تصريح الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في نيويورك، خلال حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن حرصه على التهدئة مع إسرائيل، وأنه يمكن التحدث عن علاقة مستقبلية معها بعد الاتفاق الأمني، جاء متناسقاً مع تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن الاتفاق لم ينضج بعد، مما يؤشر إلى غياب رؤية واضحة مشتركة.

ولم ينكر نتانياهو، في جلسة للحكومة، أن هناك تقدماً في المفاوضات مع السوريين، لكن «الاتفاق لا يزال بعيداً»، على حد تعبيره، وهو تصريح يؤشر إلى أن توقيع الاتفاق، ربما يكون على الخطوط العامة، أما التفاصيل فستحتاج إلى جولات من الحوار والمحادثات.

ولم يتغير المشهد الميداني جهة إسرائيل، إذ أنها نفذت توغلاً جديداً في ريف محافظة القنيطرة على الطريق الواصل بين بلدتَي جباتا الخشب وخان أرنبة، كما أن دورية أخرى تابعة لإسرائيل، توغلت على طريق الصمدانية العجرف، وأقامت حاجزاً مؤقتاً على الطريق، قبل انسحابها.

وجاء هذا التحرك، بعد ساعات من عملية توغل مماثلة في ريف درعا الغربي، إذ دخلت قوّة إسرائيلية ليل الجمعة-السبت، إلى قرية معرية في منطقة حوض اليرموك، وأقامت حاجزاً مؤقتاً من الجهة الشرقية للقرية، كذلك تحركت وحدات عسكرية باتجاه قريتَي كويا وعابدين.

هذه التحركات تزامنت مع تسريبات عن توصل الطرفين، السوري والإسرائيلي، إلى اتفاق أمني، ونشرت منصة أمريكية مختصة بالحرب، خريطة، قالت إنها خريطة لجنوبي سوريا وفق الاتفاق، وهي مقسمة إلى ثلاثة قطاعات، منها جزء محظور فيها الطيران السوري، وهي السويداء.

في هذا السياق، لا يمكن عزل هذه التحركات عن التوازنات الدولية والإقليمية المحيطة. فالولايات المتحدة، التي أوقفت عقوباتها ضد دمشق، وفتحت الباب أمام تسويات أوسع، تبدو مهتمة بضمان أن أي اتفاق سوري–إسرائيلي، لن يخلّ بأولوياتها في المنطقة، خصوصاً ملف مكافحة الإرهاب واستقرار الجنوب.

أما روسيا، فرغم تراجع حضورها العسكري والسياسي في الجنوب، بعد سقوط النظام السابق، ما زالت تحاول الحفاظ على أوراق نفوذ، عبر التنسيق الأمني مع دمشق. وفي الإطار العربي، يبرز موقف الأردن المتأثر مباشرة بما يجري على حدوده الشمالية، إلى جانب الدول الخليجية التي ترى في أي استقرار حقيقي في سوريا، مدخلاً لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، وتعزيز الأمن الإقليمي.

وفق المعطيات السورية القريبة من الحكومة، فإن إسرائيل ستحاول عدم الالتزام بالتهدئة، لذلك، فإنها تهدف إلى اتفاق عام، يحتاج إلى متابعات طويلة، عبر فرق قانونية من الجانبين، وربما هذا سيكون ثغرة لمواصلة تدخلاتها في جنوبي سوريا، وبالتالي، إبقاء البلاد في حالة عدم استقرار، بهدف جعل سوريا بيئة طاردة للاستثمارات، وغير ملائمة للتنمية ومشاريع إعادة البناء.

والرؤية الإسرائيلية في هذا الجانب، تتعارض تماماً مع المشروع العربي الداعم لعودة سوريا إلى الصف العربي، وأخذ موقعها الطبيعي والتاريخي، بعد عقود طويلة من الانحراف السياسي، في عهد الأسدين الأب والابن. الرئيس أحمد الشرع، تحدث في مقابلة إعلامية عن العلاقات مع إسرائيل، وكان لافتاً قوله إننا نعرف كيف نحارب، لكننا لا نريد الحرب.

وهي جملة كافية لتكون رسالة إذا أرادت إسرائيل أن تضمن تهدئة على المدى الطويل، وتتخلى عن استغلال الأوضاع الحالية في سوريا، بالشكل الذي قد لا يحتمله السوريون في نهاية الأمر. وعليه، تبدو الاحتمالات مفتوحة على أكثر من مسار. فنجاح الاتفاق، قد يضع الجنوب السوري على سكة تهدئة طويلة، تتيح تدفق الاستثمارات، وعودة سوريا إلى دورها الطبيعي عربياً.

أما إذا تعثرت المفاوضات على التفاصيل الدقيقة، فإن الجنوب سيظل ساحة توتر قابلة للاشتعال في أي لحظة. وفي مواجهة هذه السيناريوهات، تحاول دمشق، عبر خطاب براغماتي، أن تؤكد معادلة مزدوجة: امتلاك القدرة على الردع العسكري من جهة، والاستعداد لخيار التسوية السياسية من جهة أخرى، بما يضمن ألا تتحول التفاهمات الجديدة إلى فخ يكرس الانقسام، بل إلى جسر يفتح الباب أمام استقرار أوسع.