تمضي الإمارات منذ سنوات بخطى ثابتة في مجال التكنولوجيا، معززة شراكاتها مع كبرى دول العالم في هذا القطاع الحيوي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عبر استثمارات ضخمة.

وفي هذا الصدد أكد مديرو شركات كبيرة في مجال التكنولوجيا أن الشراكة بين الإمارات وأمريكا تتجاوز الحدود، وأن البلدين يرسمان مستقبلاً تكنولوجياً أكثر ازدهاراً يقوم على الابتكار والتحول الرقمي.

وكانت الدولة قد أعلنت عن خطة استثمارية ضخمة بقيمة 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل. وتركز هذه الاستثمارات على تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة، والتصنيع المتقدم.

كما أطلقت الإمارات صندوق «MGX» للاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي بقيمة 100 مليار دولار، بالتعاون مع شركات أمريكية مثل «مايكروسوفت» و«بلاك روك»، بهدف تعزيز البنية التحتية للذكاء الاصطناعي عالمياً.

وفي يناير الماضي، أعلنت «داماك» العقارية عن استثمار بقيمة 20 مليار دولار في مراكز البيانات الأمريكية؛ ما يعكس التزام الإمارات بتعزيز البنية التحتية الرقمية في الولايات المتحدة.

وأطلقت «العالمية القابضة» بالتعاون «إينيرجي كابيتال بارتنرز» الأمريكية شراكة استثمارية بقيمة 25 مليار دولار لتطوير مشاريع توليد الطاقة التي تلبي احتياجات مراكز البيانات ومشاريع الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.

وفي أبريل 2024، استثمرت «مايكروسوفت» 1.5 مليار دولار في شركة «جي 42» الإماراتية؛ ما يعزز التعاون في مجالات الحوسبة السحابية وتطوير حلول الذكاء الاصطناعي. إضافة إلى وجود شركات أمريكية في الإمارات؛ فهناك أكثر من 1500 شركة تعمل في مختلف القطاعات، بما في ذلك التكنولوجيا.

ابتكار وتحوّل رقمي

عبد الله حمد الفوزان

ويقول عبدالله حمد الفوزان، الرئيس التنفيذي لشركة «كي بي إم جي» الشرق الأوسط: في عصر من التحولات التكنولوجية السريعة، وصلت الشراكة بين الإمارات وأمريكا إلى مستويات غير مسبوقة، مدفوعة بالاستثمارات الكبيرة، والمبادرات التعاونية، ورؤية موحدة للمستقبل.

حيث تعكس هذه التعاونات التزاماً مشتركاً بالابتكار والتحول الرقمي. ومن الجدير بالذكر أنه تم الإعلان عن التزامات تكنولوجية مشتركة بين الولايات المتحدة ودول الخليج بإجمالي 80 مليار دولار تشمل شركات رائدة مثل «جوجل» و«أوراكل» و«أوبر» وغيرها.

ومن خلال هذه الجهود، تعمل دول الخليج على تعزيز مكانتها كقادة عالميين في الابتكار الرقمي، مع الولايات المتحدة كشريك رئيسي في مجالات التكنولوجيا والاستثمار؛ وبكل تأكيد الهدف هو ليس فقط تعزيز الابتكار، بل ضمان استفادة البشرية منه وتعزيز النمو الشامل.

ويضيف: هناك توجه واضح نحو تعزيز المشاريع والاستثمارات المشتركة، خصوصاً في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وبشكل مكثف في الذكاء الاصطناعي بهدف بناء مدن ذكية وتحسين الخدمات العامة وتعزيز الإنتاجية، وخلق بيئة تكنولوجية أكثر أماناً ومرونة على المستوى العالمي.

استثمارات متبادلة

ديباك أهوجا

أما ديباك أهوجا، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لحاضنة الأعمال الخليجية «إياكسل» فيقول: تضم الإمارات والولايات المتحدة شراكة استراتيجية في مجال التكنولوجيا تقوم على الابتكار والالتزام المشترك ببناء اقتصادات مستعدة للمستقبل.

وتعد الاستثمارات المتبادلة بين البلدين عاملاً محورياً في إحداث تحولات نوعية، حيث تسهم في تطوير حلول متقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والحوسبة الكمية، واستكشاف الفضاء.

وقد أسهمت الشراكات بين الشركات التكنولوجية الرائدة والمبادرات الحكومية في ترسيخ مكانة الإمارات كمركز للابتكار وميدان لاختبار تقنيات الجيل القادم.

