كشفت آمنة آل صالح، الوكيل المساعد لقطاع المناهج والتقييم بالإنابة، في وزارة التربية والتعليم، لـ«البيان»، عن تفاصيل تدريس مادة الذكاء الاصطناعي التي أقرتها الوزارة اعتباراً من العام الدراسي الجاري من الروضة حتى الصف الثاني عشر، لتمثل خطوة استثنائية وفريدة على مستوى العالم، مؤكدة أن هذه المبادرة تعكس رؤية القيادة الرشيدة للاستثمار في رأس المال البشري، وإعداد أجيال تمتلك مهارات المستقبل، في وقت يشهد فيه العالم تحولات متسارعة بفعل الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.

20 ساعة

وأفادت آل صالح بأن الطلبة سيدرسون المادة بواقع 20 ساعة سنوياً، توزّع بآلية مرنة تراعي طبيعة المراحل الدراسية؛ ففي رياض الأطفال يتم تقديم المفاهيم بشكل تكاملي ضمن المواد الأساسية دون تخصيص حصص مستقلة، أما في الحلقة الأولى والثانية (الصفوف من 1 - 8)، فهناك حصة واحدة كل أسبوعين بمتوسط 5 حصص في الفصل الأول، و5 حصص في الفصل الثاني، و4 حصص في الفصل الثالث، بينما في الحلقة الثالثة (الصفوف من 9 - 12) يحصل الطلبة على حصة أسبوعياً، بمتوسط 10 حصص في الفصل الأول، و10 في الفصل الثاني، و8 في الفصل الثالث، وهذا التدرج يتيح تعميق المفاهيم حسب العمر والمرحلة.

لا أعباء

وأكدت أن هذه الساعات لا تمثل أي عبء إضافي على المعلمين أو الطلبة أو على الجدول الدراسي، حيث ستدرس ضمن حصص الحوسبة والابتكار، وأضافت أن التقييم في هذه المادة سيعتمد على المشاريع والأنشطة التكوينية التي يصممها المعلم، بعيداً عن الامتحانات التقليدية.

مصادر وأنشطة

وأوضحت آل صالح أن مادة الذكاء الاصطناعي لن تعتمد على كتاب واحد، بل على مجموعة مصادر وأنشطة متنوعة تراعي اختلاف الحلقات التعليمية، ففي رياض الأطفال مثلاً، يكون التركيز على السرد القصصي والألعاب التفاعلية، بينما يبدأ طلبة الحلقة الثانية باستخدام البيانات وتنفيذ مشاريع عملية، وصولاً إلى تطبيق أدوات متقدمة مثل النماذج اللغوية الكبيرة في الحلقة الثالثة.

وأشارت إلى أن هذا التنوع يعكس إدراكاً عميقاً لاحتياجات كل فئة عمرية، ويضمن أن تكون تجربة التعلم ممتعة ومتصلة بحياة الطلبة اليومية، وليست مجرد مادة نظرية.

وأوضحت أن مجالات الكفاءة في الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على الجانب التقني فقط، بل تمتد لتشمل مزيجاً واسعاً من المعارف والمهارات والسلوكيات التي يحتاج المتعلمون إلى تطويرها ليكونوا ملمين بالذكاء الاصطناعي وقادرين على توظيفه بفاعلية في حياتهم الدراسية والعملية.

معرفة وقيم

وأشارت إلى أن هذه الكفاءات تمثل الأساس في بناء وعي جديد لدى الأجيال، يوازن بين المعرفة الرقمية والقيم الأخلاقية، ويعزز من قدرة الطلبة على التفكير النقدي والإبداعي في آن واحد.

ولفتت إلى أن المنهاج يتكامل تماماً مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 التي تسعى إلى ترسيخ ريادة الإمارات عالمياً في هذا المجال، فالاستراتيجية تركّز على إعداد المواهب الوطنية، والارتقاء بالقدرات البشرية، وضمان الاستخدام المسؤول للتقنيات الناشئة.

وتدريس الذكاء الاصطناعي في المدارس يمثل استثماراً مباشراً في رأس المال البشري ويترجم التوجهات الاستراتيجية إلى خطوات عملية على أرض الواقع.

