يمثل يوم «عهد الاتحاد» الذي يصادف في 18 يوليو، لحظة تاريخية فارقة في مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ شهد هذا اليوم من عام 1971 توقيع الآباء المؤسسين على وثيقة الاتحاد، والتي مهدت لقيام الدولة في الثاني من ديسمبر من العام ذاته، وامتد أثر هذه اللحظة إلى صياغة مشروع حضاري متكامل.
«البيان» ترصد في هذا التقرير، شهادات عدد من المفكرين والباحثين والمثقفين حول الأثر الثقافي والمعرفي ليوم عهد الاتحاد، والدور الذي لعبه ويلعبه في إلهام الإبداع وتعزيز الهوية الوطنية.
يقول جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة: «يمثل يوم عهد الاتحاد محطةً تأسيسية تاريخية أعادت تشكيل معالم الهوية الفكرية الإماراتية، فهذا اليوم مهد لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة ككيانٍ موحد، وانبثقت فيه رؤية معرفية متكاملة أضحت أساساً لمشروع نهضوي وتنموي غير مسبوق.
وشكل ذلك الاجتماع التاريخي بين الآباء المؤسسين لحظة مفصلية لا يمكن تجريدها من سياقها المعرفي والأدبي. ويتمثل الأثر المعرفي للاتحاد في ميلاد هوية فكرية وأدبية وطنية جامعة، انعكست في الأعمال الأدبية والإبداعية الإماراتية والقصائد والروايات التي سردتْ التلاحم بين الإمارات السبع؛ فباتت عبارات «الاتحاد» و«الولاء» و«التراث» علامات مضيئة في النصوص الإبداعية، تحمل دلالات أعمق من مجرد كونها مفردات لغوية».
وتابع: «لم تكن تأثيرات هذه اللحظة التأسيسية محدودا بسياقها السياسي، بل شكّلت منصة انطلاقٍ للمبدعين نحو آفاق متميزة، فبات الفنان الإماراتي يحمل هوية واضحة المعالم ويستلهم من قصة الاتحاد رموزاً إبداعية تتنوع بين التشكيل والمسرح والرواية.
كما أسهمت المؤسسات المعرفية والتنموية التي أنشئت في ظل الاتحاد في خلق حراك معرفي جعل من دولة الإمارات منارة للإشعاع الفكري. واليوم، ونحن نحتفي بذكرى هذا العهد الخالد، ندرك أن روح الاتحاد لا تزال حية في كل عمل أدبي وإبداعي وفكري؛ فهي ليست مجرد ذكرى، بل مصدر إلهام متجدد يذكرنا بأن المعرفة والإبداع هما أقوى مرتكزات البناء الحضاري».
الصحف والمجلات
وأكد علي عبيد الهاملي، نائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم بدبي، أن يوم «عهد الاتحاد» المجيد يأتي ليعكس الأثر الثقافي والأدبي للاجتماع التاريخي الذي مهد لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
فقد كانت الإرهاصات التي سبقت هذا اليوم من أكثر عوامل الإلهام التي حركت عجلة الإبداع لدى المثقفين والأدباء في الإمارات، التي أسهمت أقلامهم وأفكارهم في التمهيد لقيام هذا الكيان الوحدوي الشامخ.
وانعكس هذا على شكل قصائد أبدعها شعراء تلك المرحلة، ومقالات سطرتها أقلام كُتّابها ومثقفيها في الصحف والمجلات والمطبوعات التي كانت تصدر في تلك الأيام، كما امتد أثر هذا اليوم إلى ما بعد الإعلان عن قيام دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971م.
واستطرد الهاملي: تمثلت رمزية هذه اللحظة التاريخية في تشكيل الهوية الوطنية النابعة من فكر مؤسسي الدولة وقادتها وحكامها الذين أكملوا المسيرة على مدى خمسة عقود ونيّف.
وهي هوية اتحادية عربية إسلامية إنسانية، تستلهم قيمها وأخلاقها من السمات التي تحلى بها مؤسسو دولة الاتحاد وأبناؤهم وشعب الإمارات الكريم، تلك القيم والأخلاق القائمة على التسامح والتعايش، ورفض كل أشكال العنصرية والعداء والعنف والتفريق بين البشر على أساس الدين أو العرق أو الطائفة وغيرها من أشكال التمايز بين البشر.
وتابع: في يوم «عهد الاتحاد» يجدد كُتّاب وأدباء ومثقفو الإمارات العهد على البقاء مخلصين لهذه الأفكار والقيم التي زرعها قادة الإمارات فيهم، كي يبقى نسيجنا متماسكاً، وتبقى رايتنا خفّاقةً في سماء المجد.
اجتماعات
وقال الباحث التاريخي، الدكتور سيف بن عبود البدواوي، المتخصص في تاريخ الخليج العربي: لقد عقدت الاجتماعات التي خططت لقيام الاتحاد المجيد كلها في دبي، بضيافة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، وخاصة الاجتماع التساعي في 25 - 27 فبراير عام 1968، وكذلك اجتماع 18 يوليو 1971 الذي مثل يوم الوفاء بالعهد.
