يقف معتز طوافشة، رئيس بلدية سنجل، مبهوراً وهو يتأمل مشهد تحويل بلدته إلى سجن معزول، من خلال إحاطتها بالأسلاك والأعمدة الحديدية، التي راحت تنبت من أرضي البلدة كخناجر مسمومة تغرز في جسد المكان، بارتفاع يقفز عن الـ4 أمتار، وعلى طول أكثر من كيلومترين، بمحاذاة شارع 60 الاستيطاني، الذي يخترق قلب الضفة الغربية.

ولم تعد الأرض منبسطة في بلدة سنجل شمال شرق مدينة رام الله، بل ضاقت بالمنعطفات والطرق المتعرجة بفعل الجرافات العسكرية الإسرائيلية، والأسلاك الشائكة التي غيّرت معالمها، ضمن مخطط استيطاني لعزل 8000 دونم من أراضي البلدة، عن الشارع الرئيس المحاذي لسنجل، والواصل بين مدينتي رام الله ونابلس.

في بلدة سنجل الجميلة «تزاوج» بين أكثر من نمط معماري، ويلمس الزائر إليها بساطة عيش أهلها، في حياتهم اليومية، ففي ساعات الفجر الأولى، يجدد أهالي سنجل حبهم للأرض، يندلقون إليها، فتمتلئ المناطق السهلية والجبلية بالمزارعين، وقد انهمكوا في حراثة وزراعة الأرض، وتلحظ الأطفال وهم يملؤون عبوات الماء من عيون البلدة، التي تتربص بها عيون المستوطنين.

على جبال سنجل، يكتوي جبل التل الأثري بنار الاستيطان، ولا يسلم زوّاره الذين يتوسّمون به الخير، من اعتداءات المستوطنين، والغاز المسيل للدموع، ما يجعل البلدة مخنوقة بالمستوطنات من كل الجهات، وقد أصبحت هدفاً للمستوطنين، يستبيحون أرضها ويرعبون أهلها.

يقول طوافشة لـ«البيان»: «هنالك حالة عداء يكنّها المستوطنون لجبل التل الأثرية جنوب سنجل، ومنطقة «أبو عوف» شمالاً، فيوغلون في حرق المزروعات وتقطيع الأشجار، ولا يكلّون عن اقتحام البلدة، ومهاجمة سكانها، كما جرى مع المواطن وائل غفري، الذي أعدموه بدم بارد وهو يدافع عن أرضه، والأدهى والأمر أن الجيش الإسرائيلي هو من يطلق أيديهم للقتل والخراب».

ونوّه طوافشة إلى تجريف مساحات واسعة من أراضي سنجل وخنق المساحات الزراعية، التي تعد مصدر رزق للأهالي، مبيناً: «هذا ليس مجرد سياج حول الأرض، بل هو جدار يفصلنا عن تاريخنا، وعن أرض نعرف كل حجر فيها، وتعرفنا أكثر مما نعرفها، فشجرة الزيتون هي جذورنا ورمز هويتنا، وسندافع عنها ونفديها بأرواحنا».

وبينما كان طوافشة يتحدث لـ«البيان» كانت مجموعات من المستوطنين، تهاجم منازل بلدة سنجل، وتحرق مزروعاتها، بينما كانت خيامهم تنمو مثل وباء، وتفترش رقاعاً جديدة في أراضي البلدة، التي غدت المستوطنات تحيط بها، إحاطة السوار بالمعصم.

في سنجل، يدفن الأهالي غضبهم وحنقهم تحت الكلمات، وتشتعل ذاكرتهم بطقوس توارت في منطقة التل، بفعل اعتداءات المستوطنين، لكنها ظلت راسخة في أذهانهم ووجدانهم.. الخبز على النار، والشاي على الحطب، وسلال العنب والتين في موسم القطاف، الذي كان مغلفاً بالفرح، قبل أن يعكّر صفوه مستوطنو «شيلو» و«معاليه ليفونة» و«جفعات هاروئيه».

وما يجري في بلدة سنجل، ليس استثناء، بل هو جزء من نمط استيطاني آخذ في الاتساع، فتنمو الأسلاك على حساب الحقول الزراعية، ولا الشجر يسلم ولا البشر ولا الحجر، ويعيش الأهالي حالة من الانتظار القلِق، وتتحرك مشاعر أهل سنجل صعوداً وهبوطاً، مع كل نبأ حول اقتحام جديد للمستوطنين.

قفلنا عائدين، من الطريق المتعرج في بلدة سنجل، وكانت مجموعات المستوطنين، تمارس طقوس وهوايات الاعتداء على المزارعين، وكانت تودعنا أيادي الأطفال ملوّحة، والشعارات العنصرية التي خطها المستوطنون على منازل البلدة، وتتوعدهم بالمزيد.