تشهد منطقة بحر البلطيق اضطرابات خطيرة في أنظمة الملاحة الجوية، حيث يتعمد طرف ما التشويش والتلاعب بإشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) التي يعتمد عليها الطيارون لتحديد مواقعهم ومسارات الطائرات الأخرى. هذه الظاهرة لا تقتصر على البلطيق فحسب، بل تتصاعد أيضاً في مناطق توتر جيوسياسية أخرى حول العالم، ما يثير قلقاً واسعاً في الأوساط الدولية.

وقالت الكاتبة إليزابيث براو في مقال لها بمجلة فورين بوليسي إنّ هذه الظاهرة تنتشر بسرعة، ولم يعد التحليق فوق أجواء السويد وفنلندا وبولندا ودول البلطيق كما كان في السابق. فعلى الرغم من أن الرحلات تصل إلى وجهاتها بشكل طبيعي ودون أن يلحظ الركاب أي أمر غير اعتيادي، إلا أن الطيارين يعيشون واقعاً مختلفاً تماماً.

فقد سجلت السويد وحدها خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري نحو 123 ألف حادثة لتشويش أو تلاعب بإشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، سواء عبر حجب الإشارة أو تزييفها لإظهار مواقع وهمية للطائرات.

وفي أبريل الماضي، تأثرت أكثر من ربع الرحلات الجوية في المجال الجوي السويدي بتدخلات في نظام الملاحة، بنسبة مشابهة لتلك التي رُصدت في دول المنطقة الأخرى، أما في بعض المناطق داخل السويد، فقد بلغت نسبة الرحلات المتضررة نحو 50%، ما يعكس تصاعد خطر حرب إلكترونية خفية تهدد سلامة الطيران المدني في شمال أوروبا.

ونقلت الكاتبة عن تانيا هارتر، رئيسة رابطة قمرة القيادة الأوروبية (الهيئة المهنية التي تمثل الطيارين الأوروبيين)، أن هناك من يتعمّد العبث بهذا النظام، ومع أن الطيارين مدرَّبون على التحليق من دونه، فإن التشويش المستمر يسبب تعقيدات وضغوطاً إضافية داخل قمرة القيادة".

ويقول البروفيسور مايكل فيلوكس، أستاذ الطيران في جامعة العلوم التطبيقية في زيورخ، إن “التعامل مع التنبيهات المزعجة الناتجة عن التشويش يزيد بشكل كبير من عبء العمل على الطيارين، خصوصاً في نهاية الرحلات الطويلة أو أثناء التحليق ليلاً".

وتشير براو إلى أن التضليل أخطر من التشويش، لأنه "يُظهر الطائرة في موقع خاطئ ويجعلها ترى طائرات أخرى في أماكن غير صحيحة"، مما قد يؤدي إلى دخول أجواء دول أخرى بالخطأ، كما حدث لطائرة مدنية فوق بغداد عام 2023 كادت أن تدخل المجال الجوي الإيراني.

وتختتم براو مقالتها بدعوة للتعاون الدولي قائلة "كل يوم يمر هو يوم جديد من المخاطر غير الضرورية على الطيران العالمي، الدول يجب أن تتحد لمحاسبة من يعبث بالملاحة الفضائية، لأن سلامة الطواقم والمسافرين مبدأ يتفق عليه الجميع".