لقد كان المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، على تواصل مستمر سواء بينهما شخصياً أو عن طريق المندوبين، لإنجاز هذا الهدف الوطني السامي، رحمة الله عليهما وعلى الآباء المؤسسين جميعاً.
وأضاف البدواوي: أخذ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان المبادرة وعمل بقوة وتصميم، حيث قام بتبني وفعل عدة خطوات مفصلية في طريق قيام اتحاد دولة فتية قوية متماسكة، دولة الإمارات العربية المتحدة.
وكان المستهل في مايو 1971 حين أرسل وفداً مكوناً من معالي أحمد خليفة السويدي ونجم الدين حمودي وعدنان باجاجي، ليزور حكام الإمارات ويشرح ضرورات وأهمية قيام دولة الاتحاد بعد انسحاب القوات البريطانية في نهاية 1971.
وواصل سيف البدواوي: أما ثاني تلك المسائل، فكان يتمثل بالتباحث مع بريطانيا، وخاصة لدى مقابلة رئيس الوزراء البريطاني، حينذاك، إدوارد هيث ووزير خارجيته سير أليك دوغلاس هيوم.
وثالث هذه الركائز والنقاط، فهي تواصل الوفود إلى أبوظبي معبرة عن رغبتها في الوحدة مع أبوظبي.
وتابع البدواوي: حرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على التأكيد للجميع بأن أبوظبي عازمة بشدة على السير نحو الاتحاد، وستوظف جهودها وإمكاناتها لأجل هذا الهدف. وقد قام، بالتوازي، بمجموعة مبادرات وإجراءات مهمة، ومنها:
1. إنشاء مجلس الوزراء برئاسة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، ليكون، رحمة الله عليه، أول رئيس مجلس وزراء ووزيراً للدفاع والمالية لإمارة أبوظبي.
2. أرسل الوفود لزيارة بعض الدول العربية والجامعة العربية غاية تهيئة الأجواء للحصول على الاعتراف بالدولة الجديدة.
3. أرسل وفوداً إلى إمارات الدولة يدعوها إلى الاجتماع الحاسم لمناقشة قيام الاتحاد.
وقد أثمرت تلك الجهود جميعاً «عهد الاتحاد»، حيث اجتمع الحكام في دبي من تاريخ 10 يوليو إلى 18 من نفس الشهر 1971، وخرجوا بمشروع الاتحاد السداسي، إذ لم تلتحق حينها إمارة رأس الخيمة لظروف محددة.
التجربة الاتحادية
وشرح الدكتور عبدالله علي الطابور قيمة ومكانة هذا اليوم: الاتحاد يرمز إلى وحدة الإنسان والجغرافيا، في إطار وحدوي قائم على روح التعاون والمحبة والإخاء.. لذا هذه الروح التي أثارتها التجربة الاتحادية التي تألفت في دولة الاتحاد، هي في الأصل ثقافة قديمة أوجدتها الظروف والحياة الاجتماعية وطبيعة وتفاصيل الحياة.
والتي خلفت خلال القرون الماضية موروثاً ثقافياً وتراثياً منسجماً مع روح الوحدة التي هي في الأصل قائمة وراسخة في جذور العلاقة التي تغني سمات وقيم ومشتركات هذا المجتمع الذي ينصهر في إطار محيط جغرافي ولدت من خلاله الهوية والملامح المميزة، الثقافة التراثية والتاريخية.
والتي تناقلتها الأجيال عبر القرون.. ودليلنا على ذلك، أن السياق الجغرافي هو ما يفرز ويصوغ ملامح الحياة الاجتماعية التي عاشها شعب الإمارات في الماضي.
وواصل: لذا فإن الاتحاد أو الوحدة في دولة الإمارات، قائمة وراسخة الجذور، منذ قديم الزمان، أما الذي حدث من إرهاصات تأسيس للدولة على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
فهو الذي حول الموروث الوحدوي والثقافة التي أفرزتها الحياة المجتمعية الإماراتية الأصيلة، إلى كيان وحدوي تأسست من خلاله دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعد في بعدها الزمني والتاريخي ثمرة وجوهرة حراك ثقافي ورؤية بعيدة أفرزت الهوية الوطنية للدولة وأسهمت في ترسيخ قيمة الاتحاد كموروث تاريخي ساعد في إلهام قيام هذا الحلم الذي نراه الآن.. وهو حلم تحول الإمارات إلى دولة وحدوية متفردة رائدة عالمياً.
وطبعاً فإن الشعب، شعب الإمارات، كان خير عون للقيادة في قيام هذا الاتحاد الذي أثمر نتاجات ثقافية ملهمة ترمز إلى قيمة العلاقة الإنسانية وروح الاندماج، وقد ترسخت في ظله ركائز المحبة والانفتاح والتضامن والبناء والعمل، في أجمل صورة، وهو ما حفز أيضاً مخيال الإبداع فنتجت ومازالت تنتج أعمالاً متميزة بقيمتها ومضامينها.