فحين أطلق سموه مبادرة «تحدي القراءة العربي» في عام 2015، لم تكن مجرد مسابقة للقراءة، بل كانت مشروعاً حضارياً عربياً، يهدف إلى إعادة الاعتبار للقراءة، بوصفها حجر الأساس في بناء الإنسان وتنمية المجتمعات، وحمل هذه التحدي رسالة متجددة إلى العالم بأن النهضة تبدأ من كتاب، من قائد يرى المستقبل بعين المعرفة والإيمان بالإنسان والاستثمار بقدراته.
وجاء التحدي ليبعث برسالة قوية، مفادها أن الأمة التي «تقرأ» هي الأمة التي «تنهض»، إذ يؤمن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أن النهضة تبدأ من الكلمة، وأن استئناف الحضارة العربية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال بناء عقل عربي قارئ ومفكر ومنتج للمعرفة.
وعبّر سموه عن هذه الرؤية بوضوح، حين قال: «تحدي القراءة العربي، هو أكبر مشروع لتغيير واقع القراءة في وطننا العربي، وغرس عادة معرفية تبني أجيالاً قادرة على استئناف مسيرة الحضارة».
تؤكد أن الاستثمار في الإنسان هو أعظم أنواع الاستثمار، والحقيقة أن هذه الرؤية تجلت في تفاصيل المشروع: فالمبادرة لم تكتفِ بتشجيع الطلبة على القراءة، بل شملت تطوير مهارات التفكير النقدي، والقدرة على التحليل، والإبداع في التعبير، وهي أدوات العقل الحضاري القادر على التغيير والإنتاج.
وإذا كانت مبادرات مثل «مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية» و«صناع الأمل» و«مليون مبرمج عربي»، قد جعلت من دبي مركزاً للإلهام الإنساني، فإن تحدي القراءة العربي، هو الرافعة الثقافية التي تغذي هذه المبادرات بعقول قارئة ومبدعة، ويترجم ذلك قول سموه: «كلما قرأ أبناؤنا أكثر، تفاءلنا بمستقبل أفضل».
صناعة المستقبل
وتحدي القراءة العربي فتح أبواب المعرفة أمام جيل عربي جديد، يؤمن بأن المستقبل لا يمنح، بل يصنع بالجهد والفكر، ولعل أبرز ما يعزز هذا التوجه، أن التحدي لا يقتصر على الطلبة، بل يمتد إلى المدارس والمشرفين والمعلمين وأولياء الأمور، ليصبح مشروعاً مجتمعياً شاملاً، تتكامل فيه المسؤوليات بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، في صناعة جيل قارئ ومستنير.
وعلى مدار الدورات السابقة للتحدي، نجد أن هذه المبادرة ساهمت في تحسين مستوى التحصيل الدراسي، وتعزيز الثقة بالنفس، والقدرة على التعبير لدى الطلبة، فضلاً عن إحياء العلاقة مع اللغة العربية، بوصفها وعاء الفكر والهوية، علاوة على ذلك، عززت من الانتماء للثقافة العربية، وربط الأجيال بجذورهم الحضارية في زمن العولمة والانفتاح، وتحوّل التحدي خلال دوراته إلى منصة لاكتشاف المواهب الأدبية والفكرية في العالم العربي.
وهذا ما ظهر جلياً في تميّز المشاركين في الدورات السابقة، بقدرتهم على التحليل النقدي، والابتكار في تلخيص الأفكار، والتعبير عن القضايا المجتمعية بلغة واعية ومسؤولة، والعديد من الفائزين باتوا اليوم سفراء للقراءة والمعرفة في بلدانهم، ينقلون تجربتهم إلى أقرانهم، وهذا بدوره يخلق أثراً تراكمياً مستداماً في الوعي العربي.