أبرز الفروقات

وحول أبرز الفروقات بين هذا المنهاج والمناهج التقنية الأخرى التي كانت تُدرّس سابقاً مثل البرمجة أو الروبوتات، قالت آل صالح إن المنهاج الجديد يختلف من حيث الشمولية والعمق فهو لا يقتصر على مهارات برمجية أو استخدام أدوات روبوتية، بل يدمج مفاهيم متقدمة مثل تحليل البيانات، تعلم الآلة، والأخلاقيات الرقمية كما يركّز على البعد القيمي والاجتماعي للتكنولوجيا، لضمان أن يكون الطلبة ليسوا فقط مستخدمين للتقنية، بل مبدعين وواعين بتأثيراتها.

وأوضحت أنه جرى تنظيم لقاءات لمجموعات التركيز (Focus Groups) من مختلف الحلقات الدراسية وقد أظهرت النتائج أن المعلمين يتمتعون بجاهزية عالية، مع الحاجة لتعزيز التدريب العملي على الأدوات وتحسين الدعم الفني وهذه الملاحظات استخدمت مباشرة لتطوير خطط الاستعداد والتنفيذ.

خطط رقابية

ولفتت إلى أن الوزارة تعتزم تنفيذ خُطط لزيارات ميدانية خلال الفصل الأول لمتابعة التطبيق العملي للمنهج، من خلال لجنة مختصة لتقديم الدعم المباشر للمعلمين كما ستُوزع استمارات في نهاية الفصل لجمع ملاحظات المعلمين وتحليل نماذج أعمال الطلبة، لضمان التطوير المستمر للفصول التالية.

وذكرت أن الوزارة أعدت دليلاً إرشادياً خاصاً بالاستخدام الآمن والمسؤول لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي داخل الصفوف الدراسية، هذا الدليل لا يقتصر على مادة الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يشمل جميع المواد، مع تركيز على الأمان الرقمي، حماية الخصوصية، الأخلاقيات، والنزاهة الأكاديمية. الهدف أن يتعلّم الطلبة متى وكيف يستخدمون هذه الأدوات بشكل صحيح.

4 أطر

وأضافت أن غالبية دول العالم تعتمد عادة على إطار واحد فقط عند صياغة مناهج الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي قد يحد من شمولية تلك المناهج بينما تميزت دولة الإمارات بخطوة استثنائية تمثلت في دمج جميع الأطر الأربعة الرائدة عالمياً في هذا المجال، وهي: UNESCO، وOECD، وAI4K12 (الولايات المتحدة الأمريكية)، وAI4K9 (سنغافورة)، ما أتاح بناء إطار تعليمي أكثر تكاملاً، وجرى تحويلها إلى مجالات كفاءة واضحة تشمل فهم المفاهيم، واكتساب المهارات التقنية، والوعي الاجتماعي والأخلاقي، إضافة إلى الابتكار والتصميم.

وأكدت أن الإمارات تميّزت ليس فقط بإدخال المادة مبكراً، بل أيضاً بزيادة عدد الساعات المخصصة لتدريسها مقارنة بدول أخرى، مع مراعاة خصوصية كل مرحلة عمرية.

ولفتت إلى أن هذه الرؤية تهدف إلى تغطية المجالات السبعة الأساسية للكفاءات في الذكاء الاصطناعي بشكل كامل، بما يسهم في إعداد الطلبة لمتطلبات المستقبل المتسارع، ويمنحهم القدرة على التعامل مع التقنيات الذكية بأبعادها المعرفية والعملية والأخلاقية، الأمر الذي يعزز من جاهزيتهم للمنافسة عالمياً ويجعل الإمارات في طليعة الدول المطبقة لأفضل الممارسات التعليمية

15 أداة

وكشفت آل صالح أن الطلبة سيتعاملون مع ما بين 14 إلى 15 أداة من أدوات الذكاء الاصطناعي، تتنوع بين التوليدية وغيرها، وهو ما يتيح لهم خبرة عملية واسعة ويؤهلهم لفهم كيفية عمل هذه التقنيات.

وأضافت أن أحد أبرز ما يميز المنهج الإماراتي هو إدخال مفهوم «هندسة الأوامر» (Prompt Engineering)، الذي يعلّم الطالب كيفية صياغة المدخلات الصحيحة للحصول على المخرجات المرجوة من أدوات الذكاء الاصطناعي، وهي مهارة أساسية في عصر النماذج اللغوية الكبيرة.

1000 معلم 

وأفادت آل صالح بأن الوزارة خصصت 1000 معلم لتدريس المادة، خضعوا جميعاً لبرنامج تدريبي مكثف خلال أسبوع التدريب التخصصي في أغسطس الماضي، بما يضمن جاهزيتهم لتقديم المادة بطرق مبتكرة تركّز على المشاريع والتطبيقات العملية أكثر من النظريات.

