الاستيقاظ القسري دون راحة كافية يجعل الطالب في حالة خمول طوال اليوم

مرحلة العودة إلى النظام الدراسي تتطلب جهداً مشتركاً

مع اقتراب موعد العام الدراسي الجديد، تبدأ الأسر في الاستعداد لعودة الروتين اليومي، لكن أحد أهم هذه الاستعدادات، وغالباً ما يتم تجاهله، هو إعادة ضبط الساعة البيولوجية للطلبة، فبعد أسابيع من السهر الطويل والنوم حتى ساعات متأخرة من النهار، يجد كثير من الطلاب صعوبة في التأقلم مع مواعيد النوم المبكرة، والاستيقاظ النشيط مع أول أيام الدراسة، ما ينعكس على تركيزهم واستيعابهم، وحتى حالتهم المزاجية.

وتتضاعف أهمية هذا التهيؤ المسبق، مع تزايد تأثير الأجهزة الإلكترونية في أنماط النوم، إذ أصبح من المعتاد أن يظل الطلبة أمام شاشات الهواتف أو الألعاب الإلكترونية حتى الفجر، الأمر الذي يربك إيقاع النوم الطبيعي، ويؤخر الساعة الداخلية للجسم، ولذا، يشدد التربويون والاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون على أن إعادة الانضباط الزمني، ليست مسألة يوم أو يومين قبل الدراسة، بل خطة تدريجية، يجب أن تبدأ من الآن قبل انطلاق العام الدراسي في 25 من الشهر الجاري.

وحدد الاختصاصيون خمس خطوات لضبط الساعة البيولوجية للطلبة قبل عودة المدارس، بما يضمن انتقالاً سلساً إلى الروتين الدراسي، ويحد من الإجهاد الناتج عن تغيّر أوقات النوم والاستيقاظ.

التكيف التدريجي

وتبدأ الخطوة الأولى بالتدرج في النوم المبكر، حيث يُنصح بتقديم موعد النوم بساعة يومياً، وصولاً إلى الوقت المثالي المتوافق مع بداية الدوام المدرسي، الأمر الذي يساعد الجسم على التكيف تدريجياً دون صدمة مفاجئة.

أما الخطوة الثانية، فتتمثل في إغلاق الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بساعة على الأقل، وهو ما يمنح الدماغ فرصة لإفراز هرمون الميلاتونين، الذي يحفز على النوم الطبيعي، ويحد من تأثير الإضاءة الزرقاء المنبعثة من الشاشات.

في الخطوة الثالثة، شدد الاختصاصيون على أهمية التعرض للضوء الطبيعي صباحاً، من خلال فتح النوافذ، أو الخروج في نزهة قصيرة بعد الاستيقاظ، وذلك لتحفيز الساعة البيولوجية على ضبط إيقاعها اليومي، وزيادة النشاط الصباحي.

وتتركز الخطوة الرابعة في تنظيم الوجبات المسائية، حيث يوصى بتجنب تناول الكافيين والمشروبات الغازية والسكريات العالية قبل النوم، والاكتفاء بوجبة خفيفة تدعم الاسترخاء، وتجنب اضطرابات النوم، أما الخطوة الخامسة، وهي الالتزام بجدول أسري موحّد، بحيث تتقارب أوقات نوم واستيقاظ جميع أفراد الأسرة، ما يعزز فرص التغيير السلس، ويجعل الطلبة أكثر التزاماً بالروتين الجديد، استعداداً للعام الدراسي.

وتابعوا أن ضبط الساعة البيولوجية يبقى قبل المدارس خطوة أساسية، لضمان بداية دراسية نشطة وفعالة، وهو استثمار بسيط في الوقت والروتين، لكنه يمنح الطلاب طاقة إيجابية، وتركيزاً أكبر، ويجنّبهم فوضى الأسابيع الأولى من العام الدراسي.

الأثر النفسي والسلوكي

وأوضحت الاختصاصية النفسية أمل الحمادي، أن النوم هو العمود الفقري للصحة النفسية والأداء الأكاديمي، مشيرة إلى أن أي خلل في الساعة البيولوجية، ينعكس بشكل مباشر على المزاج، الانتباه، والقدرة على إدارة الضغوط المدرسية، مؤكدة أن الطفل الذي يذهب إلى المدرسة وهو لم ينل قسطاً كافياً من النوم العميق، سيجد صعوبة في ضبط انفعالاته، أو متابعة شرح المعلم، حتى وإن كان من الطلبة المتفوقين.

وأضافت أن مرحلة العودة إلى النظام الدراسي، تتطلب جهداً مشتركاً بين الأسرة والطالب، وأن أحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها الأهالي، هو ترك تعديل أوقات النوم لليوم الأخير قبل الدراسة، ما يجعل الطفل في مواجهة صدمة زمنية وجسدية.

وتلفت إلى أن الحل يبدأ من الآن، عبر جدولة أوقات النوم بشكل تدريجي، وخفض السهر تدريجياً، حتى الوصول إلى التوقيت المدرسي المعتاد.

وترى أن للأهل دوراً حاسماً في خلق بيئة مساعدة على النوم المبكر، من خلال إطفاء الأنوار الساطعة في المنزل في ساعات المساء، وتقليل الأنشطة المرهقة ذهنياً، مثل الألعاب الإلكترونية، أو المشاهدة على الشاشات، والاكتفاء بأنشطة مهدئة، تساعد على الاسترخاء قبل النوم.

