يمثل ملف إعادة رفات وجثث الإسرائيليين من أكبر مهددات اتفاق غزة، في ظل إصرار إسرائيلي على عودتهم، ووعيد باستئناف القتال حال عدم حدوث ذلك، رغم أن اتفاق وقف النار تحدث صراحة عن صعوبة الوصول إليهم سريعاً في ظل الدمار الكبير في القطاع، وعدم توفر الآليات اللازمة لرفع الأنقاض.

وتتخذ إسرائيل هذا الملف ذريعة لعدم إعادة فتح معبر رفح بين غزة ومصر، والمفترض أنه أعيد فتحه منذ أيام، أو توسيع دخول المساعدات ورفع وتيرتها. وأكدت مصر، أن استعادة الجثث ستكون مهمة معقدة، وتحتاج إلى وقت، ومنصوص على ذلك في الاتفاق.

وهدّدت إسرائيل باستئناف القتال في غزة، إذا لم تلتزم حماس بإعادة بقية الجثث المحتجزة في القطاع الفلسطيني. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إنّه أمر الجيش بإعداد خطة لسحق حماس، في حال تجدد القتال في القطاع، مضيفاً:

إذا رفضت حماس الالتزام بالاتفاق، فإنّ إسرائيل، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ستستأنف القتال، وستعمل على إلحاق الهزيمة الكاملة بحماس، وتغيير الواقع في غزة، وتحقيق كل أهداف الحرب، لكن واشنطن أعربت عن أملها في صمود الاتفاق ومنح «حماس» مزيداً من الوقت للوصول إلى بقية الجثث الـ19.

وقال موقع «أكسيوس» الأمريكي إن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر تحدث إلى المبعوثين الأمريكيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، وبحث قضية جثث الأسرى ومواصلة تنفيذ اتفاق إنهاء الحرب.

وأضاف ان قائد القيادة الوسطى الأمريكية شارك في الاتصال الهاتفي بين ديرمر وويتكوف وكوشنر.وفقا للموقع، أكدت الولايات المتحدة لإسرائيل اهتمامها بمواصلة تنفيذ الاتفاق رغم التأخير في إعادة جثث المحتجزين.

وفيما قالت المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، شوش بيدروسيان، إن إسرائيل لا تزال ملتزمة بالاتفاق، وتواصل الوفاء بالتزاماتها، مطالبة حماس بإعادة جثث 19 رهينة قتلوا في الحرب، ولم تسلمهم الحركة، قالت الحركة إنها سلمت 10 جثث، لكن إسرائيل قالت إن إحداها ليست جثة رهينة. وأضافت حماس أنها سلمت كل الجثث التي تسنى لها انتشالها.

كما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، عزمه على تأمين عودة رفات كل الرهائن. وقال نتانياهو، الخميس، أثناء إحياء الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر: نحن مصممون على إعادة كلّ الرهائن..

المعركة لم تنتهِ بعد. وطالب منتدى عائلات الرهائن والمفقودين، الحكومة الإسرائيلية، بتأخير تنفيذ المراحل التالية من الاتفاق، إن لم تسلم جثث الرهائن الـ 19 المتبقية.

ودعا المنتدى في بيان، الحكومة الإسرائيلية، إلى وقف تنفيذ أي مراحل أخرى من الاتفاق فوراً، ما دامت حماس مستمرة في انتهاك التزاماتها بشكل صارخ، في ما يتعلق بإعادة جميع الرهائن وجثث الضحايا.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، أمس، التعرف إلى هويتَي الرهينتين إنبار هايمان، ومحمد الأطرش، اللذين سلمت حركة حماس جثتيهما. وأورد الجيش في بيان، أنه بعد انتهاء عملية التعرف إلى الهوية التي أجراها معهد الطب الشرعي.. أبلغ ممثلو تساحال عائلتي إنبار هايمان والسارجنت محمد الأطرش، أنه تمت استعادة جثتيهما.

بدوره، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أن استعادة جثث جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، ستكون مهمة معقدة، وتحتاج إلى وقت، مشيراً إلى الظروف الميدانية الصعبة في القطاع، التي تعيق الوصول إلى الجثث.

وقال عبد العاطي لشبكة سي.إن.إن الإخبارية الأمريكية، إن صعوبة الوصول إلى الجثث، كانت من النقاط الواضحة خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في مدينة شرم الشيخ، حيث تلعب مصر دوراً رئيساً في الجهود الرامية إلى تحقيق تهدئة في غزة.

وأضاف الوزير أن نجاح خطة وقف إطلاق النار، مرتبط بشكل مباشر بضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، قائلاً: نحتاج إلى إغراق غزة بالمواد الغذائية والإغاثية.

وشدد على أن تداعيات الحرب باتت ملموسة على مستوى المنطقة بكاملها، متوقعاً أن تكون المرحلة الثانية من المفاوضات صعبة. وأعرب عبد العاطي عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق، شرط استمرار انخراط كافة الأطراف الدولية، بمن فيهم الولايات المتحدة، برئاسة دونالد ترامب.

