في بلد يكتب تاريخه بسرعة مذهلة، برزت أسماء إماراتية كثيرة كسفراء للتجربة الوطنية الفريدة، لكن بين هذه الأسماء يسطع اسم الدكتورة الأميرة ريم الهاشمي، التي حجزت لنفسها مكاناً متقدماً في سجل الريادة، كونها أول امرأة إماراتية تنال درجة الدكتوراه في التخطيط الحضري.

لم يكن هذا الإنجاز مجرد لقب أكاديمي، بل بداية قصة إنسانية ومهنية ملهمة، أعادت من خلالها صياغة علاقة المدن بالناس، وربطت بين التراث والحداثة في معادلة لا تفصل بين العمران والهوية.

منذ سنوات دراستها الأولى لم تكن الأميرة تنظر إلى مدينتها كما ينظر إليها الآخرون، كانت ترى في شوارعها وأحيائها أكثر من بنايات وأزقة، بل «قصصاً معلقة على جدران البيوت القديمة، وأصواتاً تعبق في الأزقة، وهوية تتشكل بين الأسواق والميادين»، هذا الوعي المبكر جعلها تختار دراسة التخطيط الحضري بفضول لا يشبع، متطلعة لأن تكون جزءاً من مسيرة بناء الدولة الحديثة.

ونالت الأميرة ريم الدكتوراه كأول إماراتية في تخصص التخطيط الحضري، لتصبح رمزاً لاقتحام المرأة الإماراتية مجالاً ظل طويلاً حكراً على الرجال. وتصف تلك المرحلة قائلة: «لم يكن الطريق سهلاً، لكن شغفي الدائم بالتعلم والبحث جعلني أرى كل عقبة كفرصة جديدة لفهم أعمق». هذا الإنجاز لم يكن محطة شخصية فحسب، بل فتح الباب أمام جيل جديد من الباحثات الإماراتيات لدخول مجالات علمية دقيقة كانت تبدو يوماً ما بعيدة المنال.

في بدايات مسيرتها العملية، انشغلت الأميرة ريم بتوثيق وتخطيط تطور مدن الخليج، وكان عملها يتجاوز الجوانب الفنية، ليمتد إلى ما تسميه «صياغة السرديات العمرانية». تؤكد قائلة: «لم أكن أبحث فقط عن رسم خطوط على الورق، بل عن رواية قصة المدينة بما تحمله من ذاكرة ووجدان».

مع مرور الوقت، اتسعت رؤيتها للتخطيط الحضري، فانتقلت من التركيز على البنية المادية إلى الاهتمام بالبيئات التي تحتضن الإبداع والأفكار. وكان ذلك سبباً في انضمامها إلى مشروع مدار- 39، حيث تعمل اليوم على تعزيز مساحات مخصصة للحوار، والإنتاج الإبداعي، والتعاون بين رواد الأعمال والمفكرين.

توضح قائلة: «ما نقوم به في مدار- 39 هو نوع آخر من التخطيط الحضري. إنه بناء مدن مصغّرة، لكن على نطاق ثقافي وإنساني، حيث تتقاطع الأفكار وتتشكل هوية جديدة تعكس المجتمع الإماراتي».

رحلة الأميرة ريم لم تخلُ من الصعوبات، خاصة في بيئة يغلب عليها الطابع الإداري التقليدي. لكنها واجهت ذلك بما تعتبره «قوة اللطف». تقول: «آمنت أن القيادة الحقيقية تنبع من قيم التعاطف والإنصات والصبر. هذه الصفات قد يراها البعض ضعفاً، لكنها في الحقيقة ما يصنع الثقة ويمنح العمل بُعداً إنسانياً».