على امتداد أكثر من خمسة عقود، صاغت دولة الإمارات واحدة من أعمق وأشمل قصص التطور التعليمي في المنطقة والعالم. فمنذ بدايات السبعينيات.

حيث كانت المدارس محدودة الموارد والإمكانات، إلى اليوم، انتقلت الدولة إلى منظومة تعليمية عصرية، تضم أكثر من 1300 مدرسة حكومية وخاصة، يعمل فيها آلاف المعلمين، ويدرس بها نحو مليون طالب وطالبة.

وقد جاءت هذه القفزة، نتيجة رؤية قيادية حكيمة، وضعت التعليم في صميم مشروع بناء الدولة، وترجمت إيمان مؤسسي الاتحاد، وعلى رأسهم المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأن بناء الإنسان هو الأساس الصلب لبناء الوطن ورقيّه.

منذ تأسيس الدولة عام 1972، أُولي التعليم أهمية قصوى، بوصفه ركيزة التنمية وأساس إعداد المواطن القادر على قيادة مسيرة النهضة. فالمواطن الواعي بدوره ومسؤولياته، هو القادر على مواجهة التحديات، ودفع الإمارات إلى العالمية. وقد عكس الدستور، والسياسات التعليمية، والقوانين والقرارات التنظيمية هذا التوجّه.

حيث جاءت جميعها لتعزيز التعليم ونشره وتطويره. ولم تكن الإنجازات المتتالية وليدة المصادفة، بل هي ثمرة استشراف مبكر، وضعته القيادة إطاراً لخططها الاستراتيجية، وبذلت لأجله جهوداً كبيرة، حتى غدا واقعاً يهيّئ لتعليم أكثر تقدماً وتنافسية.

واتخذت الدولة منذ سنواتها الأولى خطوات عملية لمراجعة نظمها التعليمية، وتطوير المؤسسات والمناهج، والارتقاء بمستوى التعليم العام والخاص، مع إيلاء اهتمام خاص بالتعليم الفني والتقني، والتوسع في تعليم الكبار ومحو الأمية.

بلغ عدد المدارس الحكومية في العام الدراسي 1972–1973، نحو 172 مدرسة على مستوى الدولة، شملت 85 مدرسة للحلقة الأولى، و47 للحلقة الثانية، و40 مدرسة ثانوية، وضمّت 44,118 طالباً وطالبة، وفق «تقرير تطور التعليم في دولة الإمارات»، الصادر عن وزارة التربية والتعليم.

ومع تسارع التطور التعليمي، تضاعف عدد المدارس، ليصل اليوم إلى أكثر من 520 مدرسة حكومية، تقدم خدماتها بكفاءة عالية، فيما يبلغ عدد الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة مجتمعين، أكثر من مليون طالب وطالبة.

ويصل عدد طلبة المدارس الحكومية وحدها إلى نحو 295 ألف طالب، بينما يتوزع الباقون على المدارس الخاصة، التي تشهد نمواً متزايداً في الإقبال. أما إجمالي عدد المدارس الحكومية والخاصة، فيتجاوز 1300 مدرسة، وهو ما يعكس اتساع قاعدة التعليم وقدرته على الوصول إلى جميع مناطق الدولة، وتوفير فرص تعليم متكافئة.

التعليم حق لكل مواطن

استندت السياسة التعليمية للدولة إلى مبدأ أن التعليم حق أساسي لكل مواطن، وأداة فعّالة لبناء الإنسان القادر على قيادة التنمية. واستمدّت فلسفتها التربوية من القيم العربية والإسلامية، مركّزة على نشر التعليم وتطوير مؤسساته وتحديث مناهجه، وتوفير الكفاءات اللازمة لرفع مستوى التعليم العام والخاص.

وخلال العقود الماضية، شهد النظام التعليمي توسعاً كبيراً وتطوراً في البنية التشريعية والتنظيمية والبرامج والمناهج، حتى أصبح التعليم محوراً رئيساً في الخطط الاستراتيجية للدولة.

تحديث المناهج.. نحو جودة عالمية

من منتصف الثمانينيات، مروراً بالتسعينيات، ووصولاً إلى الألفية الجديدة، اتجهت السياسات التعليمية نحو تحسين جودة التعليم، استجابة للمتغيرات الإقليمية والدولية. وأطلقت الدولة غايات تعليمية ركّزت على بناء الإنسان الصالح، وتنمية التفكير العلمي، وتعزيز المعرفة، وتكافؤ فرص التعليم.

وفي عام 1995، أُصدرت أول وثيقة تعليمية رسمية لتحديث المناهج، ثم استمرت الإصلاحات مع مطلع القرن الحادي والعشرين، عبر مناهج عصرية تعزز السلام والتسامح والابتكار. وأسهمت هذه التحولات في ترسيخ منظومة تعليمية مرنة، تستجيب لمتطلبات المستقبل.

المجالس التعليمية

مع تطور التعليم، ظهرت منذ عام 2005 المجالس التعليمية المستقلة في الإمارات، لتكون جهات محلية، تتولى تطوير التعليم داخل كل إمارة بشكل أكثر مرونة واستقلالية. ومن أبرزها:

مجلس أبوظبي للتعليم (دائرة التعليم والمعرفة حالياً)، تأسس بموجب قانون 24 لسنة 2005. مجلس الفجيرة لرعاية التعليم والشؤون الأكاديمية. مجلس الشارقة للتعليم، الذي أنشئ عام 2006.

هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، المسؤولة عن تنظيم قطاع التعليم الخاص. وقد جاءت هذه المجالس لتعزيز جودة التعليم، ووضع خطط تطوير محلية، وإطلاق مبادرات ترتبط باحتياجات كل إمارة ومجتمعها.

