لا شك في أن السرعة التي تتقدم بها التكنولوجيا، والأدلة على استخدام أنظمة الاستهداف المدعومة بالذكاء الاصطناعي بالفعل في ساحة المعركة، تزيد من تسارع الدعوات إلى استخدام التكنولوجيا في إدارة الحروب، حيث تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى إنفاق مليارات الدولارات لإنشاء جدار دفاعي ضد الطائرات المسيرة بتكنولوجيا مُجربة في أوكرانيا، حيث كشفت الحوادث الأخيرة في الدنمارك والنرويج وبولندا بتحليق مسيّرات مجهولة فوق المطارات مخاوف أوروبية متصاعدة من اختراقات جديدة لأجواء القارة، كما كشفت عن نقاط ضعف في المجال الجوي الأوروبي، وأثارت تساؤلات بشأن كيفية استجابة المطارات والسلطات لمثل هذه الخروقات.

يسابق الاتحاد الأوروبي الزمن لإنفاق مليارات من اليورو لإنشاء «جدار للطائرات المسيّرة» باستخدام تكنولوجيا جرى اختبارها في ساحة المعركة، حيث تحمل قدرات متقدمة لاعتراض وتدمير الطائرات المعادية، وحلول فعّالة من حيث التكلفة لمواجهة التهديدات غير المتماثلة.

ويرى مسؤولو الدفاع الأوروبيون أن المرحلة الأكثر إلحاحاً تكمن في تحسين قدرات الكشف عن المسيّرات، فقد أثبتت الاختراقات الأخيرة أن أنظمة الرصد التقليدية غير كافية، لذلك يُطرح إنشاء شبكة متعددة الطبقات من أجهزة استشعار متطورة، تشمل رادارات عالية الحساسية، وأجهزة تلتقط الإشارات الصوتية والترددات اللاسلكية، لرصد أنماط حركة الطائرات المسيّرة. هذه الأنظمة قد تتيح للدول الأوروبية اكتشاف المسيّرات قبل اختراقها المجال الجوي، ما يمنحها وقتاً كافياً لاتخاذ إجراءات مضادة.

توغل

وحسب ما نشرته صحيفة «نيوزويك» الأمريكية سيكون هذا الجدار جاهزاً لرصد أدنى توغل معادٍ، أو ما يُسمى بـ«أساليب الحروب غير التقليدية» في منطقة نفوذ الحلف، والردع والدفاع باستخدام أحدث التقنيات في أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتكون مدعومة من شبكة مكونة من أجهزة الاستشعار.

وقد وافق وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي على هذا المشروع في مؤتمر عبر الفيديو يوم الجمعة.

ويرى محللون أن الطائرات المسيرة تعمل على تغيير طبيعة الحروب، وسوف تكون السلاح السائد في ساحة المعركة في المستقبل، وسوف يتم توجيه الطائرات المسيرة والطائرات ذاتية القيادة، من خلال الذكاء الاصطناعي، وسوف يتم تعريف النصر من خلال مَن لديه عدد ماكينات متبقية في نهاية المعركة.

خبراء الأمن في بروكسل حذروا من أن يتحول «جدار الطائرات المسيرة» إلى نسخة عصرية من «خط ماجينو» الشهير، الذي شيدته فرنسا قبيل الحرب العالمية الثانية لصد أي غزو ألماني محتمل، لكنه فشل بعد أن تجاوزته قوات هتلر عبر غابة آردين وبلجيكا عام 1940، حيث شيدته فرنسا في 20 سنة، واخترقه الألمان في 4 أيام.

«خط ماجينو»

كان «خط ماجينو» أحد أضخم التحصينات العسكرية في التاريخ الحديث، وضم مخابئ محصنة ومواقع مدفعية وحقول ألغام على حدود فرنسا مع ألمانيا وسويسرا وبلجيكا، ورغم ضخامته لم يمنع الغزو الألماني، وأصبح رمزاً لخطط الدفاع غير المرنة.

تخشى أوروبا اليوم أن يواجه مشروع «جدار المسيرات» المصير نفسه إذا لم يُواكب بمرونة سياسية وعسكرية قادرة على مواجهة التهديدات الجديدة، ويأتي ذلك أيضاً عقب هجوم إلكتروني كبير على مزود أنظمة تسجيل الوصول والصعود إلى الطائرات، خلال عطلة نهاية الأسبوع، ما أدى إلى تعطيل العمليات في العديد من أكثر المطارات ازدحاماً في أوروبا، كما أن حديث الدنمارك عن «هجوم هجين» أربك تجدد تحليق مسيّرات في الأجواء الأوروبية، مع تلويح ألمانيا بتدخل عسكري لإسقاطها، حيث دفع وزير الداخلية الألماني باتجاه توسيع صلاحيات الجيش الألماني لدرء هذا التهديد.

وكشف الوزير عن خطة لإنشاء مركز وطني متخصص في تكنولوجيا الطائرات المسيرة، يربط بين الحكومة الألمانية والولايات والجيش.

ويؤكد محللون أن بعض دول الحلف تخشى أن تؤدي خطوة خطأ واحدة إلى اندلاع الحرب العالمية الثالثة.