على وقع آخر الغارات، والتحليق الأخير للطائرات الإسرائيلية في سماء قطاع غزة، في سياق ما يصطلح عليه عادة في أي اتفاق لوقف إطلاق النار بـ«سباق الضربة الأخيرة» رد الغزيون برشقات فرح عمت مراكز ومخيمات النزوح، وامتدت إلى قلب غزة، وتخللها إطلاق للنار في الهواء والمفرقعات النارية، بينما جابت المسيرات العفوية شوارع غزة، وأطلقت المركبات أبواقها، احتفالاً بالتوصل إلى اتفاق وقف النار، الذي أبرم في شرم الشيخ المصرية، بين حركة حماس وإسرائيل.

لم تكن مشاهد الفرح الممزوجة بالدموع، التناقض الوحيد في أول لحظات ما بعد الحرب في قطاع غزة، إذ انفجر الشارع الغزي بنوبات هتافات وأهازيج، وهم يكتبون وداعية الحرب التي استمرت على مدار عامين، وشوهد المئات وهم يخرجون من قبضة الخيام والنزوح والتشريد، ورغم الحزن الشديد على فقدان الأعداد الكبيرة من الضحايا والمنازل، وكل ما يرمز للحياة، إلا أن أجواء من البهجة أطبقت على قطاع غزة.

صرخات أطفال علت على الانفجارات وحطام الحرب، وسجدات شكر على الغبار والركام، بعد أن أقفل اتفاق شرم الشيخ 24 شهراً من الحرب، إذ أفضت الجهود السياسية التي تصدت لها مصر، بالشراكة مع قطر وأمريكا، إلى اتفاق لوقف الحرب، وإبرام صفقة تبادل للأسرى، ما أشعل قناديل الفرح في عموم أرجاء قطاع غزة، فيما بدا وكأنه «مراسم وداع» لأقسى الحروب، وأكثرها فظاعة.

وتعاكست رياح الدبلوماسية مع دمار كبير لف قطاع غزة، لكن فرحة النازحين بينما كانوا يتأهبون للعودة إلى منازلهم، طغت على المشهد، فما أن انبلج قرار وقف إطلاق النار، حتى دوّت صافرات الفرح بانتهاء الحرب الدامية، وكل شيء في شوارع غزة كان يشي بأن الحرب الأكثر توحشاً في تاريخ الفلسطينيين، توارت أخيراً خلف أكوام الركام.

«انتظرنا هذا اليوم على أحر من الجمر، وفرحتنا اليوم لا توصف، سنعود إلى منازلنا ونعمرها، ونحمد الله أن كتبت لنا الحياة حتى نعيش فرحة انتهاء الحرب» هكذا عبّر النازح علاء أبوغوش عن سعادته الطاغية بانتهاء جحيم الحرب، كما وصفه، موضحاً: «لأول مرة منذ عامين، سننام ليلنا الطويل، دون ضجيج الطائرات، وهدير المسيّرات، وأصوات القذائف والانفجارات».

ولفت إلى أنه لم ينم الليلة الماضية، وهو يتابع مجريات المفاوضات في شرم الشيخ، بينما قال فادي الزيتاوي: «مرت علينا أيام قاسية مجحفة، وتعاقبت علينا الغارات بوتيرة تصاعدية، وفقدنا أحبة وأقارب وأصدقاء».

وتابع: «آن الأوان كي نستريح، الحرب حرقت أعصابنا، وغيرت مجرى حياتنا.. فرحتي ممزوجة بحرقة وغصة على فقدان 4 من أفراد عائلتي، ولكن هذا قدرنا.. المنازل سنعمرها، وسنعيد الحياة إلى غزة قريباً».

الغزيون أخذوا يلاحقون فلول الحرب، لكن حرب العامين، ستظل محفورة في وجدانهم لأجيال وأجيال، وسيظل بؤس الحرب يداهمهم ويحاصرهم، حتى وإن أخمدت كرة النار، إذ ما يزيد على مليوني نازح قصدوا العودة إلى منازلهم، لكنهم لم يجدوا غير الركام.