وأوضحت أن التدريب لم يقتصر على شرح المناهج فقط، بل شمل تزويد المعلمين بأدوات عملية ومهارات رقمية، إضافة إلى محاور متعلقة بكيفية غرس القيم الأخلاقية لدى الطلبة أثناء استخدام الذكاء الاصطناعي.

رياض الأطفال

وأفادت آل صالح بأن التركيز في مرحلة الروضة سيكون على تعريف الأطفال بأساسيات الذكاء الاصطناعي بطريقة مبسطة، من خلال القصص والأنشطة والألعاب، من دون استخدام مباشر للتكنولوجيا. وسيتعلم الطلبة أن أدوات الذكاء الاصطناعي يصنعها البشر، ورغم أنها تبدو ذكية، إلا أنها لا تفكر ولا تشعر ولا تتخذ قرارات بمفردها.

وأوضحت أن الأنشطة في هذه المرحلة تهدف إلى تعزيز الوعي المبكر بالفروق بين الإنسان والآلة، وغرس قيم أولية حول الأمان والخصوصية، مع تقديم مفاهيم مبسطة عن الأنماط والبيانات عبر أنشطة يدوية وممارسات صفية ممتعة.

الحلقة الأولى

وقالت: سيتم بناء مهارات التفكير الرقمي الأساسية لطلبة الحلقة الأولى من خلال دروس تفاعلية، أخلاقية، ومرتبطة بالسياق الثقافي المحلي وينتقل الطلبة من فهم كيفية عمل الآلات إلى التساؤل حول الكيفية التي ينبغي أن تعمل بها.

مفاهيم أساسية

وتابعت: إن الطلبة في هذه المرحلة يتعرفون إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتبع القواعد وتضعها إلى بيانات منظمة، وأن الآلات يمكنها التصنيف والفرز والتمييز، ولكن فقط بناءً على ما يتم عرضه عليها كما يدركون أن الأخطاء تحدث عندما تكون البيانات محدودة أو غير واضحة أو غير عادلة، وأن البشر يظلون مسؤولين عن تعليم الذكاء الاصطناعي وتصحيحه والإشراف عليه. ويُبرز التدريس أن الذكاء الاصطناعي مفيد، لكنه لا يستطيع الشعور أو التمييز بين الصواب والخطأ أو استبدال القيم الإنسانية.

وحول كيفية تدريسها أوضحت أنه يتم التدريس عبر أنشطة عملية متعددة، تبدأ بالفرز العملي والتعرف على الأنماط (Sorting & Patterning)، حيث يقوم الطلبة بتجميع الصور وتصنيفها في مجموعات تعليمية، ومحاكاة كيفية تصنيف الآلة كما تتم مقارنة الإنسان بالآلة عبر وسائط متنوعة تتيح للطلبة ملاحظة الفروق بين التجارب الإنسانية والبرمجية، وفهم أوجه الاختلاف في التعامل مع المواقف.

كذلك يُمارس الطلبة التفكير القائم على السيناريوهات، إذ يحكمون على ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يتصرف بشكل صحيح ضمن القصص المقدمة، ويستكشفون تطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال أدوات وأمثلة واقعية مستخدمة في الإمارات، مثل الروبوتات المرافقة للأطفال، مع التركيز على تأثير الذكاء الاصطناعي في حياتهم وهويتهم.

الحلقة الثانية

وأكدت آل صالح أن طلبة الحلقة الثانية، يتعلمون كيف يتم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي واختبارها وتقييمها، من خلال تصميم نماذج خاصة بهم، والتعرف على التحيز، والتفكر في الأثر الاجتماعي والأخلاقي لهذه الأنظمة ففي هذه المرحلة يبدأ الطفل باستيعاب وفهم ماهية الذكاء الاصطناعي وكيفية تصرفه، وينتقل الطلاب إلى التفكير كمصممين ومفكرين، حيث يقومون بتدريب النماذج والكشف عن مظاهر التحيز، إضافة إلى محاكاة كيفية استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في مواقف الحياة الواقعية.

ويركز المنهج على مجموعة من المفاهيم الأساسية، أبرزها كيفية تصنيف الذكاء الاصطناعي للبيانات وتعلمه عبر تطبيقات الشبكات العصبية، والتمييز بين التعلم الموجّه وغير الموجّه كما يتعرف الطلاب على كيفية تسبب البيانات غير الكافية في ظهور تحيز وأخطاء ونتائج غير عادلة، إلى جانب الاطلاع على الاستخدامات الواقعية للذكاء الاصطناعي في مجالات الصحة والتنقل والبيئة. ويولي المنهج اهتماماً خاصاً بأهمية التصميم الأخلاقي وضرورة الإشراف البشري عند التعامل مع هذه الأنظمة.

