في وقت تتسارع فيه وتيرة الامتحانات، وتقل فيه المساحات الزمنية للمراجعة، برزت على منصات مثل «تيك توك» و«سناب شات» و«تليغرام»، موجة جديدة من «المراجعات في دقيقة»، التي يقدمها معلمون وطلبة متفوقون، بصيغ مبسطة وجذابة.

وتحولت هذه الطريقة إلى ما يشبه السوق المصغر، حيث يمكن أن تقابل دقيقة واحدة من الشرح، بإلقاء وردة رقمية، تُقدّر بأقل من درهم، أو بحوت أزرق افتراضي، أو أسد رقمي، يصل قيمته إلى أكثر من 1000 درهم، وفق نظام الهدايا على تيك توك.

وتشير التقديرات إلى ارتفاع سعر دقيقة المراجعة المدفوعة في الحصص المباشرة، لا سيما في المناهج الدولية، ويُقبل على طريقة «المراجعة في دقيقة» طلبة الثانوية، وخصوصاً المسجلين في مناهج موحدة عالمياً، مثل البريطاني (IGCSE)، والأمريكي (SAT)، إذ يسعون للاستعداد لاختبارات دولية، مثل AP وIB وغيرها، في المقابل، يستخدم طلبة منهج وزارة التربية والتعليم المراجعات المدفوعة عبر تليغرام وسناب شات، بحثاً عن طرق مختصرة لمراجعة الدروس قبل الامتحانات.

شروحات مركّزة

ورصدت «البيان» اتساع رقعة المحتوى التعليمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقدم عدد من المعلمين والطلبة المتفوقين مقاطع قصيرة، تتراوح بين 30 ثانية ودقيقة، تتضمن شروحات مركّزة، وملخصات سريعة لطريقة حل مسائل الرياضيات أو المواد العلمية بشكل عام.

وتنتشر عبارات مثل شرح درس الكيمياء في 60 ثانية، أو كيف تحل سؤال الامتحان في ثلاث خطوات، وتُرفق بدعوات للانضمام إلى مجموعات تليغرام مغلقة، مقابل اشتراك شهري رمزي. وتنوعت العروض، لتشمل اختبارات تجريبية، واستشارات تعليمية، وجلسات مراجعة مباشرة، يقدمها أحياناً طلبة جامعيون، أو متفوقون في الثانوية، ممن يسوّقون لأنفسهم كـ «خبراء في المادة».

ويلجأ بعضهم إلى استخدام الفلاتر والمؤثرات البصرية لجذب المتابعين، مع التركيز على مهارات العرض والتقديم، أكثر من دقة المحتوى. وفي الوقت ذاته، حذر التربويون من الانسياق وراء هذا الأسلوب في المراجعات، كونه ليس مقدماً من متخصصين.

خطر تربوي

محمد أبو غنيم

وقال التربوي محمد أبو غنيم: لا يمكن اختزال درس لمواد كالفيزياء أو الرياضيات في دقيقة، لأن غياب السياق التربوي، يحوّل المعلومة إلى مادة استهلاكية سطحية. وأضاف أن كثيراً من هذه الحسابات تعتمد على الإثارة البصرية، أكثر من المعلومة نفسها، مشيراً إلى أن الطلبة بحاجة إلى سياق متكامل للفهم، وليس مجرد تذكّر عابر لمعلومة سطحية.

وأوضح أن خطورة هذه الممارسات، تكمن في أنها تعطي انطباعاً زائفاً بالتحصيل، وأن الطالب يظن أنه أتقن الدرس، بينما هو لم يتجاوز سطح المفهوم، ودعا إلى دمج المراجعات المرئية ضمن بيئات تعلم رسمية، تُخضع المحتوى لمعايير الجودة التربوية.