وتستضيف الإمارات أكثر من 1500 شركة أمريكية، بما في ذلك عمالقة التكنولوجيا مثل «مايكروسوفت»، و«جوجل»، و«آي بي إم»، و«أمازون»، و«سيسكو»، حيث تنشط العديد من هذه الشركات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والبنية التحتية الرقمية في المنطقة.

وأضاف: نعمل على توسيع الشراكة من خلال إنشاء ممر قوي للشركات الناشئة، حيث نستقطب الشركات الواعدة من مختلف أنحاء العالم إلى الإمارات، حيث تحظى بإمكانية الوصول إلى التمويل والإرشاد والأسواق، ثم نُمكّنها من التوسع إلى الولايات المتحدة.

مصالح مشتركة

أرون شاندراسيكاران

أما أرون شاندراسيكاران، نائب الرئيس ومحلل الذكاء الاصطناعي لدى «جارتنر»، فيقول: يشهد التعاون بين الولايات المتحدة والإمارات تطوراً كبيراً في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتقنيات المتقدمة بوتيرة متسارعة، مدفوعاً بالمصالح الاستراتيجية المشتركة والأهداف الاقتصادية المتقاربة.

ومن التطورات الرئيسية التي يجدر متابعتها احتمال موافقة الولايات المتحدة على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة من شركة «إنفيديا» إلى الإمارات؛ ما يعزز نمو البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، ويدعم خطط الشركات الأمريكية لإنشاء مراكز بيانات في المنطقة.

كما يعد التعاون بين «مايكروسوفت» و«جي 42» مثالاً بارزاً على هذا التعاون. وقد وقعت «جي 42» أيضاً اتفاقية مع شركة «سيسكو» لتطوير حلول مشتركة في مجالي الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.

قيمة مضافة

ديمانتاس جريجارافيسيوس

وقال ديمانتاس جريجارافيسيوس، رئيس قسم الشرق الأوسط في شركة «أدين»: نجحت الإمارات في ترسيخ مكانتها كواحدة من أبرز الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية، ويسهم تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية في تسريع وتيرة الابتكار في هذا القطاع.

وأضاف: يأتي ذلك في ظل توافق استراتيجي بين الجانبين على تحديث أنظمة الدفع، وتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات، والاستفادة من التكنولوجيا لتحقيق قيمة مضافة لجميع أفراد المصلحة.

ومن هذا المنطلق تبرز الإمارات كوجهة مفضّلة للشركات الأمريكية التي تتطلع إلى التوسع في المنطقة، وهو ما نلمسه بوضوح من خلال توجه عدد متزايد من شركائنا العالميين إلى الاستثمار في البنية الرقمية المتقدمة في الدولة.

علاقات تكنولوجية

محمد خازي

وأشار محمد خازي، رائد الأعمال والمدير الإداري لشركة «يورو سيستمز»، إلى أن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا سيكونان من أبرز نتائج زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الدولة، لا سيما مع مواصلة الإمارات ترسيخ مكانتها كمركز عالمي متقدم في هذا المجال.

وأوضح أن الزيارة تشكل فرصة استراتيجية لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات التقنيات الناشئة، مشيراً إلى أن الإمارات أثبتت على الدوام التزامها بدعم الابتكار القائم على الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات، بما في ذلك البنية التحتية الذكية، وأنظمة التنقل الذاتي، وحلول الأتمتة المنزلية المتقدمة.

وأضاف أن توطيد العلاقات مع أسواق عالمية رائدة في الابتكار مثل الولايات المتحدة من شأنه تسريع الوصول إلى الأبحاث المتقدمة، واستقطاب رأس المال الفكري، وتفعيل شراكات نوعية قادرة على دفع عجلة التحول الرقمي.

شراكة وتكامل

أندرياس هاسيلوف

ويؤكد أندرياس هاسيلوف، الرئيس التنفيذي لشركتي «أومبوري وفايغريد»، أن الشراكة التكنولوجية بين الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية تدخل اليوم مرحلة جديدة عنوانها: التكامل العميق، والاستثمار الاستراتيجي، والرؤية المشتركة نحو مستقبل الابتكار.

وأضاف، تشهد الفترة الراهنة مستوى غير مسبوق من التعاون بين البلدين في مجالات متقدمة تشمل الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والبنية التحتية السحابية، وهو ما يعكس تحول الشراكة إلى علاقة استراتيجية راسخة تمتد من المجال الاقتصادي إلى التقني.