تطور الإنفاق على التعليم

أظهرت بيانات وزارة التربية والتعليم، منذ تأسيس الدولة، ارتفاعاً مستمراً في حجم الإنفاق الحكومي على التعليم. ففي عام 1973، بلغت ميزانية الوزارة والمشروعات التعليمية 247,241,820 درهماً، من أصل ميزانية الدولة البالغة 2,382,956,000 درهم، أي بنسبة 10.4 %.

ومع اتساع التنمية وتزايد أعداد الطلبة والمدارس والمعلمين، ارتفعت ميزانية التعليم لتغطية تكاليف تطوير المباني والمنشآت التعليمية، وصيانة الحافلات المدرسية ونفقات تشغيلها، ورواتب المعلمين، بالإضافة إلى الميزانيات المخصصة لتطوير البرامج الإدارية والفنية، والارتقاء بجودة الأداء في المدارس.

وفي أحدث الميزانيات المعلنة، وصلت ميزانية التعليم إلى 10.914 مليارات درهم، بما يمثل 15.3 % من ميزانية الدولة، ما يعكس التزام الإمارات بتطوير التعليم العام والعالي، وتوفير تعليم مجاني للمواطنين.

خطة 2015–2021

استمدت وزارة التربية والتعليم خطتها التطويرية للفترة 2015–2021 من السياسة العامة للتعليم، ورؤية الإمارات 2021، بهدف توفير خدمات تعليمية عالية الجودة لجميع الفئات، بما في ذلك التعليم الفني والتقني وأصحاب الهمم.

ومن أبرز ملامح الخطة: تطوير مخرجات التعليم العام، بما يتناسب مع اقتصاد المعرفة. إلغاء التشعيب التقليدي (العلمي والأدبي)، واعتماد مسارين جديدين: «المتقدم» و«العام». تسهيل انتقال الطلبة إلى الجامعات دون سنة تحضيرية. إعفاء الطلبة المتفوقين من بعض الساعات الجامعية.

نموذج عالمي في التنافسية

أخذ التعليم في الإمارات منحنى أكثر تقدماً، وحققت الدولة إنجازات عالمية بارزة. فقد تبوأت الإمارات المرتبة الأولى عالمياً في قطاع التعليم والتدريب التقني والمهني وفق «مؤشر المعرفة العالمي 2022»، الصادر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، إلى جانب تقدمها في أربعة مؤشرات رئيسة أخرى، من بين 196 دولة.

التنمية المستدامة والتعليم الجيد

وفق رصد المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، حققت الإمارات المركز الأول عالمياً في عام 2021، في ثلاثة مؤشرات مرتبطة بـ «التعليم الجيد»، وهي: مؤشر الالتحاق بالتعليم الابتدائي. مؤشر الإلمام بالقراءة والكتابة. مؤشر انتقال الطلبة الدوليين.

كما كان مشروع التعلم الذكي و«برنامج محمد بن راشد للتعلم الذكي»، علامة فارقة في تطور التعليم، إذ مكّنا الدولة من مواجهة جائحة «كوفيد 19»، دون انقطاع العملية التعليمية.

تميّز عربي

حققت الإمارات المركز الأول عربياً في دراسة TIMSS 2023، التي تقيس أداء طلبة الصفين الرابع والثامن في مادتي الرياضيات والعلوم، بمشاركة أكثر من 64 دولة، وشارك من الدولة نحو 750 مدرسة حكومية وخاصة.

وسجلت الإمارات واحدة من أكبر القفزات، مقارنة بدراسة TIMSS 2019:

الصف الرابع: +17 نقطة في الرياضيات، +22 نقطة في العلوم

الصف الثامن: +15 نقطة في الرياضيات، +14 نقطة في العلوم وهو ما يعكس تطور جودة التعليم ومستوى التحصيل العلمي.

تحولات كبرى

شهدت المنظومة التعليمية خلال العقدين الأخيرين تحولاً جذرياً، انتقلت فيه من التعليم التقليدي إلى نموذج رقمي متكامل، يعتمد على التكنولوجيا والتجارب الافتراضية، والأجهزة اللوحية ومنصات التعلم.

وأصبحت الاختبارات الإلكترونية جزءاً أساسياً في تقييم الطلبة، لقياس التفكير العميق، وتوفير تقارير فورية.

إدراج مادة الذكاء الاصطناعي

في خطوة نوعية، اعتمدت وزارة التربية والتعليم تدريس مادة الذكاء الاصطناعي من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، اعتباراً من العام الدراسي 2025–2026، بهدف بناء جيل قادر على الابتكار، وحل المشكلات، وقيادة المستقبل الرقمي للدولة.

منظومة تعليمية متكاملة للمستقبل

تقدم الإمارات اليوم نموذجاً تعليمياً شاملاً، تنسجم مخرجاته مع احتياجات سوق العمل ومتطلبات التعليم العالي، مع تركيز على التخصصات المستقبلية، مثل الذكاء الاصطناعي، بما يعزز توجه الدولة نحو العالمية والتنافسية المستدامة.

بناء الإنسان قبل الوطن..رؤية قيادية للتعليم

التعلم الذكي والتحول الرقمي.. من الكتب الورقية إلى الذكاء الاصطناعي

الإمارات نموذج عالمي.. نتائج دولية وإنجازات تنافسية

الإحصاءات التعليمية..

من 172 مدرسة إلى أكثر من 1300 مدرسة

الاستثمار الحكومي

في التعليم: من ميزانية 10.4 % إلى 15.3 %

المستقبل المعرفي: إدراج الذكاء الاصطناعي في المناهج 2025–2026