رغم حالة التفاؤل التي سادت الأجواء بعد لقائهما الاستثنائي الأخير في ألاسكا، أغسطس الماضي، إلا أن العلاقات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين أخذت منحنى مختلفاً بعيداً تماماً عن مستهدفات الاجتماع المرتبطة بإنهاء الحرب في أوكرانيا، وبما جعل ترامب يعبر عن خيبة أمله حيال سياسات بوتين.

إعلان الرئيس الأمريكي أن نظيره الروسي «خذله» بعد قمة ألاسكا، أعاد العلاقات بين واشنطن وموسكو إلى نقطة حرجة، فالتفاؤل الذي ساد عقب اللقاء تحوّل سريعاً إلى خيبة أمل، بعدما ازداد اشتعال جبهة أوكرانيا مع عدم وجود مؤشرات للتهدئة أو تقديم التنازلات.

وفي ضوء هذه التطورات، يبدو أن الإدارة الأمريكية تتجه إلى تشديد ضغوطها على روسيا عبر التلويح بآلية العقوبات، وخصوصاً التلويح باستخدام عقوبات ثانوية ضد مشتري النفط الروسي، وبما يشكل ورقة ضغط اقتصادية ورسالة سياسية مفادها أن واشنطن مستعدة لاستخدام أدوات أكثر قسوة إذا لم تُظهر موسكو استعداداً جاداً للسلام.

مع ذلك، يظل الباب مفتوحاً أمام الدبلوماسية، فترامب، رغم تصريحاته الغاضبة، لم يغلق كلياً خط التفاوض مع بوتين. ومن هنا يمكن القول إن مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية سيتحدد وفق ميزان دقيق بين الضغط الاقتصادي والعسكري من جانب واشنطن، وقدرة موسكو على المناورة وتقديم تنازلات محسوبة.

لا تغيير

من بروكسل، يقول خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات لـ«البيان» إن ثمة تغييراً متوقعاً في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية «إذا ما استمرت روسيا في مواقفها الحالية»، مشيراً إلى أن «تصريحات ترامب الأخيرة ليست الأولى من نوعها، إنما تأتي ضمن سلسلة من المواقف التي عبر عنها الرئيس الأمريكي، والتي يؤكد خلالها استمرار استيائه من عدم تعاون الرئيس بوتين، ويهدد في الوقت نفسه أيضاً بفرض عقوبات جديدة واتخاذ إجراءات إضافية. لكن في الواقع، تبقى سياسة الرئيس الأمريكي كما هي، فهو لا يريد زج الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب، وقد أوقف بالفعل إرسال الأسلحة والدعم المالي إلى أوكرانيا، كما طلب من الأوروبيين أنه في حال أرادوا مساعدة كييف فعليهم شراء السلاح الأمريكي ودفع ثمنه ثم إرساله إليها».

يضيف بركات: «التصريحات الأمريكية لا تحمل جدية كبيرة، وحتى مع إعلان الرئيس الأمريكي عن استيائه من مواقف بوتين، فإن سياسة الولايات المتحدة، وسياسة الرئيس نفسه، ستبقى على ما هي عليه الآن».

أبعاد مختلفة

يقول أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور محمد عطيف لـ«البيان» إن تصريحات ترامب الأخيرة التي اعتبر فيها أن بوتين «خذله»، تكشف عن تحول في خطابه السياسي، وهو الذي طالما قدّم نفسه كأكثر الرؤساء الأمريكيين قرباً من موسكو.

ويبدو أن هذه اللهجة تعكس خيبة أمل من غياب تجاوب روسي مع رهاناته السابقة على إمكانية بناء محور سياسي أو أمني مشترك يقوم على تقليص التوتر مع واشنطن.

لكن عطيف يشير إلى أن «العلاقات الأمريكية الروسية تظل محكومة بسياقات بنيوية أعمق من مجرد مواقف فردية؛ أبرزها الصراع على النفوذ في أوروبا الشرقية، ودعم واشنطن لأوكرانيا، والتنافس على أسواق الطاقة والتحالفات العسكرية»، معتبراً أن أي مسار جديد يتطلب إعادة ضبط لهذه الملفات، وهو أمر بالغ التعقيد في ظل استمرار المواجهة داخل حلف الناتو وتصاعد العقوبات الغربية على موسكو. ومن ثم، فإن خطاب ترامب لن يغير جذرياً من طبيعة العلاقة، لكنه قد يفتح المجال لقراءات متعددة داخل الولايات المتحدة حول حدود التعامل مع روسيا.

يعكس هذا التناقض حالة ارتباك داخل الطيف السياسي الأمريكي بشأن الموقف من موسكو، حيث يوازن الجمهوريون بين خطاب القوة والردع وبين نزعات بعض التيارات نحو الانعزال أو التفاهم البراغماتي.

علاقة متوترة

من موسكو، يقول المحلل السياسي، ديمتري بريجع لـ «البيان»: إن العلاقات بين الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي تشهد حالة من التوتر. فحتى الآن، لم تُسفر الاتصالات والاجتماعات بينهما عن نتائج واضحة، رغم أن ترامب كان يتوقع أن يتمكن من التعامل بسهولة مع بوتين لحل ملف الأزمة الأوكرانية، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، إذ ما تزال الأزمة مستمرة، والوضع بين روسيا وأوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي يشهد تصعيداً متزايداً. ويضيف: لا توجد خطة واضحة حتى الآن لحل الأزمة؛ إذ يسعى كل طرف إلى تحقيق مكاسب وضمانات، سواء روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي. أما ترامب، فهو «يسعى من جهته للحفاظ على صورة الولايات المتحدة ودورها المستقبلي في السياسة الدولية».

ويشير بريجع إلى أن «المشهد لا يقتصر على الأزمة الأوكرانية، بل يتداخل مع ملفات أخرى، مثل التوترات في الشرق الأوسط، ما يجعل الحل أكثر تعقيداً ويحتاج إلى مبادرات حقيقية ورؤية واضحة وإرادة سياسية مشتركة بين واشنطن، موسكو، الاتحاد الأوروبي، وأوكرانيا»، مؤكداً في الوقت نفسه أن «الأزمة الأوكرانية ليست مجرد نزاع حدودي، بل هي أزمة هوية ترتبط بشكل مباشر بالأمن القومي الروسي، ففشل موسكو في هذا الملف قد ينعكس داخلياً على استقرار روسيا نفسها، وخصوصاً مع جمهورياتها المختلفة».