أكد تربويون وخبراء تكنولوجيا معلومات أن الذكاء الاصطناعي يمثل نقطة تحول جوهرية في بوصلة مستقبل التعليم بدولة الإمارات، من خلال تطوير أدوات حديثة تعزز من قدرات المعلمين، وتوفر طرقاً تعليمية مبتكرة تسهم في تحقيق تعلم أكثر فعالية للطلبة، ما يؤدي إلى نتائج تعليمية أفضل تجعل الذكاء الاصطناعي عنصراً محورياً في مستقبل التعليم.
وأظهرت دراسات أجرتها جامعات مرموقة تحولاً جذرياً في قطاع التعليم ستحدثه تقنيات الذكاء الاصطناعي من حيث تعزيز إمكانيات أدوات التدريس وتطوير أساليب تقييم الأداء الأكاديمي للطلبة، وأكدت هذه الدراسات الدور المحوري الذي ستلعبه هذه التقنيات في تقديم تجارب تعليمية مخصصة تلبي الاحتياجات الفردية للطلاب.
دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أظهرت أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تسهم في جعل العملية التعليمية مصممة ومكيفة وفقاً لاحتياجات الطالب الفردية، مشيرة إلى قدرة هذه التقنيات في تحليل أنماط التعلم لدى الطلاب، وتقديم توصيات فورية تساعد على تحسين الأداء الأكاديمي من خلال توفير محتوى مخصص يتوافق مع نقاط القوة والضعف لكل طالب على حدة.
في المقابل، تناولت دراسة أخرى صادرة عن جامعة أكسفورد، إمكانية استخدام تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في حل المشكلات التي تواجه المؤسسات التعليمية، مثل توفير تقييمات دقيقة لأداء الطلاب، موضحة أن الذكاء الاصطناعي يمكنه مراقبة تطور مستوى الطلاب بشكل مستمر وتقديم تحليلات تفصيلية تساعد المعلمين على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المناهج التعليمية، ما يسهم في تحسين عملية التقييم التقليدية التي غالباً ما تعتمد على الاختبارات النهائية فقط.
طرق تقليدية
وأكدت دراسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تغييراً محورياً في طرق التدريس التقليدية، خاصة في تدريس المواد العلمية مثل الرياضيات والفيزياء، وخلصت الدراسة إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكنها تقديم حلول تعليمية ذكية تساعد على فهم المفاهيم العلمية المعقدة، من خلال استخدام المحاكاة العلمية والتجارب الافتراضية، ما يؤدي إلى تعزيز الفهم العملي للمفاهيم النظرية.
وأوضح الخبير الدولي الدكتور محمد عبيدات، إمكانيات الذكاء الاصطناعي في تطوير أدوات التدريس، قائلاً «يمثل التغلب على صعوبة فهم المواد الدراسية العلمية تحدياً كبيراً للطلاب، حيث إن المفاهيم المعقدة في الرياضيات والفيزياء تتطلب أدوات تعليمية متقدمة، ويمكن للذكاء الاصطناعي تقديم حلول تفاعلية، تتضمن محاكاة علمية وتجارب افتراضية، تساعد الطلبة على استيعاب هذه المفاهيم بطرق عملية ومبتكرة، ومن خلال تحليل الأخطاء المتكررة التي يقع فيها المتعلمون، يمكن للذكاء الاصطناعي اقتراح طرق تصحيحية فعالة، مما يسهم في تعزيز الفهم العميق للمواد العلمية».
وفيما يتعلق بالمواد الأدبية، أكد أنه يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تلعب دوراً كبيراً في تحسين جودة التدريس وتطوير أدوات التعليم، حيث تستطيع الأنظمة الذكية تحليل النصوص التي يكتبها الطلاب، وتقديم ملاحظات فورية بشأن أسلوب الكتابة أو جودة اللغة، كما يمكن أن تسهم هذه الأدوات في تكييف العملية التعليمية بما يتلاءم مع احتياجات كل طالب، مثل استخدام طرق تحليل النصوص الصوتية للطلاب الذين يواجهون صعوبة في القراءة التقليدية.
أما فيما يخص أدوات التقييم التربوي، فأوضح الدكتور محمد عبيدات أن الذكاء الاصطناعي يوفر إمكانية قياس تطور الطلاب بشكل دقيق ومستمر، وذلك من خلال تحليل البيانات التعليمية الناتجة عن الأنشطة الأكاديمية المتنوعة، وهذا النهج يسمح بتقديم صورة متكاملة عن أداء الطلاب، كما يمكّن المعلمين من توجيه الجهود التعليمية لتحسين مستوى الفهم قبل وصول الطلاب إلى مرحلة الاختبارات النهائية، مما يؤدي إلى تحسين النتائج الأكاديمية بشكل ملحوظ.
تعزيز الأداء
من جهته يرى التربوي أيمن النقيب، أن إدخال الذكاء الاصطناعي في أدوات قياس الأداء يمثل تحولاً كبيراً في العملية التعليمية، حيث ينتقل التركيز من التقييم التقليدي المبني على الاختبارات النهائية إلى متابعة تطور الطلاب بشكل يومي، وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل بيانات متعددة مثل الحضور، والمشاركة، والواجبات المنزلية، لتقديم صورة شاملة عن مستوى الطالب، ما يساعد على تخصيص التدخلات التعليمية اللازمة بشكل أسرع وأكثر دقة.
