لم تكن التربوية عائشة سيف محمد الخاجة، تدرك حين جلست على كرسي إدارة مدرسة المنارة النموذجية عام 1999 - 2000، أن القدر سيرتب لها مشهداً لا يُنسى، إذ دخلت عليها إحدى المعلمات التي كانت سبباً في أن تترك عائشة الدراسة النظامية في مرحلة مبكرة لتلتحق بتعليم الكبار، قبل أن تشق طريقها الجامعي والمهني لاحقاً..

هذه المفارقة التي جعلتها مديرة في المدرسة ذاتها، تجسد رحلة عزيمة وصبر ونجاح امتدت لأكثر من 32 عاماً في الميدان التربوي، وتُروى اليوم في سياق يوم المرأة الإماراتية باعتبارها قصة ملهمة عن قوة الإرادة وعلو الرسالة التربوية.

نشأت الخاجة في أسرة كبيرة مكونة من 11 ابناً وابنة، كانت هي الابنة الثالثة وربّاها والدان متمسكان بالعلم، فوالدها كانا دائمي التشجيع على التعليم وغرس حب المعرفة في نفوس أبنائه، بينما كانت والدتها حنونة، وتحرص على رعاية الأسرة وغرس القيم. في بيت عامر بالمسؤوليات، تعلمت الخاجة معنى الحياه، خصوصاً بعدما تحملت دور الأم الثانية مع أشقائها الأصغر.

وفي المرحلة الإعدادية بمدرسة الشارقة الإعدادية، اصطدمت عائشة بمعلمة صارمة كانت تكلّف الطالبات بواجبات قاسية، بلغت حد إعطائهن خمسين سؤالاً في الإجازة.

فشعرت الطالبة الصغيرة حينها بالضغط النفسي والخوف الشديد، حتى دفعتها تلك التجربة إلى ترك المدرسة، والانقطاع عن التعليم النظامي، حيث إنها حلت49 سؤالاً ولكن سؤالاً واحداً في الهندسة لم تستطع حله.

لذا خافت ولم تذهب في اليوم التالي للمدرسة فتركت المدرسة الصباحية في تلك السنة لأنه ليس هناك مدرسة بديلة. لكنها لم تستسلم، فالتحقت بمدارس «تعليم الكبار»، ومن هناك أعادت بناء حلمها خطوة بخطوة.

وبعد عودتها إلى مسار التعليم، أكملت عائشة دراستها الجامعية، ودخلت الميدان التربوي عام 1985 معلمة للمرحلة الأساسية، عملت 11 عاماً بكفاءة عالية، وابتكرت أساليب تدريس مختلفة جعلتها قريبة من الطالبات، وحققت نجاحاً بارزاً في دروسها.

وتروي عائشة أن تلك التجربة القاسية في طفولتها غرست بداخلها مبدأً لم تحِد عنه طوال مسيرتها: «المعلم لا يكسب عقول طلابه قبل أن يكسب قلوبهم»، مؤكدة أن القسوة الزائدة قد تقتل شغف الطالب وتترك أثراً سلبياً في مساره العلمي.

وفي عام 2002 - 2003 حين كانت مديرة لإدارة مدرسة المنارة النموذجية، حدث الموقف الذي بقي خالداً في ذاكرتها. دخلت المعلمة ذاتها، التي دفعتها يوماً لترك المدرسة، لتكون إحدى المعلمات تحت إدارتها.

وبينما شكا بعض الطالبات من صرامتها، اختارت عائشة أن تحتويها بمحبة ومرونة، إدراكاً منها أن الإصلاح يكون بالقدوة، وأن المعلم نفسه يحتاج إلى من يرشد خطاه.

استمر هذا الموقف لثلاث سنوات، وخلالها تغيرت المعلمة، وأدركت قيمة التعامل الإنساني مع الطالبات، فيما اعتبرته عائشة درساً عملياً في أن الرحمة والاحتواء هما مفتاح التغيير الحقيقي.

وامتدت مسيرة عائشة المهنية على مدى 32 عاماً، تنقلت خلالها من معلمة، إلى مساعدة مديرة، ثم مديرة لمدرسة المنارة النموذجية، حيث جعلت منها مدرسة نموذجية بكل معنى الكلمة، مقصد التربويين من داخل الدولة وخارجها.

وفي عام 2006 تولت منصب أمين عام مجلس الشارقة للتعليم لمدة عقد كامل، بالتوازي مع إدارتها لأمانة جائزة الشارقة للتفوق والتميز التربوي لثماني سنوات. كما عملت مستشاراً تربوياً للمجلس حتى عام 2016. وحصدت خلال هذه السنوات عشرات الجوائز.