يتزايد الحديث داخل الدوائر السياسية والعسكرية الأمريكية عن ضرورة الانتقال من المعالجات الظرفية والمؤقتة إلى حلول بنيوية طويلة الأمد في الملف السوري. ففي ظل التداعيات المتعلقة بالحرب على تنظيم داعش، تزداد الضغوط في أمريكا (خاصة من المعسكر المناهض لـ«الحروب الأبدية» وهم أنصار ترامب) على الانخراط العسكري في سوريا، الأمر الذي يدفع الجانب الأمريكي إلى تكثيف جهوده لـ«البديل»، وهو حتى الآن ينحصر في تمكين القوات الأمنية السورية وإدماج قوات سوريا الديمقراطية في وزارة الدفاع.

وفي هذا السياق، يرى مراقبون ومحللون تحدثوا لوسائل إعلام أمريكية أن تحدي مواجهة تنظيم داعش في منطقة البادية وريف حمص الشرقي قد يشكّل نقطة دفع لتسريع الجهود السياسية والعسكرية الرامية إلى إبرام اندماج فعلي بين «قسد» والجيش السوري، بوصفه أحد المفاتيح الأساسية لإعادة ضبط المشهد الأمني على مستوى البلاد ككل.

ويُنظر إلى هذا الاندماج، من منظور أمريكي، على أنه خطوة مفصلية لمعالجة واحدة من أخطر الثغرات البنيوية التي طبعت الواقع السوري خلال السنوات الماضية، والمتمثلة في تعدد القوى المسلحة، وتداخل مناطق النفوذ، وازدواجية القيادة والسيطرة.

وأدت هذه البنية المجزأة إلى خلق «مساحات رمادية واسعة»، لا تخضع لسيطرة أمنية متماسكة، الأمر الذي أتاح لتنظيم «داعش» استغلال الفجوات، والتحرك بين خطوط التماس، وتكييف عملياته وفق تضارب الأولويات بين الفاعلين المحليين، سواء كانوا حلفاء أو خصوماً.

وخلال العام الماضي، بدا واضحاً أن التنظيم استفاد من هذا الواقع أكثر من أي مرحلة سابقة، ليس عبر السيطرة على أراضٍ واسعة كما في سنوات تمدده الأولى، بل من خلال اعتماد نمط حرب استنزاف مرن، قائم على الضربات المتنقلة والهجمات الخاطفة واستهداف النقاط الأضعف في منظومات الأمن المنقسمة.

وفي هذا الإطار، تعزز الأرقام التي نقلتها صحيفة «وول ستريت جورنال» هذه القراءة، إذ تشير إلى أن تنظيم «داعش» نفذ 117 هجوماً في شمال شرقي سوريا حتى نهاية أغسطس، متجاوزاً 73 هجوماً فقط خلال عام 2024 بأكمله. ويعكس هذا التصاعد اللافت فشل المقاربات الجزئية التي ركزت على الاحتواء الموضعي، ويعيد إلى الواجهة مسألة توحيد القيادة والسيطرة الأمنية بوصفها شرطاً أساسياً لخفض وتيرة الهجمات واستعادة زمام المبادرة.

ولا ينفصل الرهان الأمريكي على الاندماج الأمني والعسكري عن إدراك أوسع لطبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا. فمحاولات إعادة بناء الدولة ومؤسساتها تجري في بيئة شديدة التعقيد، تتداخل فيها تحديات إعادة الهيكلة، وضرورات المصالحة الداخلية، مع استمرار تهديدات أمنية عابرة للمناطق والانتماءات.

من هنا، يسلط حادث تدمر الضوء على الرهان الأمريكي المتزايد على أن دعم الحكومة السورية الجديدة، ودفعها نحو توحيد أدوات القوة الشرعية ضمن إطار وطني جامع، يبقى أقل كلفة بكثير من ترك البلاد ساحة مفتوحة لتوازنات مسلحة غير مستقرة.

فالولايات المتحدة، التي تدرك أن قدرتها على ضبط المشهد في شمال وشرق سوريا ليست بلا سقف، تسعى إلى إدارة التناقضات تمهيداً للحل، وهي الطريقة الأمريكية المعتادة. فهي لا تريد انهيار الترتيبات القائمة بين دمشق و«قسد».

بالنسبة إلى دمشق، فإن «الاندماج» يعني نزع أي سلطة عسكرية مستقلة خارج إطار المؤسسة العسكرية المركزية، وحل «قسد» ككتلة مقاتلة لها قيادة وهيكل، وهو يعكس نموذج الدولة المركزية، حيث أعلنت قيادة «قسد» التوصل إلى «اتفاق مبدئي» مع السلطات السورية حول آلية دمج قواته ضمن وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين.

ترى «قسد» الاندماج بوصفه شراكة ميدانية وتنظيمية مع الجيش السوري، مع احتفاظها بمناطق انتشارها، هذا التباين لا يرتبط بمسألة عسكرية فحسب، بل يمس جوهر التصورين المختلفين لمستقبل الدولة السورية: مركزية في رؤية دمشق، مقابل صيغة لا مركزية بحكم الأمر الواقع في تصور «قسد». فهل تنجح الولايات المتحدة في ردم الهوة بين الطرفين وتجد لنفسها مخرجاً للانسحاب من سوريا حين يحين الوقت؟