أما على صعيد التطبيق، فيتم تدريس هذه المفاهيم من خلال مجموعة من الأنشطة التعليمية ففي دروس استكشاف التحيز، يتعرف الطلاب على كيف يمكن أن يتصرف الذكاء الاصطناعي بشكل غير عادل عند تدريبه على بيانات محدودة، كما يتم اعتماد أسلوب التصميم القائم على المشاريع، حيث يقوم الطلبة ببناء نماذج وتقديم أدوات لحل تحديات واقعية ترتبط ببيئتهم المحلية، مثل مشروعات النقل الذكي.

وتشمل طرق التدريس أيضاً سيناريوهات مبنية على الأخلاقيات، حيث تتم مناقشة حالات افتراضية مرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية أو الطوارئ، بما يفتح المجال أمام الطلبة للتفكير النقدي في انعكاسات تلك القرارات وفي هذا السياق، يُطرح عليهم تساؤلات مثل: «هل يمكن لهذا النظام أن يقرر بشأن مستقبلي؟»، وهو ما يعزز لديهم مهارات التفكير النقدي، ويجعلهم أكثر وعياً بمسؤوليات التصميم والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.

الحلقة الثالثة

وذكرت آل صالح أن الحلقة الثالثة تركّز على إعداد الطلبة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي وسوق العمل والحياة اليومية، مع التركيز على التفكير النقدي والحكم الأخلاقي، حيث يصبحان عنصرين أساسيين في تكوين شخصيتهم المستقبلية ولا يقتصر الهدف هنا على تزويدهم بالمهارات التقنية فقط، بل يمتد ليشمل تدريبهم على تحمل المسؤولية في استخدام هذه التقنيات بشكل واقعي ومتوازن، بما يضمن مخرجات تعليمية قادرة على خدمة المجتمع والالتزام بالقيم الوطنية والأخلاقية، وتتمحور المفاهيم الأساسية في هذه المرحلة حول الاستخدام الاستراتيجي لأدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مثل النماذج اللغوية الكبيرة وهندسة الأوامر والذكاء الاصطناعي التوليدي، إلى جانب تعزيز مهارات اتخاذ القرار الواقعي في قضايا متنوعة مثل التوظيف والعلاقات الإنسانية والعلم ومراجعة المحتوى.

كما يتعلم الطلاب التدقيق الأخلاقي وتصميم السياسات بما يتماشى مع معايير العدالة والشفافية، بالإضافة إلى تطوير مشروعات التخرج التي توظف حلول الذكاء الاصطناعي لخدمة الأولويات الوطنية لدولة الإمارات.

وتابعت: أما عن كيفية تدريس هذه المفاهيم، فيتم عبر عدة مسارات عملية، منها محاكاة التدقيق، حيث يتدرب الطلاب على تقييم أدوات الذكاء الاصطناعي وفق ضوابط العدالة والشفافية والاستناد إلى أدلة حقيقية كما يُكلفون بمهام كتابة السياسات، إذ يقومون بصياغة مقترحات واقعية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات التعليم والعمل والمجتمع، بشكل يتوافق مع المعايير المحلية والعالمية.

وقالت: تتجسد التجربة التعليمية أيضاً في مشاريع التخرج، التي يتم تصميمها لتقديم حلول عملية قائمة على الذكاء الاصطناعي، مثل ابتكار روبوتات للتفاعل المدني أو تطبيقات ذكية تسهم في خدمة المجتمع، إلى جانب ذلك، يتدرب الطلاب على هندسة الأوامر واستخدام النماذج اللغوية الكبيرة (Prompt Engineering & LLMs)، ليتقنوا كيفية تحسين مدخلاتهم وضبطها لإنتاج إجابات دقيقة وفعّالة، مع القدرة على توظيف البيانات في أداء مهام متنوعة ومعقدة، وبهذا الأسلوب، تتحول الحلقة الثالثة إلى محطة تربوية متكاملة .

وشددت آل صالح على أن ما يميز الإمارات في تدريس الذكاء الاصطناعي هو التركيز الكبير على الأخلاقيات والاستخدام المسؤول، مؤكدة أن الهدف ليس أن تحل التقنية محل مهارات الطلبة، بل أن تكون وسيلة لتعزيزها وتنميتها.