في مدينة تصنع الحلم وتكرّم المخلصين، يسطر التربوي حسن سوالمة فصولاً من قصة تربوية استثنائية امتدت لأكثر من أربعين عاماً في مدارس دبي، كانت فيها قاعة الصف منبره، والطلبة رصيده الحقيقي.

سوالمة ضمن أقدم التربويين في الإمارة، وأحد الوجوه التي رافقت تطور التعليم فيها منذ بداياته الحديثة، مؤمناً بأن الرسالة التربوية لا تتوقف عند الشرح والتقييم، بل تبدأ من بناء الإنسان وترسيخ القيم.

يسترجع سوالمة ماضيه، قائلاً: «ولدت في أسرة كبيرة تضم ثلاثة عشر فرداً، كنا نتقاسم غرفة واحدة ونعيش على الأمل.. تعلمت أن الفقر الحقيقي ليس في قلة المال، بل في غياب الطموح». ومنذ شبابه المبكر، كان يحلم بمدينة تمنح للحلم معنى، فكانت دبي في نظره الوجهة التي تفتح ذراعيها لكل مجتهد، والأرض التي تصنع من الجهد إنجازاً ومن الحلم واقعاً.

ويضيف: «كنت أسمع عن دبي منذ صغري، عن انفتاحها وفرصها، وعن اهتمامها بالتعليم كقوة تصنع المستقبل. كنت أؤمن أن من يملك الحلم سيجد فيها طريقه، وقد كان. حين وصلت إليها، شعرت أنني بدأت حياة جديدة، مدينة تحترم العمل وتقدّر المخلصين وتمنح كل إنسان فرصة ليترك بصمته».

بدأ حسن سوالمة رحلته في المدارس الأهلية الخيرية – فرع البنين بدبي مع بدايات تأسيسها، مدرساً لمادة اللغة العربية التي أحبها وجعلها رسالته الكبرى. كان يؤمن أن اللغة ليست درساً، بل هوية وانتماء، وأن الكلمة قادرة على بناء العقول قبل أن تزين النصوص. «كنت أعلّم طلابي أن العربية ليست مادة دراسية بل جسر حضارة، وأن من يتقنها يمتلك مفتاح الفكر والهوية».

ومع مرور السنوات، أثبت سوالمة تميزه الإداري والتربوي، فترقى في المناصب حتى تولى إدارة المدرسة عام 2007، ليقودها برؤية متجددة تجمع بين الأصالة والتجديد.

يرى سوالمة أن التعليم في دبي لم يتطور بالصدفة، بل كان ثمرة رؤية قيادة آمنت منذ البداية بأن الاستثمار في الإنسان هو أعظم استثمار، موضحاً: «حين وصلت إلى دبي، كانت المدارس محدودة والإمكانات بسيطة، لكن الطموح كان أكبر من الواقع. اليوم نعيش في مدينة جعلت من التعليم مشروع حياة، وارتقت به إلى مصاف التجارب العالمية المتقدمة».

ويتابع، أنه شاهد التحول الكبير في تجربة التعليم بالإمارة، من الفصول التقليدية إلى الصفوف الذكية، ومن السبورة البيضاء إلى المنصات الرقمية والتعلم المدمج. ويضيف: «أذكر حين بدأنا أولى خطوات التحول الرقمي في المدارس، كانت الفكرة تُعدّ مغامرة. أما اليوم، فقد أصبحت التكنولوجيا جزءاً من شخصية الطالب، وأداة لصقل مهاراته. هذا التطور يعكس طموح دبي في أن تكون مركزاً عالمياً للتعليم الحديث».

كما يثمن سوالمة دور القيادة الرشيدة في تمكين المعلمين وتقديرهم، قائلاً: «كل ما تحقق في ميدان التعليم كان نتيجة دعم مباشر من القيادة التي آمنت بالمعلم شريكاً في التنمية، ووضعت التعليم في صدارة أولوياتها».

وعلى مدى 40 عاماً، خرّج سوالمة آلاف الطلبة الذين يشغل كثير منهم اليوم مناصب قيادية في الدولة، ويعتز بأن يرى في كل طالب منهم انعكاساً لرحلته وجهده. ويقول: «حين أرى أحدهم يعود لزيارتي بعد عشرين عاماً، وأكتشف أنه أصبح طبيباً أو مهندساً أو قائداً في مجاله، أشعر أن الرسالة اكتملت».

ويختم سوالمة حديثه: «دبي لم تكن محطة في حياتي، بل كانت البداية الحقيقية. هي المدرسة الكبرى التي علمتني أن الحلم لا يتحقق إلا بالعمل، وأن التعليم في هذه المدينة ليس مهنة.. بل حياة».