مع انتظام الطلبة في الدراسة، لم يعد مشهد الحقائب والأقلام مجرد تفاصيل عابرة في الصفوف الدراسية، بل تحولت إلى مظاهر اجتماعية يتباهى بها الطلبة أمام زملائهم. فمن الأقلام المضيئة التي تُنشر مقاطعها على «تيك توك»، إلى الدفاتر المزينة بملصقات شخصيات شهيرة، أصبح الصف الدراسي ساحة لعرض آخر صيحات القرطاسية التي تنتشر كـ«تريند» على مواقع التواصل الاجتماعي، وتضغط على أولياء الأمور لتلبية رغبات أبنائهم.
وأوضح عدد من الأمهات أن أبناءهن يتأثرون مباشرة بما يشاهدونه على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يظهر الطلبة وهم يستعرضون أدوات مدرسية مبتكرة، كالممحاة التي تُخرج عطراً، أو الدفاتر الملونة بأشكال هندسية لافتة لتدوين الملاحظات، وقالت إحداهن إن ابنتها أصرت على شراء قرطاسية مشابهة لزميلاتها ومنتشرة عبر الإنترنت، ولم ترغب في الذهاب إلى المدرسة إلا بعد إحضار تلك الأدوات، مؤكدة أن هذه المظاهر تتكرر سنوياً داخل الصف، حيث يُشعر الطفل أنه أقل من زملائه إذا لم يملك مثل هذه الأدوات.
منافسة يومية
وأكد أولياء أمور أن الظاهرة تجاوزت فكرة الحقيبة أو المستلزمات الأساسية، لتتحول إلى منافسة يومية داخل الصفوف، إذ يتباهى الطلبة بأقلام مزينة بأضواء LED أو مساطر إلكترونية صغيرة تعرض الأرقام، وكل ذلك يغذي شعوراً بالغيرة بين الزملاء.
وشدد التربويون على أن المدارس مطالبة بدور أكثر فاعلية في التصدي لهذه الظاهرة، عبر وضع سياسات واضحة تضبط نوعية الأدوات داخل الصفوف، وتنظيم لقاءات توعوية للطلبة وأولياء الأمور حول مخاطر الانسياق وراء المظاهر. وأكدوا أن المدرسة باعتبارها البيئة التربوية الأولى يجب أن تعزز قيم المساواة والبساطة، وتمنح الطالب شعوراً بأن مكانته تُقاس بما يقدمه من جهد ومشاركة، لا بما يحمله من حقيبة أو قلم.
نقاش جماعي
من جانبها، أفادت التربوية الدكتورة فاطمة الظاهري، بأن الظاهرة تحتاج إلى نقاش مجتمعي أوسع، معتبرة أن «تريند القرطاسية» يخلق بيئة تنافسية سلبية داخل الصفوف. وأن هذه المنافسة تحرف أهداف العملية التعليمية عن مسارها، وتجعل الطالب يربط مكانته بين زملائه بما يحمله في حقيبته لا بما يقدمه من إنجاز.
وأضافت أن هذه الظاهرة تفرض على المعلمين تحدياً إضافياً، إذ أصبح عليهم أن يوازنوا بين إدارة الحصة ومتابعة ما يحمله الطلاب معهم من أدوات، مشددة على ضرورة التركيز على تعزيز القيم التربوية لدى الطلبة، حتى لا تتحول المدرسة إلى منصة لعرض آخر صيحات «التريند».
أثر نفسي
وأوضحت الدكتورة آمال عبدالمولى الاختصاصية النفسية، أن التنافس على القرطاسية لم يعد مسألة شكلية، بل امتد ليؤثر على الحالة النفسية للطلبة. وقالت إن الطفل الذي لا يمتلك «التريند» الجديد يشعر بأنه خارج الدائرة، ما يخلق فجوة بينه وبين زملائه، مؤكدة أن هذا الشعور يقود إلى تراجع الثقة بالنفس ويغذي نزعة الانعزال.
وأضافت أن هذه السلوكيات تغرس في أذهان الأطفال منذ المراحل الأولى للتعليم أن القيمة مرتبطة بالمظاهر، لا بالمجهود الدراسي. واعتبرت أن هذه المقارنة اليومية تُرسخ ثقافة استهلاكية مبكرة تجعل الطالب يركز على ما يملكه أكثر مما يقدمه علمياً، وهو ما يهدد البيئة التربوية داخل الصفوف.
المصدر الأول
وشددت الدكتورة ميساء العبدالله الاختصاصية التربوية والنفسية، على أن مواقع التواصل الاجتماعي تمثل المصدر الأول لتغذية هذه المظاهر، إذ تروج لمقاطع قصيرة تستعرض الأدوات بطرق مبتكرة تشد انتباه الأطفال. وقالت إن هذه المقاطع لا تقتصر على إعلانات مدفوعة، بل يشاركها الطلبة أنفسهم، ما يضاعف انتشارها ويجعلها أقرب إلى «عدوى» تنتقل بسرعة بين الصفوف الدراسية.
وأضافت أن طبيعة هذه المقاطع، التي تعتمد على المؤثرات البصرية والصوتية، تجعلها أكثر جاذبية للطفل من الكتاب المدرسي أو المعلومة، وهو ما يفسر سرعة تعلق الطلبة بالتريندات الجديدة، مؤكدة أن مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى وعي أسري ومدرسي مشترك يوجه انتباه الطفل نحو التعلم لا المظاهر.
دور أساسي
وأوضحت التربوية فوزية الشيخ أن مواجهة «تريند القرطاسية» لا تكون بالمنع، بل عبر التوعية وتعزيز القيم التربوية داخل المدرسة والبيت، مؤكدة أن دور المعلم أساسي في توجيه الطلبة نحو التركيز على محتوى الدروس بدلاً من الانشغال بالمظاهر، فيما شددوا على أن الأسرة مطالبة بغرس ثقافة الاعتدال والتمييز بين الضروري والكمالي، وأضافت أن تنظيم أنشطة صفية تشجع على الإبداع باستخدام أدوات بسيطة يمكن أن يحد من المقارنات السلبية، ويعيد للأدوات وظيفتها التعليمية بعيداً عن مظاهر الاستعراض.
من جهتها، أوضحت المعلمة ياسمين زهرة أنها ترصد بشكل يومي مظاهر واضحة للبذخ في أدوات القرطاسية داخل الصفوف الدراسية، مشيرة إلى أن الطلبة يتسابقون في إحضار مستلزمات مدرسية باهظة الثمن ومتنوعة الأشكال والألوان، حتى وإن لم تكن لها ضرورة تعليمية حقيقية. وأضافت أن هذه السلوكيات لا تقتصر على مرحلة عمرية محددة، بل تمتد من الصفوف الأولى وحتى المراحل الإعدادية، الأمر الذي يعكس اتساع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل اهتمامات الطلبة وأنماط استهلاكهم.
وأكدت زهرة أن هذه المظاهر، وإن بدت بسيطة للبعض، تعكس مشكلة أعمق ترتبط بتحويل العملية التعليمية إلى ساحة للمظاهر الاجتماعية والتفاخر بين الطلبة. وبيّنت أن هذا السلوك يضع أولياء الأمور تحت ضغوط مالية غير مبررة، كما يسهم في خلق فجوة بين الطلبة على أساس مادي واجتماعي، بدلاً من التركيز على الهدف الرئيس للتعليم المتمثل في اكتساب المعرفة وتنمية المهارات.