وذكرت التربوية ياسمين زهرة، أن منصات التواصل أفرزت نمطاً جديداً من التعليم، قائم على «الاستهلاك الفوري»، وقالت:«لا توجد أي جهة مسؤولة تراجع محتوى هؤلاء المدرسين، فالمعلم في المدرسة يُحاسب، أما هنا، فكل شيء مباح».

وأكدت أن كثيراً من الملخصات المنتشرة، تتجاهل الأهداف التعليمية، وتسلسل المفاهيم، وتعتمد بدلاً من ذلك على الإثارة البصرية والاختصار، وأن هناك محتوى يفتقد لأبسط مبادئ الدقة. وشددت على أن الطالب الذي يتلقى المعرفة من مصادر غير موثوقة، قد يتأثر سلباً في أدائه الأكاديمي.

محمود فرغل

ويرى التربوي محمود فرغل، أن المراجعات السريعة، يمكن أن تكون مفيدة، كأدوات تكميلية، قائلاً: «هي مناسبة لتحفيز الطلبة، وتذكيرهم ببعض المفاهيم، لكنها لا تغني بأي حال عن الحصص الصفية، أو الكتب المنهجية».

وأشار إلى أن المؤسسات التعليمية يمكن أن تستفيد من هذه المنصات، عبر إنتاج محتوى تعليمي مرئي منضبط، لكن تركها دون رقابة، يحوّلها إلى بيئة تعليمية موازية بلا معايير، مؤكداً أن نجاح هذا النوع من المراجعات، مرهون بتوافر بيئة تفاعلية، تخضع للمراجعة والتدقيق.

وأضاف أن بعض المدارس بدأت فعلاً بتجريب أساليب مشابهة، عبر قنوات يوتيوب خاصة بها، وهو ما يمكن أن يمثل حلاً وسطاً بين الجاذبية البصرية والانضباط الأكاديمي.

ميساء العبد الله

وحذرت الخبيرة التربوية والنفسية، الدكتورة ميساء العبد الله، من الآثار بعيدة المدى لهذه الظاهرة، وقالت إن الاعتياد على المحتوى القصير، يُضعف القدرة على التركيز، ويفقد الطالب مهارة التحليل والتفكير الناقد.

وأكدت أن الطلبة الذين يعتادون على هذه الأساليب، قد يجدون صعوبة في التأقلم مع التعليم الجامعي لاحقاً، حيث يُطلب منهم قراءة نصوص طويلة، وإجراء بحوث معمقة، مضيفة أن هذه المنصات تعزز ثقافة الإنجاز السريع، لكنها تضعف قدرة الطالب على الاجتهاد طويل المدى.

ودعت إلى إدخال مناهج رقمية تُعلّم الطلبة كيف يميّزون بين المحتوى المفيد والمضلل، وتُشجعهم على التعلّم المتأني القائم على الفهم والتفكير.

أحمد عرفات

وأشار الخبير الاقتصادي أحمد عرفات، إلى أن هذه الممارسات تمثل شكلاً من أشكال «اقتصاد التعليم غير الرسمي»، وقال:«نحن أمام قطاع موازٍ، ينمو بسرعة، ويعتمد على أدوات تكنولوجية جديدة، وبأرباح تراكمية، ويصعب تتبعها، لكنه يُظهر تعطش السوق لوسائل تعليمية مرنة».

وأضاف أن انتشار هذه الممارسات، يفتح المجال أمام خلق وظائف جديدة، ومصادر دخل غير تقليدية، لكنه في الوقت نفسه، يُهدد بتشويش المشهد التعليمي، إذا لم يخضع لضوابط.

وشدد على أن المحتوى التعليمي الممول، يجب أن يخضع للرقابة، لحماية الطلبة من استغلال تجاري غير أخلاقي. وأوضح أن بعض أصحاب هذه القنوات، يحققون آلاف الدراهم شهرياً، من الهدايا الرقمية والاشتراكات، في ظل غياب أي جهة تنظيمية لهذا النوع من المحتوى.