في الذكرى الثمانين لصدور ميثاق الأمم المتحدة، يتبادر إلى الأذهان سؤال مهم حول ما يبقى من المبادئ والأهداف التي وضعها هذا الميثاق منذ تأسيسه في عام 1945.

يُعد ميثاق الأمم المتحدة، الذي أُنشئ بعد الحرب العالمية الثانية، أساسًا للنظام الدولي الحديث، ومرجعًا رئيسيًا لضبط العلاقات بين الدول، وتعزيز السلام والأمن الدوليين، وحماية حقوق الإنسان، وتشجيع التعاون الدولي. على مدى العقود الثمانية الماضية، ظل الميثاق يحدد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها المنظمة، مثل سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام وحدة الأراضي.

وفقًا لموقع الأمم المتحدة الرسمي، فإن هناك الآن حوالي 193 دولة عضواً في المنظمة، وهو رقم يعكس مدى انتشار وتأثير ميثاق الأمم المتحدة على الساحة الدولية. يُعتبر هذا العدد دليلًا على أن المبادئ التي وضعها الميثاق أصبحت مرجعًا جامعًا للدول، حيث يلتزم أغلبها بأحكامه، رغم التحديات والصراعات.

على الرغم من التحديات والصراعات التي واجهتها المنظمة، فإن المبادئ التي وضعها الميثاق لا تزال حاضرة، وتُستخدم كمرجع في التعامل مع النزاعات الدولية، خاصة عبر مجلس الأمن، الذي يُعتبر الجهاز الرئيسي للحفاظ على السلام، ويعمل وفقًا لمبادئ الميثاق.

وتُشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن المنظمة تدير حاليًا حوالي 13 عملية حفظ سلام في مناطق مختلفة من العالم، ويشارك فيها أكثر من 90 ألف فرد من قوات دولية، مما يعكس التزام المجتمع الدولي بتنفيذ مبادئ الميثاق على أرض الواقع. ومع أن بعض المبادئ، مثل حق الشعوب في تقرير مصيرها، لا تزال تشكل أساسًا، إلا أن تطبيقها يواجه تحديات كبيرة، كما هو الحال في الصراعات المستمرة في مناطق مثل الشرق الأوسط وأوكرانيا، حيث تتصارع المصالح السياسية مع الالتزام بالقوانين الدولية، وهو ما يبرز مدى تعقيد تطبيق مبادئ الميثاق في عالم متغير.

علاوة على ذلك، وضع ميثاق الأمم المتحدة هدفًا رئيسيًا هو تعزيز حقوق الإنسان، وهو مبدأ أصبح أكثر وضوحًا وتأكيدًا مع مرور الزمن، خاصة بعد تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، الذي يُعد مكملًا لميثاق الأمم المتحدة. ويُذكر أن أكثر من 80% من الدول الأعضاء أصدرت قوانين وطنية تتوافق مع مبادئ الإعلان، وفقًا لتقرير منظمة حقوق الإنسان، وهو ما يعكس التزامًا دوليًا واسعًا.

كما أطلقت الأمم المتحدة في عام 2015 خطة التنمية المستدامة 2030، التي تضم 17 هدفًا رئيسيًا، وتُعد أكثر من 150 دولة من بين الأعضاء ملتزمة بتحقيق هذه الأهداف، التي تشمل القضاء على الفقر، وتحقيق المساواة، والعمل على الحد من التغير المناخي، وهو دليل على أن المبادئ الأساسية للميثاق لا تزال تلهم السياسات الوطنية والدولية.

و يؤكّد فنسنت شيتيل، أستاذ القانون الدولي في معهد جنيف للدراسات العليا: ”في تقرير صادر عن  "سويس إنفو" ان  مواجهة استخدام القوّة الأحادي، سواء من قبل روسيا أو الولايات المتحدة أو إسرائيل، تسود رؤية قاتمة بشأن السلام والأمن. ولكن سُجّلت العديد من النجاحات في مجال التعاون التقني، وإن كانت أقلّ وضوحًا“. 

ويوضّح فنسنت شيتيل قائلا: “إنّ هذا بالفعل هو انطباعنا. ولكن لو أمعنّا النظر في المسألة، لما وجدنا انتهاك القوى العظمى للقانون الدولي أمرًا جديدًا تمامًا”. كما إن متابعة سريعة للأخبار الهجمات التي شنّتها إسرائيل والولايات المتحدة على إيران، والغزو الروسي المستمر لأوكرانيا وما تشهده الأراضي الفلسطينية، توحي بأن ميثاق الأمم المتحدة أقلّ احتراماً ممّا كان عليه في الماضي.

 ويضيف فنست: على مرّ العقود، انتهكت العديد من القوى ميثاق الأمم المتحدة في عددٍ من النزاعات. ونذكر من بينها الحرب الكورية، منذ عام 1950، وحرب فيتنام+ وتدخّل الولايات المتحدة في الستينات، والغزو السوفياتي لأفغانستان في عام 1979، وحرب العراق بقيادة واشنطن وحلفائها في عام 2003. كما أن الانتهاكات أصبحت اليوم أكثر ظهوراً للعيان وأكثر انكشافاً للجمهور من أيّ وقت مضى، وذلك بفضل شبكات التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، كما أن هناك وعياً ومعرفة أكبر بالقانون الدولي في أوساط الرأي العام الذي يدينها بقوة أكبر، لكن ما يثير القلق اليوم هو أن هناك انطباعًا سائداً بأن الأقوياء ينتهكون القانون دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء تبرير قراراتهم، أو إضفاء نوعٍ من الشرعية عليها.”