أحدثت مواجهات السويداء الدامية في سوريا شرخاً وطنياً، وألقت بظلالها على الانفتاح الخارجي على دمشق، حيث أظهرت التصريحات الأمريكية خلال اليومين الماضيين إمكان إجراء «مراجعة».
وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية ماركو روبيو في حديثه عن فظائع ارتكبت في السويداء، وكذلك تحركات المبعوث توماس براك الذي أصبح تحت ضغط دبلوماسي من إدارته بسبب مواقفه السابقة التي ربما أوحت لدمشق بمسار أمريكي داعم غير قابل للتزحزح.
ورغم محاولات السلطة التدخل الإيجابي في السويداء فإن النقاشات على المستوى الاجتماعي كشفت عن تباينات كبيرة في رؤية بناء الدولة والغياب المقلق للتوافقات السياسية، وكانت نتيجتها تضخيم الشكوك في المستقبل، ودعوات لإعادة النظر في العملية السياسية وتوسيع المشاركة في الحكم وتكريس التعايش والسيطرة على دعوات التحريض والكراهية.
الهوة التي لم ينجح السوريون في ردمها فتحت الطريق أمام اعتداءات إسرائيل التي كانت تشن الهجمات حتى بدون ذرائع، لكن جاءتها الفرصة للتذرع بالأهداف «الإنسانية» على حساب الدم السوري، رغم ما ترتكبه يومياً في غزة.
ثمة مخاطر بأن تعيد أحداث السويداء سوريا إلى المربّع الأمني، بعد قرابة شهرين من التفاؤل بتقدّم المسار الاقتصادي على الأمني، في ظل انفتاح دبلوماسي توّج برفع معظم العقوبات بعد رحيل نظام بشار الأسد.
تعكس هذه الأحداث تعقيداً متزايداً في المشهد السوري، وتشكّل، بحسب مراقبين، لحظة انعطاف تُهدّد بإجهاض الانفراج الهشّ، سواء على الصعيد الأمني أو السياسي أو الاقتصادي.
فعلى الرغم من الزخم الدبلوماسي العربي والدولي الذي أحرزته دمشق مؤخراً، فإن الثغرات الأمنية المتكررة في الوضع الداخلي، وعودة المواجهات العنيفة، ذات الطابع الطائفي، تشير إلى أن سوريا لا تزال مهددة بعوامل الانفجار، وأن مسار التعافي الذي بدا واعداً، قد يعود إلى الوراء ما لم تتم معالجة جذرية للتوترات الداخلية والتدخلات الخارجية في آن معاً.
وشهدت العديد من ملفات الحوار الداخلي جموداً وتراجعاً خلال الأسابيع الماضية، كان أبرزها فشل جولة حوار بين دمشق والإدارة الذاتية في شرق الفرات، مع احتمال امتداد المواجهات إلى شرق الفرات في ظل خطاب تصعيد متبادل، واستنفار الأطراف المحلية التي لم تشارك حتى الآن في الحكومة ولم تندمج في مؤسسات الدولة.
هذه التطورات من شأنها أن تصيب جهود المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك في مقتل، حيث إن أطروحته للحل في سوريا ترتكز على التوصل إلى تفاهمات أمنية بين دمشق وتل أبيب، وهو ما كان على وشك التحقق قبل مواجهات السويداء، خصوصاً بعدما أشير إلى أجواء إيجابية سادت المحادثات بين الطرفين.
في هذا المشهد الملبّد بالتصعيد والضبابية، تحتاج سوريا أكثر من أي وقت مضى إلى توحيد مؤسسات الدولة وحصر السلاح بالمؤسسات الرسمية، وهو ما يستدعي تفاهمات جادة داخلية لطرح رؤى مرنة للدمج الأمني والمشاركة السياسية لإنقاذ خارطة الطريق التي رُسمت في الشهور الأخيرة، واستثمار الفرصة الاستثنائية التي ما زالت متاحة أمام سوريا.
