الرفض الإسرائيلي لكل حلول وقف الحرب بشكل دائم، بدأ يوحي بأن الشكوك حول وجود مخططات كبرى، تتجاوز قضية نزع السلاح، وتسليم ما تبقى من جثث المختطفين، وربما تتجاوز حتى دوراً لحركة حماس في إدارة قطاع غزة، قد تكون حقيقية.

وفي الذكرى الـ78 لقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947، يطل على غزة مشروع جديد يقسمها إلى شطرين شرقية وغربية، فيما يبدو كأنه تقسيم للمقسم. الوضع الجديد يضع غزة بين سيناريوهين: انسحاب الجيش الإسرائيلي وإعادة الإعمار وعودة السلطة الفلسطينية لإدارة شؤون القطاع، وفتح مسار سياسي للحل الدائم، أو تقسيم غزة، وتكريس الوصاية الأمريكية، واستمرار السيطرة الإسرائيلية، وعدم بناء ما دمرته الحرب، وبدء تهجير طوعي للغزيين بحثاً عن العمل والحياة. ومن هنا فمصير غزة يعتمد على نجاح الفلسطينيين في إدارة ملفها، فهل يفضي المشروع الأمريكي الجديد إلى غزتين، شرقية وغربية؟

في تل أبيب لم يعد الحديث عن نزح السلاح فحسب، وإنما عن الحاجة إلى تغيير المعادلة في الشرق الأوسط، واحتمال الانتقال من خروقات الحرب الراهنة، إلى إعادة اجتياح القطاع، وقد يكون هذا مجرد حرب نفسية، كما يصفها مراقبون.

وحال كان مشروع تقسيم غزة بات مطروحاً بشكل جدي على بساط البحث الإسرائيلي، فكيف يمكن لهذا المشروع أن يصبح واقعاً؟

ليس بالدبلوماسية بكل تأكيد، فتطبيق مثل هذا الحل لا يمكن أن يتم إلا بمزيد من القوة والدماء، كما يقول المحلل السياسي محمـد دراغمة، مبيناً أن هذا الموقف يعكس رؤية إسرائيل لمستقبل قطاع غزة، منوهاً إلى معطيات وتقديرات تشير إلى أن أمريكا نسقت هذا المشروع مع الجانب الإسرائيلي. ويرى دراغمة، أن مشروع التقسيم هو السيناريو الأسوأ للفلسطينيين في المرحلة المقبلة، مرجحاً أن تميل الأمور إلى الصدام أكثر منها إلى الاتفاق.

تشاؤم

أما في الجانب الفلسطيني فهناك تشاؤم وقلق كبير من مستقبل قطاع غزة، على ضوء التوجهات الإسرائيلية الأمريكية، فتوجهات واشنطن تقوم على نشر القوات الدولية في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، بحيث تفرض سيطرتها عليها، وبعد ذلك تنسحب القوات الإسرائيلية منها، وبموازاة ذلك يتم العمل على مشاريع تشغيلية وإيواء مؤقت، في حين تبقى المناطق التي تعمل فيها حركة حماس، مناطق مدمرة، وغير صالحة للحياة، وهذا ما يقلق الفلسطينيين، بحيث يتم تقسيم غزة، إلى شرقية مزدهرة تسيطر عليها القوات الدولية، وغربية مدمرة تسيطر عليها حركة حماس.

وإذا ما أفلت زمام الغارات الإسرائيلية الراهنة على قطاع غزة، لتصبح اجتياحاً شاملاً، فهذا سيدفع مئات آلاف الغزيين إلى اللجوء والهجرة، الأمر الذي سيفرض أمراً واقعاً جديداً على كل من مصر والأردن، إذ إن توسع الحريق الغزي، سيقدم كل المبررات للحكومة الإسرائيلية، كي تمضي قدماً في مخطط تغيير معادلة الشرق الأوسط، التي لوحت بها مراراً. مشروع تقسيم غزة، يصفه مراقبون بالمجنون، إذ يعيد إلى الأذهان ما جرى في العام 1948، عندما تم إحلال شعب مكان شعب آخر، وهناك من المراقبين من ذهب حد القول إن من ضمن المخطط الإسرائيلي، ملء بطون الفلسطينيين، من خلال إغراقهم بالمساعدات الإغاثية، لدفعهم إلى تناسي ما يجري في القطاع من سيطرة وتقسيم، وربما تغيير كل خريطة الشرق الأوسط.