كما أكد اثنان من كبار المستشارين الأمريكيين، أن حركة حماس طمأنت الولايات المتحدة، عبر وسطاء، بأنها تعمل على إعادة جثث الرهائن. وقال المستشاران، اللذان لم يصرح لهما بالتحدث علناً، وأطلعا الصحافيين، بشرط عدم الكشف عن هويتهما، إنهما لا يعتقدان أن حماس انتهكت الاتفاق.

وأضاف المسؤولان، أن الدمار الواسع في القطاع، يعقد عملية استعادة الجثث، مشيرين إلى أن الركام وبقايا الأسلحة غير المنفجرة، يزيدان من صعوبة المهمة.

معبر رفح

في الأثناء، قالت إسرائيل، أمس، إنها تستعد لإعادة فتح معبر رفح مع مصر، للسماح بدخول وخروج الفلسطينيين من قطاع غزة، لكنها لم تحدد موعداً لذلك، رغم أنه كان من المفترض فتحه منذ أيام. واتهم مسؤول كبير في حماس، إسرائيل، بخرق وقف إطلاق النار، عندما قتلت 24 شخصاً على الأقل في عمليات إطلاق نار منذ يوم الجمعة، وقال إنه تم تسليم قائمة بهذه الانتهاكات إلى الوسطاء.

وأضاف أن إسرائيل تعمل ليل نهار على تقويض الاتفاق، من خلال الانتهاكات على الأرض. وفيما لم يرد الجيش الإسرائيلي حتى الآن على اتهامات حماس، أفادت وزارة الصحة في غزة، أمس، بأن إسرائيل سلمت جثامين 30 فلسطينياً، ما يرفع إجمالي من سلمتهم إلى 120.

تنسيق

كما قالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية، وهي الهيئة الإسرائيلية المعنية بتنسيق المساعدات، في بيان، إن تنسيقاً جارياً مع مصر لاتخاذ قرار بشأن تاريخ إعادة فتح معبر رفح أمام الأفراد، بعد استكمال الإعدادات اللازمة.

وأضافت أن معبر رفح لن يفتح أمام المساعدات، لأن ذلك لم يتضمنه اتفاق وقف إطلاق النار في أي مرحلة، لكن كل السلع الإنسانية المتجهة إلى قطاع غزة، ستمر من معبر كرم أبو سالم، الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، بعد خضوعها لعمليات التفتيش الأمنية.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى، إن السلطة الفلسطينية ستعمل مع مؤسسات دولية وشركاء للتعامل مع التحديات الأمنية واللوجستية والمالية والحكومية التي تواجه غزة. وأضاف لصحافيين أن مؤتمراً مقبلاً في مصر بشأن إعادة إعمار غزة، سيحتاج إلى توضيح كيفية تنظيم أموال المانحين، ومن سيتسلمها وكيفية إنفاقها.

تعزيز انخراط

من جهته، اعتبر المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، اتفاق خطة السلام في غزة، دعوة إلى أوروبا لتعزيز انخراطها الدولي بشكل أكبر. وقال ميرتس في بيان:

عاد الأمل مجدداً في سلام حقيقي ودائم في المنطقة، ذلك أصبح ممكناً، لأن دولاً وقادة دول عملوا معاً، ولأنهم لم يتركوا أي مجال للشك في تصميمهم على إنهاء هذه الحرب المروعة.. لقد شهدنا ما يمكن أن يحدث عندما يتعاون المجتمع الدولي..

العمل السياسي يصنع فارقاً في هذا العالم، سواء نحو الأفضل أو الأسوأ.. لذلك، فإن يوم الاثنين الماضي، يمثل لي دافعاً لأن نتحمل مسؤوليتنا في العمل بحزم أكبر.. على أوروبا أن تستخدم إمكاناتها بقدر أكبر من الحسم والوحدة، وأن توظف قوتها للمساهمة في جعل العالم مكاناً أفضل.

موقف

على صعيد متصل، ناشدت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، جميع الأطراف مواصلة المضي نحو سلام دائم ومستدام، عقب وقف إطلاق النار في غزة، قائلة إنه سيعود بالنفع على المنطقة بأسرها. وأضافت خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن، أنها شعرت بالارتياح بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار.

مشيرة إلى أن انخفاض حدة التوتر، سيكون من التطورات الجيدة بالنسبة لاقتصادي مصر والأردن، اللتين ينفذ الصندوق برنامجاً في كل منهما، ولبنان وسوريا، اللتين طلبتا المساعدة والدعم من الصندوق. وقالت: من المهم أن يشجع جميع المعنيين هذا التوجه نحو سلام دائم ومستدام، وهو أمر سيعود بالنفع على المنطقة بأسرها.