بإعلانها، أمس، رصد نحو 15 طائرة مسيّرة مجهولة الهوية فوق منطقة تدريب عسكري شرقي البلاد، على مقربة من الحدود الألمانية، تضيف بلجيكا بعداً تراكمياً جديداً لتوتر الأجواء مع روسيا، المتهمة ضمناً وأحياناً علناً بالوقوف وراء هذه المسيرات.
تقول بلجيكا، إن التحقيقات لم تكشف حتى الآن مصدر هذه الطائرات، لكن بيان وزارة الدفاع البلجيكية ألمح إلى تشابهه مع حوادث شهدتها دول أوروبية أخرى.
في الوقت نفسه، أبلغت بلجيكا عن تحليق مسيرات فوق قاعدة كلاين بروغيل الجوية، التي تضم أسلحة نووية أمريكية ضمن منظومة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو). ورغم تجنّب الحكومة البلجيكية توجيه اتهام مباشر، فإن محللين وخبراء دفاعيين، أشاروا إلى أن العملية تحمل بصمات استطلاع استخباري متقدّم، على غرار حوادث مشابهة في بولندا والدنمارك والنرويج.
هذا الحادث يعيد إلى الأذهان سلسلة حوادث مشابهة، سبق لموسكو أن اعتبرتها مفتعلة لتبرير مواصلة دعم أوكرانيا.
في سبتمبر الماضي، أعلنت بولندا أن 19 طائرة مسيّرة عبرت أجواءها أثناء هجوم روسي على أوكرانيا، وأن طائرات تابعة لـ«الناتو» تمكنت من إسقاط بعضها.
للمرة الأولى
كانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها تفعيل الدفاع الجوي للحلف داخل أراضي دولة عضو. ووجهت بولندا الاتهام لروسيا صراحة، بينما نفت موسكو أي علاقة لها بالأمر.
وقالت النرويج إن قاعدة غرالاند الجوية، حيث تتمركز مقاتلات F - 35 التابعة لـ«الناتو»، شهدت اختراقاً جوياً لطائرات مسيّرة صغيرة في سبتمبر الماضي.
ووصفت وزارة الدفاع النرويجية الحادث بأنه انتهاك، وفتحت تحقيقاً مشتركاً مع الحلف.
وقال ضابط نرويجي متقاعد لصحيفة «آفتين بوستون» إن «مثل هذه التحليقات جزء من شبكة استطلاع تبحث في ثغرات المراقبة الجوية للناتو».
بعد أسبوعين فقط، أبلغت الدنمارك عن تحليق طائرات مسيّرة فوق أربع قواعد ومطارات عسكرية.
ووصف وزير الدفاع الدنماركي الحادث بأنه هجوم هجين منسّق «لا يمكن نسبه إلى هواة».
تقرير لوكالة «يورونيوز» أشار إلى أن أنظمة التحكم في هذه الطائرات كانت مشفّرة ومتقدمة تقنياً، ما يعزز فرضية وجود دعم استخباراتي خلف العملية، في إشارة اتهامية نحو روسيا.
غير أن مراقبين رأوا في هذه الحوادث رسالة من مرسلها -أياً كان- مفادها أن الحدود الشرقية للحلف ليست بمنأى عن التهديد الروسي، وأن موسكو «لا تستهدف أوكرانيا وحدها، بل أوروبا والحلف».
حالات اختراق
في دول البلطيق، ولا سيما إستونيا ولاتفيا، جرى الحديث عن «حالات اختراق» جوي روسي بالطائرات المسيّرة والمقاتلات في سبتمبر الماضي.
وأعلنت إستونيا أن ثلاث طائرات روسية انتهكت أجواءها، ووصفت وزارة دفاعها ذلك بأنه «اختبار متعمّد لعقيدة الردع في الناتو». وفي مطلع أكتوبر، رُصدت طائرات مسيّرة عبرت الحدود الألمانية - البلجيكية.
وأشار تحقيق لموقع «آرمي ريكوغنيشن» إلى أن الطائرات استخدمت تردّدات اتصال مماثلة لتلك التي سُجّلت في الحوادث البولندية والدنماركية، ما يدعم فرضية «شبكة استطلاع أوروبية موحّدة».
أما صحيفة «لوموند» الفرنسية فذكرت أن أجهزة الاستخبارات الألمانية تعتبر هذه الحوادث اختبارات لقدرات الرصد أكثر من كونها استفزازات مباشرة.
وسبق أن أعلنت السلطات الألمانية في ديسمبر 2024 عن رصد طائرات مسيرة مجهولة الهوية فوق مواقع عسكرية وصناعية حساسة، بما في ذلك قاعدة رامشتاين الجوية الأمريكية، بعدما تحدث المسؤولون الألمان مراراً وتكراراً عن قلقهم إزاء «خطر التجسس الروسي»، في ظل تصاعد التوترات بين موسكو و«الناتو» بسبب حرب أوكرانيا.
تطابق نمطي
التقارير الغربية أشارت إلى تطابق نمطي في جميع الحوادث، حيث استهدفت مواقع ذات قيمة عسكرية واستراتيجية عالية.
ورغم غياب الاتهام المباشر في بعض الحالات، إلا أن أصواتاً مسؤولة وإعلامية في الغرب أشارت بإصبع الاتهام إلى روسيا أو جهات مدعومة منها، بهدف استكشاف قدرات «الناتو» الاستخبارية والدفاعية.
ويرى محللون بالمقابل، أن الرد الصامت من الحلف الذي اكتفى بتشديد المراقبة من دون تصعيد علني، ربما لمس محاولة ما لدفعه لتوسيع دائرة المواجهة مع موسكو.
وتُظهر هذه السلسلة من الإعلانات عن الاختراقات الجوية أن المعركة في أوروبا لم تعد تُخاض في الميدان الأوكراني وحده، بل انتقلت فوق أراضي «الناتو»، وأن الحرب الهجينة باتت واقعاً يتكرس بلا صوت.