبهاً إلى أن «مشهد السلام، الذي كان يلوح في الأفق قبل أسابيع قليلة، حين شعر البعض بأن الحرب على وشك الانتهاء، لم يعد كما كان. الآمال تراجعت، والواقع يفرض إيقاعاً أكثر تعقيداً».
وعلى الرغم من تصاعد التوتر، فإن الموقف الأمريكي بدا متحفظاً، فالرئيس دونالد ترامب، شبّه مؤخراً المشهد الراهن بـ «أطفال يتعاركون»، ملمحاً إلى عدم رغبته في التورط أو توسيع التزام بلاده بالنزاع. هذه التصريحات أثارت قلقاً متزايداً في العواصم الأوروبية، التي ترى في واشنطن الركيزة الأساسية لأي تحرك موحد ضد موسكو.
غموض أمريكي
ومع استمرار الغموض الأمريكي، يجد الأوروبيون أنفسهم في مأزق استراتيجي. ففي مواجهة تهديدات روسيا بفرض «عقوبات شاملة» على من يرفض وقف إطلاق النار، ووسط انقسام داخلي، وتردد في اتخاذ خطوات جريئة من دون دعم واشنطن، يتقلص هامش المناورة أمام العواصم الأوروبية شيئاً فشيئاً.
من جانبه، يقول الباحث والمحلل السياسي، ديمتري بريجع، في تصريحات خاصة لـ «البيان»، إن الأزمة الأوكرانية لا يمكن حلّها سوى عبر التفاوض، مشيراً إلى وجود تباين كبير في الرؤى بين روسيا وأوكرانيا، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في المنطقة. تطالب روسيا باعتراف دولي بضم شبه جزيرة القرم، والمقاطعات الأربع الأخرى إلى الاتحاد الروسي، كما تدعو إلى وقف تمويل أوكرانيا بالسلاح والمال، ومنع انضمامها لأي تحالفات عسكرية أو تكتلات سياسية. بينما على الجانب الآخر، فإن الطرف الأوكراني لا يبدي استعداداً لتقديم تنازلات، ويعتبر أن أي تجاوب مع المقترحات الروسية، يُعدّ تفريطاً في السيادة الوطنية،
ويرى بريجع أن تحقيق تقدم في المفاوضات، يتطلب تغييرات سياسية جذرية داخل أوكرانيا، بما في ذلك انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، تفضي إلى تقارب في وجهات النظر، على حد وصفه. ويحذر من أن استمرار الأزمة من دون حل، قد يؤدي إلى تصعيد يشمل دول الاتحاد الأوروبي.
ويشير إلى أن المفاوضات تبقى المخرج الوحيد للأزمة، لافتاً إلى جهود الوساطة السابقة التي قادتها المملكة العربية السعودية، والجهود الحالية من قبل تركيا، لإيجاد تسوية دبلوماسية تنهي الحرب، وتضع أساساً دائماً للسلام بين الطرفين.