ضبط الإيقاع

ويشير المرشد الأكاديمي مروان حامد، إلى أن عودة الطلبة إلى النظام الدراسي، لا تتعلق فقط بالكتب والمناهج، بل بإيقاع الحياة بكاملها، وأن الساعة البيولوجية هي «المؤقت الخفي» الذي يحدد قدرة الطالب على التعلم والنشاط، مؤكداً أن الطلاب الذين يبدؤون العام الدراسي وهم قد اعتادوا النوم والاستيقاظ في الأوقات المدرسية، يكونون أكثر استعداداً ذهنياً وجسدياً، ما يقلل من فترة التكيف في الأسابيع الأولى.

ويشدد على أن الأسبوعين السابقين لبدء الدراسة، هما الفترة الذهبية لإعادة ضبط مواعيد النوم، حيث يمكن تقليص وقت النوم المتأخر تدريجياً بساعة يومياً، حتى الوصول إلى وقت النوم المثالي، كما ينصح الأسر بربط عادات الاستيقاظ الصباحي بأنشطة محببة للطالب، مثل وجبة فطور مميزة، أو نزهة قصيرة قبل المدرسة، لتحويل عملية الاستيقاظ إلى عادة إيجابية، وليست عبئاً.

ويحذر من الاعتماد على المنبه فقط لإيقاظ الطالب، إذ يرى أن الأهم هو النوم المبكر، لأن الاستيقاظ القسري دون راحة كافية، سيجعل الطالب في حالة خمول طوال اليوم الدراسي، وهو ما قد يؤدي إلى ضعف التحصيل، وغياب التركيز في الحصص الأولى.

الجانب الصحي

ويبين المستشار البدني وجودة الحياة، الدكتور أسامة اللالا، أن الساعة البيولوجية هي نظام ذاتي الضبط، يعتمد على الإشارات البيئية، وأبرزها الضوء والظلام، موضحاً أن التعرض للضوء الطبيعي في الصباح الباكر، خاصة خلال الأسبوعين السابقين للمدرسة، يساعد الدماغ على إعادة ضبط إيقاع النوم، والاستيقاظ بشكل أسرع.

ويضيف أن السهر لساعات طويلة أمام الشاشات الإلكترونية ليلاً، يرسل إشارات خاطئة للدماغ، بأن الوقت لا يزال نهاراً، ما يعيق إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن الشعور بالنعاس، لذا، فإن إغلاق الأجهزة قبل النوم بساعة على الأقل، هو خطوة أساسية لتهيئة الجسم للنوم العميق، موضحاً أن الأطفال في المرحلة الابتدائية، يحتاجون إلى حوالي 9 إلى 11 ساعة من النوم يومياً، لضمان نمو صحي، واستيعاب دراسي فعال، وهذه الفترة من النوم الكافي، تساعدهم على تحسين قدرتهم على التركيز والانتباه خلال الحصص الدراسية، كما تدعم بناء المهارات الحركية والعقلية لديهم.

أما طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية، فيحتاجون إلى ما يتراوح بين 8 إلى 10 ساعات من النوم يومياً، وهذه الفئة العمرية تمر بتحولات بيولوجية وهرمونية، تجعل الالتزام بساعات نوم منتظمة أكثر صعوبة، ولكنها ضرورية لدعم قدراتهم على حل المشكلات، وتعزيز الذاكرة طويلة المدى، والاستعداد للاختبارات، وينبه اللالا إلى أن قلة النوم في هذه المراحل، تؤدي إلى مشاكل صحية ونفسية، مثل ضعف المناعة، وزيادة التوتر وصعوبة التركيز، ما ينعكس سلباً على تحصيلهم الدراسي.

البعد الاجتماعي

وترى الاختصاصية النفسية والاجتماعية، شاهيناز أبو الفتوح، أن العودة إلى المدرسة ليست مجرد انتقال من إجازة إلى دراسة، بل هي تغيير في النمط الاجتماعي والبيئي للطالب، ومن هنا، تأتي ضرورة أن تعكس حياة الأسرة هذا التغيير قبل أيام من بداية العام الدراسي.

وتشدد على أن الأسر التي تعيد ضبط جدولها الزمني بكامل أفرادها، وليس فقط الطالب، تنجح أكثر في ترسيخ العادات الجديدة، إذ يشعر الطفل بأن هناك التزاماً جماعياً، وأنه ليس وحيداً في الالتزام بالنوم المبكر أو الاستيقاظ المبكر.

وتوضح أن من أهم الخطوات العملية التي يمكن أن تتخذها الأسرة قبل بدء العام الدراسي بخمسة أيام على الأقل، هو إبعاد الأجهزة الإلكترونية وألعاب البلايستيشن ووضعها في الأدراج، حتى يتسنى للجسم والعقل استعادة إيقاع النوم الطبيعي، بعيداً عن المؤثرات البصرية والذهنية.

وتشير إلى أن هذه الخطوة قد تواجه اعتراضات من الأبناء في البداية، لكن يمكن تخفيفها ببدائل، مثل قراءة القصص، أو الجلسات العائلية، أو الأنشطة الهادئة، التي تحفز على النوم المبكر.

وتضيف أن حجب الأجهزة في هذه الفترة ليس عقوبة، بل هو تدبير وقائي، يهدف إلى ضمان بداية دراسية نشطة، وأن النتائج الإيجابية تظهر بوضوح في النشاط الصباحي، والحالة المزاجية للطالب مع انطلاق أول أيام المدرسة، وهو ما ينعكس بدوره على تحصيله الدراسي، وثقته بنفسه.

ضبط الساعة البيولوجية

1- التدرج في النوم المبكر

2 -إغلاق الأجهزة قبل النوم بساعة

3 -التعرض للضوء الطبيعي صباحاً

4 -تنظيم الوجبات المسائية

5 -الالتزام بجدول أسري موحّد