كشفت نتائج استطلاع للرأي أجرته وكالة "كيودو" اليابانية للأنباء، اليوم الأحد، عن تحول ملحوظ في مزاج الشارع الياباني تجاه السياسة الخارجية للحكومة، حيث أظهرت البيانات تراجع شعبية رئيسة الوزراء "ساناي تاكايشي" لتستقر عند 67.5%.
ويأتي هذا الانخفاض مدفوعاً بحالة من القلق المتزايد بين الناخبين إزاء التصريحات المتشددة التي أدلت بها تاكايشي بشأن "طوارئ تايوان"، وهي التصريحات التي يرى مراقبون أنها وضعت العلاقات مع الصين في مسار تصادمي، وبدأت تلقي بظلالها القاتمة على آفاق النمو الاقتصادي في البلاد.
وتعود جذور هذا التراجع إلى مداخلة برلمانية مثيرة للجدل لتاكايشي في السابع من نوفمبر الماضي، حين استخدمت مصطلحاً قانونياً وعسكرياً بالغ الحساسية، واصفةً أي هجوم محتمل على تايوان بأنه قد يمثل "وضعاً مهدداً للبقاء" بالنسبة لليابان.
هذا التوصيف لا يعد مجرد تعبير سياسي، بل هو مفتاح قانوني يسمح لليابان بموجب تشريعاتها الدفاعية بممارسة حق الدفاع الجماعي عن النفس والمشاركة عسكرياً، وهو ما اعتبرته بكين استفزازاً مباشراً وتجاوزاً للخطوط الحمراء المتعلقة بسيادتها، مما أدى إلى تجميد قنوات اتصال دبلوماسية واقتصادية هامة بين القوتين الآسيويين.
ورغم حدة الانتقادات، أظهر الاستطلاع انقساماً عميقاً في الوعي العام الياباني؛ حيث أفاد 57% من المشاركين بأنهم لا يعتبرون مواقف رئيسة الوزراء "غير مسؤولة"، بل يرونها استجابة واقعية للتحولات الجيوسياسية في المنطقة.
هذا الانقسام يعكس المعضلة التي تعيشها طوكيو، فمن ناحية، يبرز القرب الجغرافي الشديد حيث لا تبعد جزيرة "يوناجوني" اليابانية سوى 110 كيلومترات عن تايوان، ومن ناحية أخرى، تبرز التبعية الاقتصادية، إذ تظل الصين الشريك التجاري الأول لليابان، وأي اختلال في سلاسل التوريد عبر مضيق تايوان قد يؤدي إلى شلل في قطاعات الطاقة والصناعات الإلكترونية اليابانية التي تعتمد على الملاحة في تلك المنطقة لاستيراد 90% من مواردها الطاقوية.
وتشير البيانات التي جُمعت عبر اتصالات هاتفية يوم السبت إلى أن نسبة تأييد مجلس الوزراء فقدت 2.4 نقطة مئوية خلال شهر واحد، وهو مؤشر يعزو فيه خبراء الاقتصاد تراجع الثقة إلى الخوف من "الانتقام الاقتصادي" الصيني.
فالشركات اليابانية الكبرى التي تمتلك استثمارات ضخمة في السوق الصينية باتت تخشى من تكرار سيناريوهات المقاطعة أو تقييد تصدير المواد الخام الحيوية، وهو ما جعل غالبية المشاركين في الاستطلاع يربطون بين التدهور الدبلوماسي والضغوط التضخمية التي يعاني منها المواطن الياباني حالياً.
وفي الختام، يضع هذا الاستطلاع حكومة تاكايشي أمام تحدٍ وجودي يتمثل في الموازنة بين إرث الصقور داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي وبين واقع اقتصادي هش لا يتحمل تبعات مواجهة مفتوحة مع بكين.
ويبدو أن رئيسة الوزراء، التي تتبنى نهج الردع العسكري الاستباقي، ستواجه ضغوطاً متزايدة في البرلمان خلال الفترة القادمة لإيضاح كيف تعتزم حماية الاقتصاد الوطني من تداعيات مواقفها السياسية، خاصة مع اقتراب ليلة رأس السنة وما تحمله من استحقاقات سياسية ومالية كبرى تتطلب استقراراً إقليمياً لضمان تدفق الاستثمارات الأجنبية.
