أطلقت كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية مبادرة مبتكرة بعنوان «سرد القصص القيادي» كجزء من برنامج تدريب القيادات، وذلك في إطار سعيها الدؤوب للدفع نحو تحوُّل نوعي في التعليم التنفيذي، وتم تطبيق البرنامج بنجاح خلال برنامج القيادات العربية.

واعتمدت الكلية على هذا النهج التفاعلي الفريد لتحويل التجارب القيادية الواقعية إلى مادة تعليمية غنية، حيث نجحت في دمج البعد الإنساني مع العمق الاستراتيجي، ما لاقى تفاعلاً لافتاً من المشاركين الذين مثلوا العديد من الدول العربية.

وانطلقت جلسات البرنامج عبر عقد حلقات نقاشية بإشراف مدربين مخضرمين، سرد خلالها المشاركون تجاربهم القيادية الأبرز، سواء تلك المتعلقة بتحديات مهنية عصيبة، أو قرارات مصيرية شكلت مسار مؤسساتهم، أو لحظات إلهام تركت أثراً في مسيرتهم.

وخُصص لكل مشارك ما بين 3 إلى 5 دقائق لعرض قصته، تلاها نقاش جماعي معمق لاستخلاص الدروس وتوثيق الأفكار. وأكد مسؤولو الكلية أن هذه الآلية تأتي في سياق تحويل التعلم التنفيذي من النمط التقليدي إلى فضاء حيوي يعكس تعقيدات الواقع.

وسعت التجربة إلى تحقيق جملة أهداف، تمثلت في تعزيز التعلم من الممارسات الواقعية بدل النظريات المجردة، تحفيز التفكير النقدي لدى المشاركين عبر مراجعة مساراتهم القيادية، بناء جسور الثقة بينهم من خلال الحوار الصريح عن النجاحات والإخفاقات.

كما ركزت على تطوير مهارات التواصل عبر صياغة السرد القصصي المؤثر، وإبراز القيمة العملية للدروس المستفادة، سواء من التجارب الشخصية أو قصص الزملاء. واتسمت الجلسات بخطوات متسلسلة بدأت بمرحلة التهيئة.

حيث قدم المدربون شرحاً عن دور القصص في تشكيل الهوية القيادية، ثم انتقل المشاركون إلى مرحلة اختيار التجارب الأكثر تأثيراً في مسيرتهم، تلاها عرض القصص بتركيز ووضوح، وانتهاء بمناقشات جماعية حللت عناصر كل قصة، واختُتمت الجلسات بتلخيص المدربين لأبرز الرؤى وربطها بالنماذج القيادية العالمية، ما أضفى طابعاً منهجياً على التجربة.

وعبرت ردود الفعل عن تحول جوهري في تصور المشاركين لمفهوم القيادة، حيث أصبحت القيادة في أعينهم سلسلة من الحكايات الإنسانية قبل أن تكون إدارة أرقام واستراتيجيات.

وأشاروا إلى أن تبادل القصص كشف عن أوجه التشابه في التحديات رغم اختلاف السياقات، ما عزز لديهم قناعة بأن القيادة الفعّالة تُبنى على التعلم المستمر من الواقع، وليس فقط من النماذج النظرية. ومثلت هذه المبادرة جزءاً من رحلة الكلية الطويلة نحو إعادة تعريف التعليم القيادي في المنطقة، عبر دمج الأصالة المحلية مع أفضل الممارسات العالمية.

وبينما تواصل الكلية تطوير أدواتها التدريبية، تؤكد أن الهدف الأسمى يبقى تمكين قادة قادرين على مواجهة تعقيدات العصر بوعي إنساني عميق، وحكمة مستمدة من واقع التجارب لا من بطون الكتب فقط.