كما أوضح أن استخدام الذكاء الاصطناعي يسهم في تخفيض العبء الإداري على المعلمين، ويساعدهم أيضاً في التركيز على تلبية احتياجات الطلاب بشكل أفضل، من خلال تقديم توصيات تعليمية مستندة إلى بيانات دقيقة حول مستوى كل طالب.
وقال التربوي زياد محسن الدباشي، إن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير أدوات قياس الأداء التعليمي يعد نقلة نوعية في التعليم، موضحاً أن الأنظمة التقليدية كانت تعتمد في تقييم الطلاب على الاختبارات النهائية بشكل رئيسي، في حين يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم رؤى أكثر شمولية عن مستوى تقدم الطالب على مدار العام الدراسي.
معلمون افتراضيون
وفي السياق ذاته قالت سينميس ناجي، مدير تدريب في سمارت لينك تكنولوجي للذكاء الاصطناعي المطورة للمعلم الافتراضي والمعلم الهولوغرام بالمدارس الحكومية، إن الذكاء الاصطناعي يمكنه توفير معلمين افتراضيين ذوي كفاءة عالية يتكيفون مع مستوى كل طالب على حدة، ما يسهم في تحسين مستويات التحصيل الدراسي وزيادة التفاعل في العملية التعليمية.
وأكدت أن المعلم الهولوجرام سيسهم في خلق بيئة تفاعلية داخل الفصول، ما يسهل على الطلاب استيعاب المفاهيم المعقدة بطرق بصرية وملموسة، وأشارت إلى أن هذه التقنية ستمكّن الطلاب من الوصول إلى موارد تعليمية ثرية دون الحاجة إلى وجود معلم فعلي في كل حصة دراسية.
تحدٍ
ويري فادي عبدالخالق، المدير العام لباورسكول في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أن التحدي الأكبر في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي هو التدريب المستمر للمعلمين لضمان التفاعل السلس مع الأدوات الجديدة، مؤكداً أن الدمج بين التكنولوجيا والمحتوى التعليمي يتطلب جهوداً كبيرة لضمان جودة التعليم.
وأشار إلى أن تكاليف إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم قد تكون مرتفعة في البداية، لكن العائد على المدى الطويل سيكون أكبر من حيث تحسين جودة التعليم وتخفيض تكاليف التدريس التقليدي، كما أوضح أن الإمارات تعمل على دعم هذا التحول من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص وتوفير كافة الاحتياجات التكنولوجية بتكلفة في متناول الجميع.
كما أشار إلى أن الاستثمار في هذه التقنيات يعتبر خطوة استراتيجية لتحسين مخرجات التعليم على المدى الطويل، مؤكداً أن استخدام الذكاء الاصطناعي سيسهم في توفير الوقت والجهد المبذول في عمليات التقييم اليدوي وإعداد التقارير، ما يتيح للمعلمين التركيز على تطوير المحتوى التعليمي وتعزيز مهارات الطلاب.
تقنيات
أحمد زعيم، مسؤول قسم الذكاء الاصطناعي في شركة للحلول التعليمية، أكد أن توظيف هذه التقنيات في المؤسسات التعليمية مهم للغاية وليس مكلفاً بالدرجة التي يتوقعها كثيرون، وأن نتائجه المبهرة على المدى القريب والبعيد تجعل منه ضرورة ملحة أيضاً، لا سيما فيما يتعلق بتدريس المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء التي يمكن من خلال توظيف هذه التقنية طرح نماذج لوسائل تعليمية قادرة على محاكاة كل طالب وفقاً لقدراته وإمكانياته وفئته العمرية، ما يجعل المعلم قادراً على تحقيق أهدافه داخل الحجرة الصفية، ويرى زعيم أن استثمار التقنيات الحديثة المدعمة بالذكاء الاصطناعي، لا سيما في التعليم والطب على سبيل المثال، أمر مهم للغاية وسيحدث نقلة نوعية في قطاعات تعد شريان حياة ومعياراً لقياس تطور الدول.
وأشارت الدكتورة إيناس أبو لبدة، متخصصة في الذكاء الاصطناعي من جامعة العين، إلى أن الذكاء الاصطناعي سيغير مجرى التعليم بشكل كبير من خلال تحويله إلى تجربة تعليمية مخصصة لكل طالب، كما سيتيح استخدام أدوات التفاعل الذكية تحسين مستوى الفهم لدى الطلاب وزيادة نسبة التفاعل داخل الفصول الدراسية.
وأوضحت أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية سيسهم في تقليص الفجوة بين الطلاب من مختلف المستويات الأكاديمية، حيث سيتمكن كل طالب من التعلم وفقاً لوتيرته الخاصة، مما يعزز من فرص نجاحهم وتطورهم الأكاديمي. وتوقعت أن يكون المستقبل التعليمي في الإمارات حافلاً بالابتكار.
