تشكل إعادة الإعمار أحد أكبر التحديات التي تواجه السلطات الجديدة في سوريا، منذ وصولها إلى دمشق في ديسمبر الماضي، بعد طي أكثر من نصف عقد من حكم عائلة الأسد، والنزاع المدمر الذي امتد على كامل الجغرافيا السورية.
ورغم محاولات التعافي، إلا أن ملف إعادة الإعمار يواجه تحديات في تحويلها إلى برنامج عمل، بسبب العوائق الكبيرة الخارجية والداخلية، وعلى رأسها عدم اكتمال رفع العقوبات الدولية رغم عمليات تقليصها المستمرة من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
وقدّر البنك الدولي هذا الأسبوع أن تكاليف إعادة الإعمار في سوريا قد تصل إلى 216 مليار دولار. لكن الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا روحي أفغاني، قال إنه غير قادر على تقديم رقم محدد، غير أن الحاجات هناك «هائلة». وروى أن مسؤولين محليين في طول سوريا وعرضها أخبروه عن حاجات كبيرة جداً تتعلق بالإسكان والمدارس والمراكز الصحية، إضافة إلى الماء والكهرباء.
وتعقد الكميات الكبيرة من الذخائر غير المنفجرة، جهود رفع الأنقاض المنتشرة في كافة أنحاء البلد، بما فيها تلك الموجودة ضمن تلال الركام التي ينبغي إزالتها.
منذ سقوط حكم الأسد، عاد إلى سوريا أكثر من مليون لاجئ من الخارج، وعاد أيضاً نحو مليونين نازح إلى مناطقهم، بحسب الأمم المتحدة.
ومع أن هذه العودة تشكل إشارة جيدة، إلا أن هذه العودة في الظروف الحالية تؤدي إلى ضغط كبير على البنية التحتية، وعلى وسائل النقل، وعلى قطاع التعليم، وعلى الأفران.
والشهر الماضي، فاجأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأوساط السياسية والدبلوماسية السورية بقرارها تمديد حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بسوريا لعام إضافي، وفق وثيقة صادرة عن المكتب التنفيذي في البيت الأبيض. وجاء القرار ليعيد فتح النقاش حول طبيعة السياسة الأمريكية تجاه دمشق بعد نحو عام من الانفتاح النسبي الذي شهدته العلاقات الثنائية، منذ سقوط نظام بشار الأسد وصعود الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع.
المحاسبة الدولية
ويعني ذلك عملياً أن واشنطن لم تغلق بعد ملف المحاسبة الدولية، وأنها ترى أن البنية الأمنية والاقتصادية السورية ما زالت تحمل مخاطر تتطلب أدوات ضغط قانونية وسياسية مستمرة، حتى مع وجود حكومة جديدة في دمشق تحظى باعتراف أمريكي.
اللافت أن قرار التمديد صدر بعد أيام فقط من مشاركة الرئيس أحمد الشرع في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهي المشاركة التي وصفت بأنها أول اختبار علني للشرع على المسرح الدولي.
وقد تزامن القرار الأمريكي مع تعثر المفاوضات الأمنية بين دمشق وتل أبيب برعاية أمريكية غير مباشرة، إذ فشلت الجهود في التوصل إلى اتفاق شامل حول مناطق خفض التصعيد وضمانات الحدود، رغم تزايد الحديث في الأروقة الدبلوماسية عن تفاهمات محدودة تشمل تبادل أسرى أو ترتيبات أمنية مؤقتة في الجولان.
تناقض
من جهة أخرى، يسلّط القرار الضوء على التناقض الواضح بين المسارين السياسي والقانوني في التعاطي الأمريكي مع الملف السوري. فبينما يظهر الانفتاح الدبلوماسي الأمريكي في لقاءات متعددة مع مسؤولين سوريين ودعم واشنطن للمسار الاقتصادي الجديد في دمشق، بقي الإطار القانوني للعقوبات على حاله تقريباً، وكأنه يعيش في عزلة عن التطورات السياسية، الأمر الذي يعطل جهود إعادة الإعمار.
وقد أثبتت الشهور الماضية أن الخطاب الأمريكي المعلن حول دعم إعادة الإعمار و«الانتقال السياسي المنضبط» لا يوازيه تعديل كافٍ في المنظومة القانونية التي تنظّم العقوبات، الأمر الذي يثير قلق المستثمرين والدول الراغبة في الانخراط في مشاريع التعافي السوري.
ويخشى اقتصاديون من أن يؤدي استمرار حالة الطوارئ إلى تجميد معظم التحويلات المالية الدولية الموجهة إلى سوريا، وهو ما قد يعرقل تدفق الاستثمارات الخليجية والأوروبية التي بدأ الحديث عنها في مؤتمرات إعادة الإعمار.
